2 دقائق للقراءة
من كتابنا: كتاب الإشراقات، الجزء الثاني
المريد الموهوب، يريد وجه الله.
والمريد المحجوب، يريد وجه شيخه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمريد الموهوب، الذي وهبه الله نور البصيرة والفهم، وأقامه بين يدي رجل من رجاله الصالحين، يريد وجه الله سبحانه، وإنما الشيخ وسيلة وسبب.
مع ما يكون من احترامه وتبجيله وطاعته فيما يرضي الله.
والعلم اليقيني أن شيخه إن هو إلا خادم لله ورسوله.
وأن على شيخه أقطابا أعلى منه مقاما، وهو معهم في مقام المريد.
ولذلك فالشيخ العارف بالله لا يحجب مريده به، بل يدله على الله، ويجعله خادما لرسول الله.
ويملأ قلبه حبا لله ورسوله وآل بيته الكرام.
ويعلمه توقير أهل الله جميعا، وزيارة مقاماتهم، وعدم الصد عنهم والنفور منهم.
وأن المقام لا يتصل بحياة أو وفاة، بل بعطاء المعطي الذي لا يفنى.
ولا يمس مقام من أعطاهم شيء من عوارض الأجساد كالحياة الدنيوية أو الموت الجسماني، والروح لا تموت وهي التي تحتوي السر والمقام.
فذلك شيخ حقت صحبته، ووجبت طاعته، موصل موصول، واصل مقبول.
بابه مفتوح، ومريده ممنوح، ذنبه ممسوح، ودخوله مسموح.
أما المدعي على الله فيكون حجابا لمريده.
فلا يصل المريد المنخدع الذي ظن فيه الصلاح إلى شيء، فهو كالذي يركض في مكانه، ويجري في موضعه.
فيضيع شقاؤها هدرا، ويلاقي مكرا وغدرا.
فهو مريد محجوب، وطالب مسلوب.
ينطمس سره في شيخه فلا يريد وجه الله بل وجه الشيخ، من أثر تلبيس الشيخ الدعي عليه.
فيدعوه إلى التسليم له تسليم ميت لغاسله.
ويعظّم من شأن ذاته في عيني مريده، ويقدح في غيره. ويلمز في الصالحين.
ويقول له من مات انتهى أمره، وانطفأ سرّه، والوارث الحي هو الوارث الكامل.
وأنه الوحيد المخصوص بالحقيقة، الملقّن للطريقة، الذي لا يقطع رسول الله أمرا إلا بعد أن يستشيره، أو يطلعه عليه.
وأنه غوث الأغواث، وقطب الأقطاب، والعارف بالإسم الأعظم وأسرار الكتاب.
فهو في عيني مريديه أعظم من الجيلاني، قطب كل ولي. وأعظم من الرفاعي قائد قادتهم وسيد سادتهم.
وأعظم من كل من سبق من أهل الله الواصلين إلى الله بالله.
فيطوف المريد حول شيخه، فهو قبلته وكعبته، ويذكره أكثر من ذكر الله، ويمدحه أكثر من مدح رسول الله، ويحبه أكثر من حب آل بيت نبي الله.
والشيخ الدعي مبغض لآل بيت النبي، مستنقص منهم، أخفى ذلك أم أظهر.
منكر للمهدي، كاره له، لأنه يخشى أن يأتي فيفضحه، أو يظهر فيهلكه.
وهو محتقر للصالحين، لأنه من الطالحين.
يرتدي لباس الصلاح، على حقيقة الطلاح.
فاسد مفسد زارع للأوهام، عدو للنور حليف للظلام، مغتر في المقام، مجتر للكلام.
عقيدته فاسدة، وسلعته كاسدة، ونفسه لأهل الفضل حاسدة.
ومن ابتلي بمثله فهو كمن وقع في دوامة رمل، أو التفت عليه أفعى تنفث سحرها في وجهه وهو يراه كشفا، وتسقيه سمها وهو يحسبه عسلا.
وإذا لقي عارفا بالله حقا أنكره، وإن وجد سبيل الرشاد تركه. وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
فدخل وشيخه في مقام المحجوبين، وسقط في حفر المسلوبين، وظن أنه غالب وهو وشيخه من المغلوبين.
﴿ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾[1].
[1] الكهف الآية ١٠٤