14 دقائق للقراءة
في مشهد النبي موسى، ظهر السحرة بحبال ألقوها فبدت كأنها تسعى، في سحر تخييلي يجعل الوهم يبدو حقيقة، وهذا تماما ما فعل الملاحدة ومنظروهم، منذ داروين إلى هوكينغ، أي نظرية التطور ونظرية الأكوان الموازية.
إن الفلاسفة الذين رفضوا وجود الله رفضوا في الحقيقة دور الكنيسة، لذلك كانت فلسفة التنوير ثورة من أجل العقل والفكر، وهو تنوير لم ينطلق من رحم الالحاد بل كان حركة فكرية فلسفية تجديدية، من أهم مدارسها ومنابعها المدرسة الديكارتية والمدرسة الكانتية أو ما سمي بالفلسفة المثالية الألمانية التي كان مؤسسوها فلاسفة كبارا تأثروا بكانت وهم هيغل وآرثر وشوبنهاور كما سنبين لاحقا. ضمن ذلك الخضم الثوري التنويري كانت ردات فعل قوية شابها من الإلحاد ما شابها، ولكن بقيت الأدلة الفلسفية لا تتجاوز أحكاما مسقطة دليلها الوحيد هو النموذج البشري المتمثل في رجل الدين أو كيفية ترجمة المتدين للدين، وهي أمور نسبية يمكن أن تكون صحيحة ويمكن أن تكون خاطئة، وفي جميع الأحوال لا يعني الاستخدام السلبي للقيمة سلبية القيمة نفسها، فمن يستخدم الصدق والوطنية للسرقة والتحيّل هو لص لئيم وخائن وليس الصدق ولا الوطنية لصوصية ولؤما وخيانة، ولذلك كان الذين يديرون مسألة الإلحاد بشكل قصدي بحاجة إلى برهان قوي علمي يتعلق بالوجود نفسه والموجودات التي فيه لا بالأفعال البشرية النسبية، وهنا يأتي دور داروين في القرن التاسع عشر، وستيفن هوكينغ في الوقت الحالي.
البداية ستكون مع نظرية داروين التي سموها التطورية الالحادية، وليس في النظرية كلها على افتراض صحتها ما يدعو إلى الإلحاد، لأنه حتى إن صدقت فثمة معطيات كثيرة ناقصة، ولا يوجد دليل واحد على أن الوجود تم دون موجد، بل هو قدّم أدلة على أن الكائنات على ظهر هذا الكوكب تطورت وتشترك في جد واحد.
ببساطة نظرية داروين (تشارلز روبرت داروين عالم تاريخ طبيعي وجيولوجي بريطاني 12 -2- 1809 / 19 -4- 1882) تتعلق بوجود نشوء وتطور للكائنات، عبر انتقاء طبيعي وطفرات جينية وقوة تطورية تمثلت في الانحراف الوراثي Genetic drift أو التغير العشوائي للجينات الذي يحدث نتيجة خطأ الاستعيان، وتكون الطفرات عبر تغييرات في تسلسل الحمض الريبوزي النووي المنزوع الأوكسجين أو الحمض النووي الصبغي (DNA)، أو في الكروموزمات التي تحمله، وبذلك يحدث تغيير في المعلومات الوراثية الحيوية المشفرة التي يحملها، وهذا سيغيّر النوع تغييرا تاما بعد سلسلة طويلة تطوّر فيها أحادي الخلية إلى ثديي فقرد فإنسان. وبذلك قامت نظريته على أن “كل الكائنات الحية على مر الزمان تنحدر من أسلاف مشتركة”.
فيما يخص ما بين الإنسان والقرد أقرّ داروين بوجود حلقة مفرغة، حاول بعض المتعصبين له ملأها وتم الكشف عن أن العملية كانت تحيلا بارعا ونحتا في جماجم القردة بعد أن نال جائزة من ملكة بريطانيا فكانت فضيحة كبيرة.
نجحت الأعمال الأحفورية (وفق روايتهم) بعد داروين في العثور على أشكال جماجم بشرية بدائية فيها شبه بالقرد، فرسموا لذلك نموذجا من قرد إلى شبه بشري إلى بشري مكتمل.
بالاضافة للطفرة والانحراف الجيني رأى داروين أن الاصطفاء الطبيعي له دور أساسي في انقراض أنواع وبقاء أخرى عبر قوة التكيف، فالبحوث الأحفورية تثبت وجود كائنات منقرضة لدى بعضها شبيه تطور منها، وهذا الاصطفاء يمكن أن يكون عشوائيا أو من خلال التكاثر وقدرات النسل الجديد وميزاته ومدى تكيّفه، كما بين أن السمات يمكن أن تنتقل من جيل لآخر (وراثية).
بالعودة إلى التركيبة الداخلية للطفرة التطورية أو الانحراف، وإلى أصغر الجزيئات المكتشفة في الجينات، والتي هي المفعّل النظري للطفرة والانحراف الجيني وفق نظرية داروين، فإن الحمض النووي يتكون من نكليوتيدات، وهذه معلومات عنها: “النكليوتيد Nucleotide هي وحدة أساسية في بناء حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين، وحمض نووي ريبوزي ؛ فهي بمثابة الحروف الأساسية التي تكتب بها الجينات، تنقل المورثات والخصائص الجينية من جيل إلى آخر، وتعمل النيوكليوتيدات أيضاً في عملية تأشير الخلية، أي استبدال الإشارات بين خلايا الجسم ؛ وكذلك تقوم النوكليوتيدات بدور هام في عمليات التمثيل الغذائي” .
النوكليتيدات موجود بأعداد مليارية داخل الكائنات الحية، في انتظام ودقة رهيبة، وكل ما تم اكتشافه عنها نقاط في بحر ممتد، والعلماء يعترفون أنهم كل مرة يكتشفون معطيات جديدة عن الكائنات والكون لم يتخيلوا من قبل وجودها، وسأرجع لأعداد النيوكليتيد في الجسم البشري وفق بحث قام به أكثر من ألفي عالم لمدة عشرين عاما في ردي على دوكينز ونظريته اللاشيئية.
بين الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين DNA (مجموعات كبيرة متكررة من الأحماض النووية تتشكل في هيئة سلسلتين طويلتين حلزونتين من الجزيئات وتربط بين السلسلتين أحماضا نووية مثل درجات السلم. وهو العماد الأساسي للكائنات الحية ووجود الحياة على الأرض، إذ أنه يمكن أن يكرر نفسه، أي يصنع مثيلا له. وهو الذي يحتوي على التعليمات الجينية التي تصف التطور البيولوجي للكائنات الحية ومعظم الفيروسات؛ كما أنه يحوي التعليمات الوراثية اللازمة لتكوين أعضاء الجنين سواء في الرحم أو البيضة أو النبات، أي لكل الكائنات الحية.) والحمض النووي الريبوزي RNA (بوليمر حمضي نووي مؤلف من ارتباط تكافئي لمجموعة من النيكليوتيدات. الحمض النووي الريبوزي هو واحد من ثلاثة جزيئات ضخمة بيولوجية تُعتبر أساسيّة لكل أشكال الحياة (مع الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين والبروتينات)، هنالك تفاصيل لصناعة الحياة في العالم الجينومي الصغير: “معتقد أساسي مُتّصل بالبيولوجيا الجزيئية يفيد بأن تدفق المعلومات الوراثية في الخلية يتكون من DNA الذي يصنع RNA والذي بدوره يصنع البروتينات. البروتينات هي حصان العمل في الخلية حيث تلعب دوراً رئيسياُ في الخلية كإنزيمات، كمكوّنات هيكلية، أو في إشارات الخلية، على سبيل المثال لا الحصر. يلعب DNA دوراً أساسيّاً كمخطط في الخلية، حيث يحمل كل المعلومات الوراثيّة اللازمة لنمو الخلية، للحصول على المواد الغذائية والتكاثر. هنا يكمن دور الآر أن إيه في الخلية عندما تحتاج إنتاج بروتين معيّن، حيث أنّه يقوم بتفعيل جين البروتين (جزء من DNA يُشفِّر ويرمز لذلك البروتين) وإنتاج نسخ متعددة منه على شكل حمض نووي ريبوزي رسول. تلك النسخ تُستخدم لترجمة الشفرة الجينية من أجل صنع البروتين عن طريق الرايبوسومات. يستطيع RNA بمعنى آخر أن يزيد من كمية بروتين معين يمكن صنعه في مرحلة واحدة من جين معين كما أنه يشكل نقطة تحكم مهمة من أجل تنظيم وقت وكمية إنتاج بروتين مُحدد” .
هذا العالم متناهي الصغر له وزنه في معيار الكون الجزئيني، تماما كالهكزون في تركيب الكواركز داخل البروتونات في الذرة نفسها، ولذلك تجد في تعريف البروتينات توصيفات عن العلو والثقل والضخامة: “البروتين مركب عضوي معقّد التركيب ذو وزن جزيئي عالٍ يتكون من أحماض أمينية مرتبطة مع بعضها بواسطة رابطة ببتيدية. البروتين ضروري في تركيب ووظيفة كلّ الخلايا الحية وحتى الفيروسات.
العديد من البروتينات تشكل الانزيمات أَو وحدات بروتينية تدخل في تركيب الإنزيماتِ. كما يقوم البروتين بأدوار أخرى هيكليةِ أَو ميكانيكيةِ، مثل تشكيل الدعامات والمفاصل ضمن الهيكل الخلوي. تلعب البروتينات مهام حيوية أخرى فهي عضو مهم في الاستجابة المناعية وفي تخزين ونقل الجزيئات الحيوية كما تشكل مصدرا للحموض الأمينية بالنسبة للكائنات التي لا تستطيع تشكيل هذه الحموض الأمينية بنفسها.
البروتينات أيضا واحدة من الجزيئات الضخمة الحيوية إلى جانب عديدات السكريدات والدسم والأحماض النووية، وهذه الجزيئات الضخمة الحيوية تشكل بمجموعها مكونات المادة الحية الأساسية” .
هذه المليارات من النيوكليدات، وهذه العوالم المعقدة من الأحماض النووية والجينات والبروتينات، مع ما بينها من تواصلات حيوية، تشكل الكائنات الحية على ظهر هذا الكوكب، ونظرية داروين تنبني على تطور أفضى إلى تعدد النوع، وإلى أصل مشترك، وكائن كان في البداية خلية أحادية، وتكيّفٍ جعل السمك في الأعماق أعمى ثم طوّر العينين حين اقترب من سطح الماء، والثديي الأول بحريا ثم تطور ليكون برمائيا ثم بريّا، ثم كان من التطور ان اضطرت الزرافة إلى مد عنقها وإطالته لعلو الأشجار، في حين وجد الجاموس بجانبها العشب فحنى له عنقه، ثم كان الانتقاء عشوائيا تارة وبقهر الاصطفاء والانتقاء طورا، وبين عالم النيوكليدات والحمض النووي المشكل لتكون الانواع، وعالم القرد الذي تحول إلى إنسان، تدور نظرية داروين لتصل إلى حقيقة في اعتقاده واعتقاد من يتبعه أن الخلق لا يحتاج إلى خالق لأن كل ذلك ناجم عن مجرد التطور، من أحادي الخلية والبكتيريا التي مرض بها كوكب الأرض بعد نيازك وبراكين وتشكل للماء الأول، إلى هذا الإنسان الذي يبني حضارته وعلومه، كنسخة نهائية، دون تحديد كيف ومتى انتهت حلقات التطور التي من المفروض وفق نفس القوانين تستمر إلى الآن ومستقبلا (هنالك منظرون يتكلمون عن طفرات جديدة تتمثل في المحولين جينيا أصحاب القدرات الخارقة)، كما أن تحديد الزمن الذي يستغرقه تحول خلية واحدة إلى ثديي أو نوع إلى آخر غير محدد بل هو هلام نظري يمتد لملايين السنين، مع أن التمساح الذي يمتد زمنه إلى الديناصور احتفظ بنفس الحمض النووي ولم يتحول إلى نوع آخر ولم يتطوّر وقد مرت ملايين السنين على وجوده.
نظرية داروين تتجاهل الديناصور، وهو أقدم الكائنات المكتشفة، أو يكون التطور عكسيا من أعلى إلى أدنى، فالدينصاور أضخم وأكبر ولا علاقة له مع الأرنب والسنجاب والنمل ولا حتى من الفيلة في الحجم والتركيب الخاص.
كما أن الأشجار التي لها تآلفات مع الكائنات التي تقتات منها أو تعيش على أغصانها وفي جذوعها (الملايين من الطيور والقردة وغيرها) أو بجوارها، فهل تطورت هي أيضا ولها جد واحد أم تشترك مع الكائنات الأخرى في نفس السلالة لوجود قواسم دقيقة مشتركة في التركيب الحي؟
سؤال آخر لابد منه لصاحب نظرية التطور: نفترض أن كلامك كله صحيح: تطور الإنسان من قرد، تطور القرد من ثديي، تطور الثديي من أحادي الخلية، كل ذلك بعمليات معقدة داخل الحمض النووي وسلسلته وتشفيره الجيني لملايين السنين، ولكن هذا الجزيء الأدنى (النيوكلوتيد) من أين جاء؟
إن لم يكن هنالك موجد له فمن أوجده؟
وكيف يمكن تفسير ذلك العدد المهول منه وانتظامه من الحمض النووي إلى البروتين والخلية والكائن الحي أو الفيروس أو البكتيريا وكثرة أنواع كل نوع وتنسيق ذلك في سلسلة حيّة تفاعلية؟
وإن كان كل شيء جاء مصادفة من تخمّرات وتفاعلات فوق الأرض وداخل الماء، من أين جاء الماء وجاءت الأرض؟
القول بأن الطفرة عشوائية قول فيه جهل كبير: لأن تلك الدقة لا تحتمل واحد على مليار من العشوائية، ذلك التنظيم من التكوينات الدنيا والجينومية والجزئية والذرية، وما دونها، في تفاعلاتها الكيماوية والحيوية، وفي توازناتها ومحفّزاتها الطاقية، وفي ما يحفّ بها ويؤطّرها من قوانين الفيزياء والظروف المناسبة للوجود والبقاء، كالهواء والضوء وطبيعة كوكب الأرض وكل ما يخص تركيبته وما يحفظ الحياة على سطحه، وطبيعة الماء نفسه ولماذا الماء تحديدا للحياة والكائنات في تكوينها وفي حاجتها الدائمة إليه أو وجودها في كنفه وداخله (الكائنات المائية)، وتركيبة الضوء في حد ذاته وآليات وصوله ودوره في الحياة ونمو الخلايا وبقاء الكائن وأجهزة التصفية الكوكبية والجوية التي بها يتم وصوله دون سواه من أنواع الأشعة الضارة بالحياة والقاتلة، والهواء وتوازنه مع مختلف الغازات الأخرى ضمن حسابات دقيقة تجعل التنفس ممكنا وللأكسجين تحديدا دون غيره…
ثم الأنواع كلها: تخيل النمل كم عدده وكم أنواعه منذ الديناصور وقبله، والطير كم نوعا وصنفا، والسباع والحيوانات اللاحمة والعاشبة، والأسماك، تخيل وتصور كل ذلك منذ بداية الحياة على الأرض إلى الآن، الأعداد والأنواع وكل نوع وألوانه وأصواته وعائلاته التي يتصل بها كما بين السنوريات أو القوارض، وكلٌّ له غذاؤه ومجاله وطباعه وآليات دفاعه وهجومه وبقائه وتكيّفه، وعلاقة شكله ولونه بمجال وجوده (الدب القطبي الأبيض والدب الرمادي)، وكذلك الصلة بينه ضمن السلسلة الغذائية المتقنة، بل حتى قدرة الحرباء على التلون وتفصيل تفصيل آلية ذلك، كل هذا لا يجد له داروين ولا عالم من علماء التطور ولا سواهم تفسيرا ولا تبريرا للوجود والإيجاد والتنوع وكل المعطيات بشكل قطعي، وكل عالم يدعي بالإحاطة بتفصيل السر في كائن أو خلية أو ذرة فهو كذاب، والمجهول في الوجود وكائناته ومكوناته ومكنوناته أضعاف أضعاف المعروف، والمعروف منها نسبة منه ثبتت صحته كحقائق والباقي مجرد نظريات، والتطور إحداها فلا أحد يقول “حقيقة التطور” بل مجرد نظرية ولئن ادعى مناصروها أنها حقيقة، وحتى الحقائق التي ثبت فعليا أنها صحيحة في أي مجال من مجالات الوجود والموجودات فهي إما ناقصة خلفها ما لا يحصى من الحقائق أو هي نسبية أو تأتي حقيقة أخرى فتنسف سابقتها نسفا وهذا معلوم في الشأن العلمي فالتطور بين نيوتن وما دونه عن الكون وبين الفيزياء الكمية ونسبية آينشتاين ونظرياته وما بعدها يبلغ حد القطع والكسر والنقض والبناء من الهدم وليس فقط مجرد التطوير ومزيد الاكتشاف، إنها غابات كثيفة ومجاهل عديدة تجعل أدعياء الإحاطة الكاملة مجرد مساكين ضيئلي الحجم أمام ألغاز هذا الوجود، فكيف بالموجد نفسه؟.
من الكلمات التي لا يريد أنصار التطور ذكرها، قول داروين في اعتراف مؤلم بوجود ما يقصر عنه فهمه وإداركه وتقف دونه نظريته:”إن رؤيتي لذيل الطاووس تصيبني بالغثيان”. ذلك أن التنسيق المذهل لتلك الألوان من المحال أن تكون مجرد مصادفة وانحراف عشوائي.
ثمة خدعة في المسألة: التطور موجود، ولكن ليس من نوع إلى آخر، بل داخل النوع نفسه، باحتمالين:
*الاحتمال الأول: أن يكون الموجد أوجد الأنواع ضمن عائلات بينها علاقات جينية يمكن بدراستها تبين الصلة بينها، بل جعل على ذلك أدلة ليست فقط في الجينة الخفية بل في الخلّة الظاهرة والشكل الجسمي والخصائص، وأوجد لذلك آلية تجعل النمر الأبيض منحدرا من سلالة نمر آخر، أو النمور والأسود والفهود تنحدر من جد واحد، ولكنها حتما لا تشترك مع الحمائم والغزلان والتماسيح والأسماك في نفس الجد. وبذلك يكون للخالق أن يطوّر ضمن نفس العائلة أو النوع، فتتناسل لتكون منها سلالات جديدة أرقى أو أكثر ملاءمة للظرف العام للأرض أو للحاجة الوجودية والحكمة من وجودها، وفي هذه النقطة وبهذا التحديد تكون نظرية التطور صحيحة بصحة هذا الاحتمال، ولكن مع وجود خالق فاعل ومُفعّل، لا مصادفات عشوائية عمياء. ولو أن داروين ومن ناصروه من علماء وجّهوا بحثهم في هذا لما كانت نظرية التطوير متصلة بالإلحاد مطلقا ولما وقع في خطأ التعميم (أن كل الكائنات لها جد بيولوجي واحد). ولكن لكل نوع وعائلة يُحتمل ان يكون جد بيولوجي واحد تم خلقه بصفاته المكتملة وخلق زوج له ثم انحدرت منه سلالة كاملة وهو شأن آدم وزوجه وسلالته.
*الإحتمال الثاني: كل نوع وكل عائلة تم خلقها مكتملة منفصلة، ويمكن أن يكون الإيجاد والإظهار للكائنات على مراحل، ومصداق ذلك أن ظهور الديناصور سابق لمعظم الكائنات الأرضية، وانقراض نوع يعني ظهور أنواع لم تكون موجودة ولا صلة لها تناسليا وبيولوجيا حتى بأنواع قريبة منها أو من نفس عائلتها الكبيرة، وبذلك.
هذان الاحتمالان الوحيدان الذان يمكن مناقشة صحتهما وربما صحّا معا (تظهر مخلوقات وأنواع جديدة كل فترة من فترات الخلق الأولى أو ما بعدها ثم تتناسل وتتم تطويرات داخلها وفي إطار ترابطها النوعي والعائلي)، ويكون التطور حقيقيا وفق ذلك وتتم ترقيات وتطويرات مختلفة تصل إلى التطور البنيوي لدى الإنسان (تطويرات في البنية والقوة) والفكري والثقافي وهذا ثابت (التطور العلمي والتقني) ولكن لعل في التاريخ حضارات بلغت أمورا لم نبلغها اليوم، وعرفت علوما وأسرارا وكان لها قدرات لم نعد نمتلكها، بل إن حالات كثيرة من القدرات الخارقة لدى بعض البشر (ذاكرة كيم بيك أو العقل التخاطري الرهيب لدى بيتر هيركوس) تجعل التطور انحداريا في بعض وجوهه أي كان لدى الإنسان قدرات وقوى أكبر وطاقات أقوى ثم فقدها مع فقدانه للقوة الليبيدية القتالية وتغليبه للقوة الليبيدية الجنسية وانضواءه في مجتمعات ألغت تلك القدرات لديه ويتم تفعيلها بحالات من المرض التوحدي (حالة كيم بيك) أو الحوادث (حالة هيركوس) أو بشكل غير مفهوم إلى اليوم. ويمكن مراجعة مقالاتي عن الطاقة الحيوية ونوعية انفجار الطاقة ومقالاتي عن القدرات الخارقة للانسان وعن بيتر هركوس تحديدا او الكتابات عن الذين ذكرتهم هنا. وكل ذلك من قوى الجد الاول وبعض سلالته والتي نامت أو فقدت وتتيقظ فقط في بعض البشر وفي أوجه فقط، ولكن علماء التطور ينسبونها لطفرات جديدة تصل ذروتها في المحولين جينيا الذين يروجون لهم بأفلام كثيرة عن المحولين X Man والأبطال الخارقين.
وهذا موجود أيضا في عالم الحيوان فالنمور في العصور الأولى كانت أقوى كثيرا من النمور الحالية والكائنات حينها كانت أكبر حجما وقوة بما لا يقارن مع ما يوجد اليوم، فليس التطور بالضرورة نحو الأرقى والأفضل بل يكون نحو الأقل قوة ولكن وفق الملاءمة والحكمة فلو كان الديناصور موجودا لما تمكن الإنسان من العيش ولا أي من الكائنات الحالية.
فيما يخص التشابهات الجينية بين المخلوقات الأرضية فتفسير ذلك أن الموجد جعل من سر خلقه وإيجاده صلات بين ما خلق من مخلوقات في ذات العالم وطبيعة الوجود، فمخلوقات هذا العالم المادي أصل حياتها وجوهر تركيبها الماء، و كل الكائنات الحية على الأرض لها مشتركات جينية بينها (كالحمض النووي، والبروتينات)، ولكنه في ذات الوقت جعل تمايزا وفردانية في كل كائن أو مخلوق حتى يظهر الإبداع الخلقي، فكل الكائنات بينها اختلافات ولكلّ منها ميزته أو ذاتياته الخاصة به حصرا، ففي عالم الإنسان كنوع من أنواع المخلوقات لا توجد بصمتان متطابقتان حتى بين توأم متشابه بشكل كلي ظاهريا، ولا بصمة العين تتشابه. كل هذا دال على قصدية واعية عاقلة قامت بإيجاد كل تلك التفاصيل والتنويعات وجعلت تشابهات دقيقة عامة واختلافات دقيقة متباينة بين كل كائن وآخر، مع تنويعات ظاهرية وباطنية في كل شيء، وهذا لا يدع مجالا للشك أن موجدا قويا حكيما ترك بصمة خلقه على كل ما خلقه في التشابه، وترك بصمة إبداعه على كل ما خلقه في الاختلاف، فلا وجود لمخلوق شبيه بالآخر شبها كليا، ولا وجود لمخلوق على الأرض إلا وله روابط بالآخر في التركيب الجيني وفي أمور أخرى عديدة (الولادة الحياة الموت التكاثر….).
نظرية داروين تصلح لفلم وثائقي ممتع، عن قرد بدأ يتعلم المشيء، وبدائي يكتشف النار، ويكتشف اللغة (واللغات وحدها بتعددها ورموزها وقواعدها والقواسم بينهما جميعا والتمايز بينها أيضا برهان على قدير قادر ولي عودة في مقال آخر مخصص للغات ضمن مناقشة نظرية التطور الثقافي وعلم الميميات الذي ابتكره دوكينز). وهنالك أفلام ركزت على تطور قردة وحربهم مع البشر، وكرتون كثير فيه القرد الناطق والقرد القوي (كونغ) لترسيخ نظرية داروين، لكن عبثا يفعلون فأعداد كبيرة من العلماء ثبت لها أنها نظرية خاطئة بل وفاسدة، وبقي المروجون لها من المتعصبين وأصحاب النزعات النفسية الإلحادية أو القصديون وهم الصهاينة وحلفاؤهم ونناقش أكثر ونفصل غاياتهم لاحقا.
نظرية التطور (الإلحادية) فيها خدع كثيرة، فعلماء التطور درسوا ما بين الأنواع من علاقات، وأجدادها في الأحفوريات، وأسقطوا ذلك على التطور كله، وهذه خدعة.
واستندوا إلى وجود إنسان بدائي (أي فقد خصائصه الحضارية والتواصلية وجميع معارفه) ليصلوه بالقرد ضمن تطور وتاريخ فيه موعده (بالمصادفة) مع اكتشاف النار ومع الزراعة ومع بناء المدن وتشكيل القبائل وتكوين اللغات والثقافات والحضارة)، ومع أن الإنسان تطورت معارفه وعلومه وثقافاته حقيقة، ولكن ذلك لا يعني أن البدائي هو أول المسيرة الإنسانية، فمن المكتشفات الحضارية ما هو أقدم من أول إنسان بدائي تم اكتشافه، وهنالك اكتشافات كثيرة بينت مدى جهلنا بتطور حضارات سحيقة القدم ومجهولة كليا. والأكيد أن لوجود الإنسان البدائي المستمر إلى وقتنا الحاضر تفسيرات أقرب إلى الحق من أنهم الأقرب إلى القرد الجد الأول للوهم الدارويني.
وعلماء التطور نظروا في التشابه بين الشمبانزي والإنسان، ضمن حلقات كثيرة من التشابه بين المخلوقات، لسر وضعه الخالق، فأسقطوا ذلك أن الإنسان والشمبانزي يشتركان في جد واحد، وهذه خدعة أيضا، فلو أن الشمبانزي ابن عم البشري لكان لآلية التطوير دور في تحويله إلى شبه بشري ومنحه لغة ومعرفة وحياة أرقى، ولكن الشمبانزي هو نفسه منذ آلاف آلاف السنين.
بعض الأحفوريات عثرت على جماجم لبشر لهم أشكال قريبة من القرد، كأنها مرحلة بين الإنسانية والقرد، وإن صحت هذه الأحفوريات فإن الأمر على حالين: نوع من سلالة آدم حدث له ما سبب ذلك الشكل عنده، كما جرى للبدائي الذي فقد المعرفة البشرية الفطرية والملهمة والمكتسبة لدى جده الأول والحضارات الموالية.
أو وجود أنواع شبيهة بالبشر أو بشرية كانت قبل آدم ولها ملامح تجعلها قريبة الشكل من القرد، رغم أن الحلقة الرابطة مباشرة بين القرد والبشري حلقة مفقودة باعتراف داروين ومناصريه.
نظرية التطور إذا يمكن أن يصح قسم منها بشروطه وتحديداته التي تعني التطوير داخل النوع والعائلة لا تطويرا يجمع كل المخلوقات في جد واحد، بل لكل نوع وعائلة جد مشترك، والخالق خلق ذلك الجد وخلق له الأنثى المناسبة للتناسل والتكاثر ثم طوّر نسلا من نسل بمراحل وأطوار وحقب لحكمة عنده. ولكنها بربطها بالشمولية من أحادي خلية إلى كل الكائنات ومنها الإنسان المنحدر من قرد، وبربطها بالإلحاد وإنكار الخالق فهي مجرد خدعة كاذبة وافتراء معاند.
كل هذه الخدع والحبال التي ألقوها حتى يظنّها الرائي أفاع تسعى، تسقط أمام سؤال: من أين جاء الجزء الأدنى في التكوين، وكيف نشأ، ومن أين كان له أن ينمو، ومن أوجد له الوعاء الذي وُجد فيه، ومن جعل له الأرض تحديدا ووفر له المناخ المناسب وملايين الظروف المناسبة فالمشتري أو عطارد لا يصلحان، حتى المسافة من الشمس لو كانت أدنى لكان نارا محرقة ولو كانت أكبر لكان جليدا قاتلا كما هو في الكواكب الأقرب والأبعد عن الشمس، ثم لماذا هذا النجم بالذات، ولو كان أكبر أو أصغر (وكلاهما موجود بالمليارات في هذه المجرة وهي واحدة من مليارات غيرها) لما نفع.
ومن أوجد كل شيء تفصيلا، ومن نقل الخلايا مِن إلى، من حالة أحادية إلى ما بعدها، ومن عدّل التسلسل الجيني الصارم، من قام بتحريك الجزيئات النووية، وحدد نوع التعديل ليكون الحمام حماما ولتكون الزرافة زرافة ولتكون السمكة سمكة، على كل هذه الكائنات اليوم التي يجهل الانسان أعدادها وأنواعها (لا أحد يعرف كم نوعا داخل المحيطات العميقة، وكل مرة يكتشفون طائرا أو مخلوقا جديدا، تصور إذا الديناصور وما قبله).
ثم من قام بتلك العملية الكبرى التي لا يمكن أن تكون حبلا يلقيه ساحر: تغيير كلي للمناخ الأرض والقضاء على مخلوقات كبيرة الحجم عظيمة القوة وعلى كل ما يشمل وجودها من أشجار عملاقة وغير ذلك بشكل كلي وتام وإدخال الكوكب كله في حالة من الجليد المستمر ثم تجديده بحياة مختلفة تماما… من فعل ذلك؟؟؟؟ لا اعتقد أنه داروين.
كل هذا ليصلوا إلى إنكار أن الله خلق آدم وخلق المخلوقات، كل تلك الطرق المعقدة الملتوية وذلك العناد حتى لا يكون للكون مكوّن وللوجود موجد وللخلق خالق، ولكن ما أضيقها من طرق ولو ظنّها الواهم رحبة واسعة، وما أشقاه من سعي ولو توهّم فيه الملحد سعادته.