10 دقائق للقراءة
يعتبر هوكينغ من كبار علماء الفيزياء النظرية في وقتنا الحاضر، إن لم يكن أهمهم وأشهرهم، وله نظريات مهمة، من أبرزها نظرية الأكوان الموازية، وقد تم تصير فيلم وثائقي رائع الإخراج لتفصيل نظريته، وفيها عن رحابة الأكوان وتعددها (رغم لا منطقية العدد والغاية كما سنوضح) ما يبعث الإيمان ويرسخه لا ما يبعث على الإلحاد، فكيف انتهت به نظريته العجيبة وذلك الإخراج الجميل إلى نتيجة خلاصته أن الكون أوجد نفسه بنفسه من العدم بفعل قوة الجاذبية، وأنه لا حاجة للإله؟
بالربط مع فلاسفة الإلحاد الناقمين على الكنيسة الذين أسقطوا ذلك على ذاتية الله بشكل غير منطقي ولئن تلبّس بالمنطقية، ومع داروين ونظريته التطورية التي سارت مع عظمة الخلق وتطور الأنواع لتسقط في الإلحاد رغم أن النظرية وحدها (مع فصلها عن كون الإنسان منحدر من القرد وكون الأجناس كلها من جد واحد) فيها براهين الموجد وآيات الخالق لمن كان له قلب، فإن هوكينغ يمثل الحلقة الموالية الحتمية لاكتمال الإجابة عن الأسئلة التي تصفع منظري الإلحاد:
*فالإلحاد الفلسفي رد فعل على الكنيسة، والكنيسة ليست الخالق، وكشف كذبها في أمور لا يجرد الكون والإنسان من ذلك السر المعقد في خلقه وتركيبته وفي أدنى ما فيه وأكبر ما حوله. وهنا يأتي دور داروين.
*نظرية داروين تتجاوز مجرد التشكيك الفلسفي إلى نظرية عميقة في البيولوجيا وعلم الحياة والأحياء، ولكن عمقها في مستوياته الجينية، مع كل الخدع والتزييفات التي تحيط به، والتي تريد في مصادمة مع المنطق والحجة أن تجعل الإنسان قردا بالأصل، وأن كل الأنواع من جد واحد، تطورت بشكل عشوائي واصطفاء طبيعي، في حين أن الحلقة الرابطة بين القرد والإنسان مفقودة باعتراف داروين نفسه، ثم يمضي ذلك نحو الإلحاد وإنكار الخالق، في حين أن النظرية لا تؤدي إلى ذلك بل إلى عكسه، ويبقى سؤال الكون والمحيط العام للنشأة والتطور دون إجابة، وهنا يأتي دور هوكينغ.
يعترف هوكينغ بأن دوره يأتي تتمة لدور داروين بقوله: “لقد طرد داروين الإله من البيولوجيا، ولكن الوضع في الفيزياء بقي أقل وضوحاً، ويُسدد هوكينج الضربة القاضية الآن”.
تتمثل الضربة القاضية في أن الوجود موجود من العدم بفعل قوة هائلة جبارة استطاع الكون بها إيجاد نفسه بنفسه، وهي قوة الجاذبية، وعبر سلسلة كبيرة جدا من الأكوان العشوائية تم وجود كون منظّم هو الذي نعيش فيه، فهو يعطي الإطار الناقص لنظرية التطور لدى داروين: ” تماما مثلما فسر داروين ووالاس كيف أن التصاميم المعجزة المظهر في الكائنات الحية من الممكن أن تظهر بدون تدخل قوة عظمى، فمبدأ الأكوان المتعددة من الممكن أن يفسر دقة القوانين الفيزيائية بدون الحاجة لوجود خالق سخّر لنا الكون، فبسبب قانون الجاذبية فالكون يستطيع ويمكنه أن يُنشيء نفسه من اللاشيء، فالخلق الذاتي هو سبب أن هناك شيئ بدلا من لاشيء، ويفسر لنا لماذا الكون موجود، وكذلك نحن ”.
فقانون الجاذبية العظيم وفق نظره يمنح الكون القدرة الذاتية على خلق نفسه من العدم، أما سبب ذلك فهو ما يسميه “الخلق العشوائي” وهو ذات المبرر لدى داروين (الانحراف العشوائي والاصطفاء الطبيعي العشوائي)، وبذلك فالخالق لا حاجة إليه وفق هوكينغ، فيقول مفصلا ذلك في كتابه “التصميم العظيم”: “لأن قانونا كالجاذبية موجود، فالكون يستطيع أن يخلق نفسه وسيخلق نفسه من العدم. الخلق العشوائي هو السبب في وجود الكون ووجودنا نحن، إذن ليس ن الضروري أن نقحم الله ونجعله سببا في عمل وتعديل نظام الكون”.
اللافت أن هوكينغ نفسه قبل فترة من الزمن يقول: “من الصعب علينا أن نفسر لماذا نشأ الكون أصلا بهذه الطريقة، باستثناء أنه عمل الله الذي اراد خلقه وخلق كائنات مثلنا”.
هوكينغ يرى إذا أن قوة الجاذبية وقانونها كافية لمنح الكون قدرة الإيجاد من العدم، ولا يفسر لنا من أين أتت تلك القوة ومن وضع ذلك القانون، وهو حين يقف أمام تعقيدات النظام الكوني وشساعته المهولة التي لا يمكن أن تكون دون قوة كبيرة تحكمه يقول: “يمكننا أن نسمي النظام في الكون باسم الإله، لكنه سيكون إله غير شخصي. ليس هناك شيء شخصي في قوانين الفيزياء”. وهذه حيلة جيدة من ساحر يحرك حبال الوهم. فأي معنى لإله شخصي أو غير شخصي، وكيف يكون النظام إلها غير شخصي وفيزياء الكون متصلة بفيزياء الكائنات كلها تأثيرا وتنظيما وتنسيقا.
وضمن حماسته لطرد الإله (كما يدعي) من خلق الكون، بل إن هوكينغ، يعلن هوكينغ عن موت الفلسفة وعن الاقتراب من صياغة “نظرية كل شيء”، أو “النظرية الشاملة”، ويسميها “نظرية إم”، التي تفسر العلاقة بين كل القوى في الطبيعة (النووية الشديدة، والضعيفة، والكهرومغناطيسية، والجاذبية التي بقيت خارج نظرية التوحد العظمى أو نظرية الحقل الموحد الذي يتم العمل على إدماجها فيه لبناء “نظرية كل شيء”.
ليست العلاقة بين نظرية داروين ونظرية هوكينغ علاقة عبثية، بل هي علاقة ترابطية، فلم يكن بالإمكان في زمن داروين إخراج نظرية مبهرة عن الكون، فقد أمكن فقط إخراج نظرية آسرة خلابة عن المخلوقات الأرضية في تطورها، وبقي الكون منتظرا حتى بلغ التطور العلمي والنظري والقدرات على التصوير الثلاثي ما بلغه اليوم لتكون لنظرية هوكينغ إمكانات الظهور المبهر أيضا فيتم التكامل بين تفسير وجود الكائنات دون إله وتفسير وجود الكون دون إله وهذا ما قصده هوكينغ من أن داروين قام بطرد الله من البيولوجيا وأن دوره طرده من الفيزياء الكونية.
وضمن تمشيه في محاولة تفسير وجود الكون من عدم بقوة الجاذبية، يفترض هوكينغ أن هذا الكون هو جزء صغير من أعداد كبيرة جدا جدا من الاكوان الموازية والعشوائية التي أنتجت بالتكرار الفاشل كونا ناجحا، ولا يحتاج كل ذلك إلى إله، فقط إلى قوة الجاذبية وقوانين الفيزياء، فمن أين أتت تلك القوة الجاذبة الرهيبة التي جمعت كل الاكوان، ومن أين أتت قوانين الفيزياء نفسها.
نظرية الانفجار الكبير تصورت ما بعد الانفجار الأول ما نتج عنه من مادة ومادة مضادة وطاقة، وحين نقرأ عن قصة المفردة الأولى للكون وحجمها المتناهي الصغر (أصغر من طول بلانك) وتركمها الذي يقوق النجوم النيترونية، واجتماع قوى الطبيعة الأربعة فيها معا، في مخالفة لكل ما نعرفه اليوم عن الكون، وسرعة انفجارها الهائلة التي بلغت مليار مليار مرة سرعة الضوء، وغير ذلك من التفاصيل النظرية، نعلم أن القوة التي فعلت وفعّلت ذلك لا يمكن أن تكون قوة عشوائية ولا قوة الجاذبية وهي كانت جزيئا صغيرا في تلك المفردة قبل تشكل الكواركات وما كان بعدها وقبل وجود الذرات الأولى وما تلاها وصولا للنجوم الأولى ثم المجرات والنجوم والكواكب. ورغم أن دوكينز يقول أن من فعل ذلك هو صانع ساعات أعمى كما سيأتي تبيانه، فإن كل تلك التفاصيل تثبت أن الخالق عظيم وأن الخلق حدث كان خارج كل قوانين الكون الحالية، بل إن عودة النظام بعد انفجار بتلك القوة والشساعة أمر يحتاج وفق علم الفيزياء نفسه إلى مفعّل خارجي.
اما طبيعة الكون وقابليته للفهم رغم كل تعقيدات نظمه وقوانينه، فقد مثلت حيرة علمية عميقة لآلبرت آينشتاين فقال: “إن أكثر الأشياء استعصاء على الفهمفي الكون، انه قابل للفهم”. ولو لم يكن كذلك لما أمكن دراسته بالعلم، وهذا يعني أن للكون مدبّرا حكيما سمح بفهمه، وأن للعقل أيضا مصمما عظيما منحه تلك القدرة الذهنية الفائقة.
يرى هوكينغ أن نظرية إم ونظرية الأوتار ووجود الأبعاد الكثيرة كفيل بالبرهنة على ان الكون لا يحتاج مطلقا في وجوده إلى إله، وأنه سيحقق حلم آنشتاين الذي أهدر السنين الطوال في محاولة اكتشاف نظرية كل شيء دون جدوى، ولكن آينشتاين نفسه يقول: “ان كل انسان يهتم بالعلم بصورة جادة يدرك ان قوانين الطبيعة تعكس وجود روح كلي اسمى كثيرا من روح الانسان”، ولكن مسألة الروح لدى هوكينغ والملاحدة الجدد مجرد وهم.
هنالك خدع كثيرة لدى هوكينغ، من بينها القول بأن معرفة قانون فيزيائي يعني معرفة قانون الوجود الفيزيائي نفسه، فمعرفة فيزياء الضوء أو الكواكب او حتى الحركة لا يعني إيجاد حركة وضوء وكوكب، فالقوانين وصف لوجود تام وهو قيد العمل والسيرورة. والأمر شبيه بالاعتقاد أن كتابة معادلة رياضية يعني وجود الأرقام كأشياء، كقولك خمسة مع خمسة تساوي عشرة تعني وجود عشرة أشياء أيا كانت.
إن وصف العالم والوجود وقوانينه لا تفسر كيفيات وجوده ومتى بدأ وكيف يستمر وإلى أين يمضي، فالقول ان المزج بين اللون الأزرق واللون الأحمر يؤدي إلى وجود اللون الأسود، لا يعني إيجاد لون أحمر وأزرق وأسود، ولو كتبنا القانون ووضعناه بجانب قارورتين في كل واحدة سائل بأحد اللونين الأولين وأخرى فارغة فلن يؤدي ذلك إلى امتزاج اللونين وتحرك القارورتين وانسكاب السائل في القارورة الثالثة لتكون مليئة باللون الأسود، ثم من أوجد اللون ولوّنه، ومن أوجد نوعه وزيّنه،ومن أوجد الإطار وكوّنه، ومن أوجد القارورة والأرض التي هي عليها وكل القوانين التي تثبتها على الأرض وكل القوانين التي تمكن من رؤية اللون وتمييزه عن غيره والمنطق والعقل الذي يفسّر ويعرف؟ ثم من حرّك وقام بعملية الدمج تلك؟ ومن أوجد الأصل والناتج؟؟ ومن وضع القانون منذ البداية؟
وفي هذا الإطار يقول الكاتب والباحث الإيرلندي سي إس لويس (29 -11- 1898 / 22 -11- 1963)في كتابه المعجزات ص 93-94: “قوانين الطبيعة لا تنتج أى الأحداث بل تصف العلاقة الدقيقة بين الأحداث بعدما أوجدتها الأسباب ، مثل القوانين الحسابية التى تصف العلاقات بين جميع التحويلات ، المالية إلا بالطبع اذا كان لديك المال من الاساس ،وعند بمعنى من المعانى قوانين الطبيعة التى تغطى جميع مجالات الفضاء والزمن تكشف عن الكون كله ، اما التيار المتواصل من الاحداث الراهنة عبر الزمن، ومن يعتقد ان القوانين تستطيع التسبب فى الاشياء كمن يعتقد انه يمكن خلق المال من مجرد معادلات حسابية”.
يقول هونيكغ أن “الكون يستطيع أن يخلق نفسه بنفسه من العدم، وقد فعل”، ولكن هذا العدم محاط بقوة الجاذبية وليس عدما صرفا، وقوة الجاذبية ليست القوة الوحيدة التي تفسر ظهور الكون والانفجار الكبير، فهنالك قوى أخرى كثيرة، وتلك القوانين التي يفسر بها هوكينغ وغيره من العلماء نشاة الكون ونظمه واستمراره لا يمكن أن تكون ناشئة من العدم، فكيف تكون قوة أو يكون قانون له مصدر غير العدم عاملا مساعدا على الكون ليكون من العدم الذي لم يكن أصلا عدما بل كان محاطا ومهيمنا عليه بقانون الجاذبية وقواها وقوانين وقوى أخرى، بل لا يمكن للعدم أو الفراغ أن يكون عدما وفراغا حقيقيا بل فيه تموجات كهرومغناطيسية تجعله غير فارغ ولو بدا كذلك، وهذا كلام آينشتاين.
إن الكلام عن تفاعل السلبي بالإيجابي الذي يفسر كيف يكون الشيء من اللاشيء كلام باطل أيضا، فالصفر ليس عدما بل هو رقم، ولكن تفعيل الانتقال من الصفر إلى ما تحت الصفر أو الرقم السلبي أو الرقم الواحد الإيجابي وما بعد ذلك من اللامتناهي الإيجابي والسلبي يحتاج إلى مُفعّل، هذا على المستوى النظري فقط، حيث أن الأرقام نظرية فحسب، أما حين يتحول ذلك إلى عالم الكيمياء والفيزياء وعوالم الكم والجسيمات والجزيئات فإن قوة كبرى لا يمكن تصورها تكمن خلف تحول صفر ذرة إلى واحد ذرة وصفر زمان إلى واحد زمان وصفر خلية أو كرموزوم إلى واحد خلية أو كروموزوم وكذلك صعودا صفر مخلوق إلى واحد مخلوق وصفر كون إلى واحد كون، ثم إن تحويل ذلك الواحد إلى أعداد رهيبة وتنسيقها ومنحها الاستمرارية والنظام واحاطتها بأعداد لا تحصى من القوانين والضوابط لا يمكن أن يكون إلا بقوة مغايرة لكل ذلك ومتحكمة في كل ذلك ومشرفة عليه من زمن فوق زمن تلك الموجودات جميعا أو مما فوق الزمن نفسه ولا يمكن أن نفسره أو نلمسه أو نقيم عليه التجارب.
والقول ان المنطق العلمي يجب ان يكون تجريبيا لا فلسفيا كلام غير صحيح فسرعة الضوء كانت قانونا وقاعدة قبل إمكانية التجربة، وهنالك ما لا يحصى من الأمور التي تم التنظير حولها ولم تتم تجربتها: هل تمت تجربة انتقال أحادي الخلية إلى ثديي، او قرد الى إنسان، او كون موازي؟ الإنسان لم يصل بعد حتى إلى كوكب المريخ القريب، ووصوله للقمر موضع جدل كبير بين العلماء الامريكان أنفسهم، إذ يرى كثير منهم أن الأمر لم يكن سوى تعاون ماكر بين والت ديزني ووكالة الناسا لأسباب سياسية ويمكن الرجوع إلى ذلك في مقاطع فيديو وكتابات كثيرة مع براهينهم عليها ومنهم من كان يعمل في وكالة الفضاء.
المادة السوداء نفسها نظرية حسابية فقط، رغم أنها وفق تلك النظرية والحسابات تشكل معظم مادة الكون ولكنها خفية أو غير قابلة للرصد. والعوالم المضادة للمادة والطاقة الكونية نفسها ومقدار الطاقة التي يمكن بها توليد انفجار يحول الهباءة الأولى أو العدم إلى وجود امر لا يمكن لأي عقل بشري أن يحيط به مهما كتبوا من نظريات وادعوا بغرور أنهم يمتلكون مفاتيح ذلك.
يروّج الملاحدة أن كل كلام عن الخالق داخل العلم الكوني الفيزيائي أو البيولوجي هو هذيان لا يقوله إلا الجهلة، وهوكينغ يتبنى هذه المزاعم التي تحمس لها زعيمهم دوكنيز، لكن النظر في كلام العلماء يثبت بطلان تلك المزاعم، وليس كلامهم حماسة دينية بل هو نتاج نظر علمي دقيق وفهم كوني عميق. فقد رأوا ما في هذا الكون من نظام مذهل وتنسيق مدهش، مما دفع أبا علم الفلك الحديث آلان سانداج للقول: “أرى استحالة أن يأتي هذا النظام من الفوضى، لا بد من منظّم.
إن الإله بالنسبة لي شديد الغموض، لكنه التفسير الوحيد لمعجزة الوجود بشقيها: لماذا هناك شيء بدلا من لاشيء؟ ولماذا هذا الانتظام المدهش؟”.
وكذلك يقول بول ديراك عام الفيزياء النظرية البريطاني الكبير الحاصل على جائزة نوبل: إن الإله خالق حسيب، استخدم أرقى مستويات الرياضيات في بناء الكون”.
ثم يضيف: ” لا أتصور العلم دون إيمان عميق، العلم ديون الدين أعرج، والدين دون العلم أعمى”.
أما آينشتاين الذي يدعي الملاحدة كذبا أنه ملحد، فانظر إليه وهو يقول: “يشعرنا العلم بشعور ديني خاص بختلف عن الشعور الديني الساذج عند كثير من الناس، بل إنني لا أرى عالما حقيقيا لا يؤمن بذلك”. أليس هذا برهانا على أن العالم الحقيقي أشد إيمانا وخشية من الخالق عبر ما يرى من عظيم خلقه؟
ألا ينفي آينشتاين صفة العالم عن الذين لا يزيدهم علمهم أو معارفهم إلا جحودا؟
القول أن القوانين خالقة قول فيه إغراء شديد للذين يميلون للإلحاد فرارا من وجود خالقهم يراقبهم ويحاسبهم في موعد بعد الحياة والموت، وكلام هوكينغ سلاح قوي ومبهر في أيدي الملاحدة الذين لم يصدقوا أنه ترك الإيمان إلى الإلحاد، وكان دوكينز زعيم الملاحدة الجدد الذي سنتعرف عليه وعلى مزاعمه فيما سيأتي شديد السعادة بنظرياته، وصرح بذلك، ولكن ألم يكن هوكينغ مؤمنا؟
اليس لإلحاده علاقة نفسية بمرضه النادر وشلله الكلي؟ والذي سبب له احتراما كبيرا لعزمه واصراره؟
تامل إذا هوكينغ المؤمن كيف يحطم قبل سنوات أصنام هوكينغ الملحد ويفنّد مزاعمه في ان القوانين خالقة وأن الكون لا يحتاد في وجوده لغير الجاذبية، إذ يقول في كتابه “تاريخ موجز للزمن”، إن توصل العلم لقوانين الفيزياء لا يعني ان هذه القوانين هي التي أنشات الكون، ولا يجيب بالتبعية عن سؤال لماذا يوجد كون في الأصل.
هل إذا توصلنا غلى النظرية الجامعة لقوى الفيزياء فإن ذلك يعني ان النظرية أوجدت نفسها؟ أم أنها تحتاج إلى خالق؟
وهل لهذا الخالق دور آخر في الكون، سوى كتابة القوانين؟”.
إنها شهادة هوكينغ على نفسه، ونقضه لاستخدام النظرية الشاملة في إثبات عدم وجود الخالق، وفي كون القوانين خالقة بذاتها، شهادة العالم الحقيقي، قبل أن تغلب عليه هموم نفسه التي نراعيه فيها لما يمر به من مأساة مؤلمة بحق، وقبل أن يستمثر الذين يروجون للإلحاد بقصد ونية ذلك ويعمقوا الشرخ في نفسه ليشهر علمه العميق في وجه الخالق، وهو في الحقيقة يشهره في وجه نفسه وروحه الحقيقية، لأني أعتقد جازما ان هوكينغ في باطنه مؤمن تماما، لكن قد يهلك العناد الإنسان بعد ان يبلغ قمة الإيمان، ويسقط في الجهل والنكران الذي كان قبل حين يحذر منه وينقده.
هوكينغ قصة مؤلمة لعالم كبير، ولكن رغم ذلك يبقى منظرا متعمقا وصاحب رؤية وفكر وعمل هادئ، وهو ما يجعل أثره أشد للأسف، (شابه ما شابه من أزمات نفسية وكلام انفعالي عن الانسانية وعن الفلسفة وعن الوجود والخالق)، عكس ريتشارد دوكينز ومجموعته التي سموها بالفرسان الأربعة، فهم يتكلمون بوقاحة وحقد وكراهية للخالق وللأديان وللإسلام خاصة، وهو ما سنتعرف عليه في الفصل الموالي.