2 دقائق للقراءة
تمثل المساجد ملاذا لكثير من الناس، من مصائب الدنيا وهموم الحياة، حيث ترتاح أنفسهم وتطمئن قلوبهم، إذ يستشعرون أنهم في بيوت الله.
وتمثل صلاة الجمعة ملاذا للأرواح المتعبة، والقلوب المثقلة في زمن شديد البأس كثير الهموم.
وبالرغم من كل ما كان، ممن أراد من قبل تفريغ المساجد من معانيها، وخنقها، وكتم أنفاسها، ومنع الناس عنها، حين حاربت اللائكية الاسلام بعد الاستقلال وأغلقت جامع الزيتونة ومدرسته العظيمة.
أو ما كان بعد هجمة الوهابية التكفيرية إثر “الثورة” من اختراق وسيطرة على المساجد لجعلها محاضن لنشر التكفير وتفريخ الارهاب، ولتمزيق المجتمع، وخدمة سياسة تجار الدين، وصولا لتخزين الأسلحة في بعضها، والهجوم على بعضها الآخر بالسيوف والهراوات (كما حدث في جامع بلال بمدينة سوسة الذي سبق والقيت فيه محاضرات كثيرة)، ولو وجد أولئك التكفيريون فرصة حينها لفعلوا فعل إخوانهم بمسجد الروضة في سيناء مصر، حين قتل الارهابيون مئات المصلين يوم الجمعة.
وكل هذه الحرب على المساجد ومحاولات خنقها او توظيفها لغير ما أرادها الله لها، دليل آخر على خطورة دورها وعظيم قيمتها.
وأنا أعلم جيدا، بحكم أني قدمت مئات المحاضرات والدروس في عديد المساجد بتونس والعالم ككل، قيمة وأثر المسجد، وضرورة وضع استراتيجيات تطور الخطاب الديني داخله، وتخدم الإصلاح الاجتماع والبناء القيمي الاخلاقي. لعلاج مجتمعات مريضة وبشر تتساقط عنهم الأخلاق سقوط أوراق الشجر في الخريف.
وإن انتشار وباء كورونا خلف آثارا نفسية واجتماعية خطيرة، وزاد من حدة الشعور بالخوف والقلق والعزلة، ولعل أكثر ما أثر على البشرية كلها غلق أماكن العبادة، والأمكنة المقدسة، أو تلك التي يعتبرها المعتقدون فيها كذلك.
ولقد شهدت غلق المسجد النبوي حين كنت بالمدينة، وأعلم وقع ذلك على القلوب، عندما ضربت موجة كورونا الأولى شواطئ العالم المختنق أصلا بالمادية ومخاطر التداعي والانهيار.
ولكن كورونا اليوم تحتضر، وهنالك تصريحات من منظمة الصحة الدولية تفيد بأن المتحور أوميكرون قد يكون نهاية الفيروس.
وفي كل الأحوال فالمساجد يؤمها قوم قد تطهّروا، وتباعدوا وفق اللوائح الصحية، فأي حكمة في منع صلاة الجمعة في تونس حينها.
في حين أن الخمارات تعج بروادها، والملاهي مليئة بأبنائها، والأسواق والقطارات والحافلات والشوارع، مع ما فيها من تزاحم وغبار وإمكانات عدوى، أكل ذلك عادي وآمن، والمساجد خطيرة، وصلاة الجمعة هي مكمن الخطر الوبائي الأكبر!!!!!
لذلك نرجو من اللجنة العلمية لمجابهة جائحة كورونا أن تعيد النظر في رؤيتها، وأن تستفيد من آراء أهل العلم والاختصاص في الشأن الديني.
إن الأئمة الخطباء على درجة كبيرة من الوعي، والاطارات المسجدية على كفاءة كبيرة، والمصلون أهل وعي وضمير، ولن يقبل أحد منهم بأن يكون بابا للوباء اللعين.
ولعل دعوة مستجابة يصرف بها الله هذا البلاء.
أعيدوا للناس صلاة الجمعة التي ترتاح فيها قلوبهم، وافهموا رعاكم الله.
نسأل الله الحفظ لأوطاننا، والسلامة لنا ولكم.