3 دقائق للقراءة
(من كتاب الإشراقات)
ذنوب الأشقياء نقش على صخر جبل الجلال.
ذنوب السعداء أثر على رمل بحر الجمال[1].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه تقع في مجمع البحرين، بين الذين سبقت لهم الحسنى، والذين حقت عليهم الكلمة.
فيوم الحشر يكون المكلّفون جميعا بين شقي وسعيد. ولا وجود لمرتبة بين المرتبتين.
﴿یَوۡمَ یَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِیࣱّ وَسَعِیدࣱ﴾[2].
ولكن ثمة مراتب في الشقاء ومراتب في السعادة.
السعداء سعدوا بكلمة سبقت لهم من ربهم.
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ﴾[3].
والأشقياء لكلمة حقت عليهم.
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ حَقَّتۡ عَلَیۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾[4].
ولكن لذلك في أعمالهم تفصيل، ولله الحكمة في الهدى والضلال والاجتباء والتفضيل.
وليس في كل ذلك ظلم، ولكن الكلمة التي سبقت رحمة، والكلمة التي حقت عدل. ولكل مقام أهله ولهم أعمال هم عاملوها يحق بها مراد الله السابق علما وتقديرا.
والذنب بينهم عام إلا صفوة الصفوة المعصومون ممن اصطفى واختار.
ولكن ثمة فرق بين ذنوب هؤلاء وهؤلاء.
فلقد عصى آدم ربه. ﴿فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَاتُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾[5].
وعصى إبليس ربه وأبى طاعة أمره. ﴿إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰۤ أَن یَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِینَ﴾[6].
ولكن الله سبحانه عفا عن آدم عليه السلام.
﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾[7].
ولم يعف عن إبليس اللعين بل مسخه ورجمه ولعنه، وطرده من رحمته وجنته.
﴿قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِیمࣱ﴾[8].
وقد قتل موسى عليه السلام بغير قصد نفسا، فاستغفر فتاب الله عليه وغفر له لحينه.
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾[9].
ولم يقبل من فرعون الظالم إيمانه بعد أن رأى العذاب.
﴿۞ وَجَـٰوَزۡنَا بِبَنِیۤ إِسۡرَاءِیلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡیࣰا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱلَّذِیۤ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوۤا۟ إِسۡرَاءِیلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ `ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ عَصَیۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ ﴾[10].
ذلك أن ذنوب الذين سعدوا بنظرة من الله لا تأتي من قلب مستكبر، بل هي النسيان مع حسن القصد كما في معصية آدم عليه السلام. وهي الفعل الذي ليس من ورائه قصد الأذى كما في قتل نبي الله موسى للرجل الذي وكزه.
وقد تكون تلك المعاصي ناتجة عن أثر النّفس الأمارة، أو من نزغ الشيطان وتآمره ووسوسته وخداعه. وهي فور وقوعها ومعرفة ذلك الذي سعد بنظرة الله بها يكون الانكسار والاستغفار.
ولذلك فإن الله يعفو ويغفر للذين يستغفرون ربهم بعد الذنب ويذكرونه وينكسرون له.
﴿وَٱلَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ یُصِرُّوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلُوا۟ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾[11].
فتكون ذنوبهم كأثر على رمل شاطئ بحر الجمال الرباني الذي يظهر الجميل ويستر القبيح ولا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر. والذي قال لعبده لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة.
اما ذنوب العصاة المستكبرين فهي تأتي تحديا لله ومنازعة له في الكبرياء. وعلوا في الأرض بغير الحق. فهي نقش على صخر جبل الجلال. لا تمحى ولا يعفى عنهم أبدا. حتى لو استغفر لهم رحمته للعالمين الذي لا يرد له طلبا. ولكن لمقام الجبروت قوانين صارمة قاهرة.
﴿ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِینَ مَرَّةࣰ فَلَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ﴾[12].
فهو سر “لن” التي لها معان ودوال، وتعني عموما المحال.
[1] 12.03.20 12:33
[2] هود الآية ١٠٥
[3] الأنبياء الآية ١٠١
[4] يونس الآية ٩٦
[5] طه الآية١٢١
[6] الحجر الآية ٣١
[7] البقرة الآية ٣٧
[8] الحجر الآية ٣٤
[9] القصص الآية ١٦
[10] يونس الآية 90 – 91
[11] آل عمران ١٣٥
[12] التوبة الآية ٨٠