10 دقائق للقراءة
الشعر الشعبي التونسي (الذي يستعمل اللسان العامي او الدارج او اللهجة كما هو الحال في العالم العربي كالشعر النبطي والابوذيات العراقية والشعر البدوي الشامي والشعر الصعيدي….) مدرسة كبيرة لها أعلامها وفحولها الكبار، وقد اتفق أهل الدراية به فيما وصلنا من قصائد كبار الشعراء على أن أهمهم هم كل من أحمد ملاّك واحمد البرغوثي وأحمد بن موسى والعربي النجار وقد ذكر المؤرخ الاستاذ محمد المروزقي الكثير من روائعهم المتميزة بسلاسة العبارة وقوة الصورة والقرب الشديد من اللسان الفصيح. وكذلك من اعلام الشعر الشعبي محمد الصغير الساسي الذي اشتهر زمن الاستعمار وبعد الاستقلال. ولتونس اليوم نخبة مهمة من الشعراء الشعبيين خاصة في الجنوب والساحل. ولكن يبقى الذين ذكرتهم أقوى عبارة واكثر شاعرية فهم المعلمون الكبار لهذا الفن من القول ومن جاء بعدهم يقتدي بهم ويتعلم منهم. وقد حفظت لهم منذ صباي الكثير من القصائد.
أ/ أغراض الشعر الشعبي التونسي: هي أغراض كثيرة، وهي تقريبا ذاتها اغراض الشعر الجاهلي مع إضافات.
1/ غرض النجع: فيه وصف رحيل الحبيبة وقبيلتها، وتعني كلمة النجع: القبيلة: كقول العربي النجار:
هنا كان نجع الوليفة العنود حمر الخدود
واليوم نقّل قطع الحدود
وهذا غرض معلوم في الشعر الجاهلي رغم اختلاف التسمية.
2/غرض البرق: ويعني وصف المطر والسحاب والبرق وكيف أن الغيث كان عاما غامرا، ومنهم من يذكر انتقال تلك السحب من مدينة إلى اخرى، ثم كيف أصبحت الأرض مونعة وفيه وصف الأزهار وحياة البادية بعد هطول الأمطار ونهاية الجدب والقحط.، كقول محمد الصغير الساسي:
تبسّم شرقاوي وتنوّى
رعده يتقوّى
والبرق مطارق يتلوّى
3/غرض الضحضاح: ويعني وصف الصحراء، والضحضاح كلمة من الفصحى تعني الأرض قليلة الماء، أو الماء القليل الذي لا عمق فيه.
وفي غرض الضحضاح وصف للصحراء وبيان للفجاج التي تفصل بين العاشق وحبيبته.
كقول احمد البرغوثي:
ضحضاح ما يقطعه من توانى
واسع اركانه
جي دون من ينحبو على جفانا
وكذلك قوله:
ضحضاح ماشناه يُزْراقيوساع يُغراق
غيمه على روس الاشفاقدخَّان غطَّى رواقة
مهاميد شينة ورقراقوخنق واطباق
وجبال تعلى وتشهاقهي وسحابه تلاقى
يا موحشه فَج رهَّاقمقطوغ اللآفاق
يصعب على كل وهَّاقيخليه ماشين رقاقه
ضِعن العرب فيه يا ساق* والبوم نقناق
والذيب بالصُّوت عوَّاقوالضبع تسمع زهاقة
جند القطا داير أفراق والريم صعفاق
والهدرقة بين الأهياق*لا رافعتها قلاقة
وفيه وصف عجيب ومعاني رائعة لمن يفهم الكلمات.
4/غرض الكوت: وهو وصف الفرس، فالعربي مولع بالخيل، وكانت القبائل التونسية تفتخر بفرسانها وخيولها، ومن هنا انبثق هذا الغرض في اتصال مع وصف الخيل في الشعر الجاهلي وما بعده.
وكلها برع فيها خاصة البرغوثي الذي يقول:
الله لا كوت هبَّاق* في الجري سبَّاق
غدي سيرته موش قلاق* مطلوق إيده وساقه
5/غرض الغزل (الأخضر): الغزل العفيف منتشر في قصائد الشعر الشعبي التونسي، وهنالك غزل فيه وصف يسمى الأخضر، ويغلب عليه الجانب الحسي لا المعنوي، او يجمع بينهما.
برع فيه البرغوثي والنجار والساسي. ومن اعجب وأجمل ما كتب فيه:
قصيدة حبيبٍ زرعلي في ضميري غصة من كبتدتي منبت هواه نقصّة
لأحمد البرغوثي.
ويا سامع هذا الكلام بالاكمل … نحكيهولك واصطغى لخبار
للعربي النجار .
ومن بديع قوله فيها:
قلت له يا قمري شبيك مبدّل…من وكرك جالي غريب الدار
احكي لي بغريبتك لا تبخل…واش الذي جلاّك م الاوكار
قالّي ريع نحدّثك وتحمّل …منّي الدرك نعيدلك ما صار.
إلى أن يقول:
لو صاد داي علو جبل منزّل…يتزلزل يمشي هوا وغبار
لو صادر مركب في البحر يتفصّل…من بعضه يغدي ألواح أشطار
لو صاد داي في الشجر الأكحل…يشياح ورقه ولا بقى يخضار
لو صاد داي في البحر الأكحل…يرجع ثنايا في رمق الانظار
لو حط جيشه ع الخلايق باجمل…تشرب كؤوس السم والعقّار
يزّيك م التغرير ريع وبطّل..وسلّم لحكم الواحد القهّار
لاذاه يتخبّط بكلّه يرقل…من قصّتي صفّق خفق وطار
وأنا رجعت بعلّتي نتملّل..ومسيت نرتب في غنا الأشعار
اسمي العربي بن حمد نشتّل…كلامي الكلمة توزن القنطار
نقرا سلامي على الرجال الكمّل…ومن قالّي صحّيت يا نجّار
والقمري هو الحمام.
وفيه حوار مع طائر الحمام شبيه بحوارية سيدي الظريف باللسان الفصيح في قصيدته التي نشرتها سابقا.
ومن روائعه قول محمد الصغير الساسي:
يا ناس ناي ظامني الحب… وجوّر عليّ بجيشه
جرالي كمن طاح في جب … في أرض ظلمة وحيشة
وشيّعت عيني للرب … لله نشكي بعيشة
وله قصائد كثيرة في عيشة التي أحبها ومنها:
مرحوم الي سمى عيشة ثابت ما يخطاش
ومن جرحاته كيفي عيشة جرحه ما يبراش
6/ غرض الفخر (النفخ): وفيه يفتخر الشاعر بشاعريته وبقبيلته وأصله وأدبه، وكثيرا ما يتصل هذا الغرض بغرض الهجاء فهو يفتخر بنفسه ويهجو خصمه من الشعراء وهذا خاصة في أشعار “المحفل” أو الأعراس. وقد يكون الفخر جزءا من القصيدة أو ختاما لها. كقول محمد الصغير الساسي:
و مولى الغني صاحب طريق ** يشيّح لهات كل زنديق
يكنّوه بالصّغر تلفيق ** محمد مليح النطايق
7/غرض الأحرش أو الهجاء: وهو ذاته في الشعر العربي ولكن قد يكون معه في الشعر الشعبي التونسي “رباط” أي ألغاز يلقيها الشاعر أو الأديب (الذي يتغنى بالشعر) على خصمه مع الافتخار والهجاء. والحقيقة أن كبار شعراء الشعر الشعبي لم يكن لهم فحش لفظي كما ظهر لاحقا لدى بعض الشعراء.
8/الهلس: وهو عكس المعاني للتعبير عن مكنونات الشاعر ونظره في انقلاب القيم وتحول الزمن. وقد ابدع فيه احمد بن موسى ولعله ابدعه.
9/ شكوى الزمان: وفيه يبث الشاعر لواعجه وأحزانه ويشكو من الزمن وفراق الأحبة، وكذلك يتكلم عن الوقت وتقلباته، ومن بين اللازمات في هذا الغرض كلمة “ساعات”، مثل قول سعد لزرق:
ساعات نهيل وساعات نميل…وساعات نردع بالحمول المايلة
وساعات نمشي في ظلام الليل…وساعات نغدا في النهار والقايلة
وكذلك قصيدة العربي النجار التي يقول في مطلعها:
ساعات يبدى خاطري متهنّي … و ساعات ياتيني القضاء متعنّي
ساعات نبدى طارب ** و ساعات نبدى في همومي انحارب
و ساعات نرقد فوق زوز مضارب ** و ساعات منّي للتراب مصنّي
10/غرض الحكمة: وفيه أنواع كثيرة، فمنه ما يكون ضمن القصيدة أو مستهلها، ومنه ما يسمى “محل شاهد”، وهي قصيدة للعبرة والحكمة، وبن موسى وملاّك من البارعين فيه وكثير من كلامهم صار مثلا كما انهم استعملوا الامثال الشعبية. كقول احمد بن موسى ويسمى ايضا احمد التونسي لانه عاش في العاصمة واصله من غمراسن في تطاوين بالجنوب:
يا اللي رقيت لعلو راس الصمعة….احسب روحك للنزول قربت
واذا تبدا تضوي في مثيل الشمعة….اقرا حسابك راك زادة ذبت
والّي ما يتحاسب نهار الجمعة….لازم يتحاسب نهار السبت
وكلمة (إلّي) تعني الذي ولكن تم ادغام الذال.
11/غرض المكفّر: اي تكفير الذنب وفيه مناجاة الخالق وذكر قصة الخلق ومدح الذات المحمدية. وقد برع سيدي احمد بن عروس في ابيات الحكمة والمناجاة وقيل انه سافر لمصر وللصعيد وهو من اسس شعر الواو الشهير وقيل ابن عروس آخر، والارجح عندي انه هو. وهو القائل قبل تلك الرحلة:
يا سعد من باع داره…ومن المال حصّل نصيبه
وفي البحر ركّب صغاره…واسكندرية قريبة
ولا عيشتك في بر تونس…كل يوم تسمع غريبة
ويبدو انه استشرف ما نعيشه الى اليوم.
ب/ الشعر الشعبي والتاريخ الشفوي: يعتبر الشعر الشعبي التونسي كتابا للتاريخ الشفوي، يمتد إلى رحيل القبائل العربية من الحجاز ووفودها إلى تونس في مسيرة بني هلال، وكذلك تاريخ القبائل وتاريخ النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي الذي غيبته دولة الاستقلال تحت ضغط الزعيم الأوحد.
ولهذا الشعر الفاظ نسيتها الاجيال وصار يصعب فهمها، وكذلك اوزان وقوانين، وفنون وأذواق، وصور شعرية فريدة رائعة.
كما انه حفظ التاريخ وذكر المشاهد والملاحم والنضال ضد المستعمر وخلّد ابطالا مثل الدغباجي وعلي بن خليفة النفاتي في قصائد يتغنى بها الناس الى اليوم مثل: الخمسة الي لحقوا بالجرة.
بل بث فيه الكثير من المجاهدين والمناضلين ضد الاستعمار لواعجهم وأخبارهم، ومن أفضل ما سمعت قصة المجاهد علي المرزوقي التي حدثت سنة 1945 فيما روى لي صديق من الجنوب أيام الجامعة، والذي كانت لديه بندقية ألمانية يسمونها “مانيّة”، ثم تعرض لإصابة في عينه ووجهه أثناء مواجهة من الجنود الفرنسيين، ويروي كيف أنه بقي يحبو من شدة إصابته، ويسترجع ذكرى أشقائه وأصحابه الذين استشهدوا في معارك سابقة، مخاطبا في كل ذلك بندقيته سائلا لها: هل بكيت حين تمت إصابتي بعد أن نفذ مني الرصاص ولاذت بي الحرائر”. ويختم بأنه مسلم لحكم الله. وقد عاش بعد ذلك ليروي ما حدث له وكيف ارتجل القصيدة وهي في تلك الحالة وقال فيما أذكره مما روى لي صاحبه وهنالك أشطر ناقصة:
بكيتيش وقت لْ طحت يا مانيّة …… فرغ مسندي ولاذو الحراير بيّ
بكيتيش وجعك همي…. مضروب عل وجهي تبزّع دمّي
تنموت زازوني ذراري عمي…. مرخوص قاعد في عقاب العيّة
منين نكنت والع قبل بيك نومّي…تنوشي على شبح النظر الحيّة
منين كنت والع بيها…خماسي جديدة مكلّفة وحاظيها
واليوم هاني الروح هاين بيها…وزادو مشو رفقاي خلّو بيّ
رفقاي بي خلّو…… لا حسّبو كلام القفا لا ولّو
تمنيت دفنوني عليّ صلّو …ولا يشدني كافر وعيني حيّة
علي الذراري هسّو …. مشوا ماتو في ثقل التراب ارتصّو
غنازير وقت الضرب ما يتوصّو …. المجروح ما يهزّاش كان وخيَّا
مجروح دمّي يقطّر … مضروب وجهي بالزرار منطّر
مكفوخ راسي دوب ما نتخطّر …. حدفت عصا عندي مسير عشيّة
ومكتوب سابق ع الجبين مسطّر ….. من الله ماهوش عمال يديّا
وقوله: “حدفت عصا عندي مسير عشيّة”، يعني ان مسافة رمي عصا تستغرق عنده مسير عشيّة كاملة من شدة وجعه، وهي من أروع الصور وأصدقها وأكثرها وجعا فيما قرأته من الشعر عامة.
ومثل هذه القصائد شواهد للتاريخ إضافة لقيمتها الأدبية، وهو تاريخ نضالي كبير لرجال قدّمو للبلاد أرواحهم ولكن ذلك التاريخ غيّبته دولة الاستقلال بشكل كامل وللأمر قصة طويلة وتفصيل مرير.
كما أن الشعر الشعبي كان حاضرا في سرد التواريخ وخاصة خبر بني هلال مثل ملحمة احمد ملاّك التي بلغت ٣٠٠ بيت ومستهلها:
الصبر عجرم مر في ذوقانه….وماذا تحلى عقوبة التصبير
العبد مفتاح الضمير لسانه….الصمت حكمة والعقل تدبير
وملاّك ابتكر ايضا اليف الأدب وهي حكم على حروف الهجاء. مستهلها:
آش لزك يا إنسان على شي ليس اطيقة
باب الأدب ليه ميزان يحظوه أهل الحقيقة
والّي حواليه كتان باطل يطب الحريقة
ولبني هلال صلة بالشعر الشعبي وفق المرويات الشعبية، بل ان نسختهم التونسية الجنوبية كلها شعر شعبي لبوزيد وذياب ومرعي والخفاجي عامر والجازية وحسن ابو علي وغيرهم، كقول مرعي لسعدى بنت الزناتي وهو في سجن تونس:
يقول الفتى مرعي بعين وجيعة…لها بعد نوم الهاجعين ذراف
لان حسنك يا مليحة صابني…وجاني هواك والهوى صدّاف
والاكيد ان المخيال الشعبي لعب دوره وكتب شعراء ونسبوا لابي زيد وذياب، ولعل هنالك قصائد كثيرة صحيحة النسبة ولو نسبيا.
وقد ناقشت الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الابنودي في منزله بالقاهرة حول الفرق بين الرواية الصعيدية والرواية التونسية خاصة في الشعر واوجه التشابه، وكنت في صباي احفظ معظم قصائدها لكثرة ما قراتها لجدي علي رحمه الله.
ويمتد هذا النوع من الشعر اللهجي (الشعبي والملحون) الى ليبيا وفيها عمالقة كبار التقيت بعضهم وانشدت معهم وارتجلنا القصائد والحوارات، مثل الشاعر الكبير الاستاذ حسن الرجباني صاحبة رائعة: ارسم ولدي ناقة وجمل، التي كثر معارضوها في تونس وليبيا.
وهي ليست اولى المعارضة فقد عارض احمد ملاك قصيدة المناضل والبطل الليبي الكبير غومة المحمودي التي قالها بعد عودته من سجنه في تركيا:
راحت ايام العز ونسيناهم…بلا قبض بعنا عزهم وغلاهم.
وكذلك معارضة وحوارات شاعر تطاوين الفحل الشيخ المحسن لقصائد المجاهد الليبي الشيخ سوف صاحب رائعة: استاحشت حرب الكافر.
وامتاز الشعر الليبي ايضا بغناوي الرحا التي جمع قسما كبيرا منها الاستاذ احمد النويري، وهي ما تنشده المراة على الرحا من حكم وشكوى زمان وغير ذلك مثل قولها:
بالك يواتيك شور….تقول نوصله بالوكيدة
انت عبد والعبد مامور….وفي وين ينويه سيده
وكذلك قولها:
لا جابها جري ملحاح….جري لين طاحن اقدامه
امشيلها مشي مرتاح….وقول يا الله السلامة
وهي منسوبة لغومة.
والى وادي سوف بالجزائر وتقرت في تشابه كبير مع اللهجة التونسية البدوية والجنوبية، مثل قصيدة “خوي النصي” وهي من الشعر الصوفي أنشدها شاعر من واد سوف يحكي عن طريق زيارته إلى سيدي مادي والتوي في الجنوب التونسي: لسياد قدّام خوي النصي ذوكا سيادي رجال التوي
شاهي المزار اسقدت يا خوي عقب النهار
قاصد مشايخ دمادم كبار ذوكا لحضرو دولة النبي.
وقد سمعت إنشادها بنغم بديع وأسلوب رائع في مدينة تطاوين.
وهذا يقود مباشرة إلى الكلام عن العلاقة بين الشعر الشعبي والتصوف.
ج/ الشعر الشعبي والتصوف: يرتبط الشعر الشعبي والملحون بالتصوف ارتباطا وثيقا كبيرا . وتاريخ استخدام الشعر باللسان العامي أو الدارج (أو ما سمي الزجل) في الرقائق الصوفية والوعظ والمديح يرجعه المؤرخون لأبي الحسن الششتري الاندلسي (توفي سنة 668 هجري) اول من نظم الزجل الصوفي كقصيدته:
شويّخ من ارض مكناس… وسط الاسواق يغني
اش علي انا من الناس…واش على الناس مني
التي تغنى لليوم.
وقد استمرت أنفاسه في بلاد المغرب الكبير وتجددت مع الشيخ عبد الرحمان المجذوب المغربي وجزلياته.
وتحفل ذاكرة الشعر الشعبي الصوفي بالاناشيد والمدائح والرقائق الصوفية، خاصة قصائد الولي الشهير سيدي عبد السلام الاسمر الفيتوري دفين زليطن بليبيا (ارتقى الى بارئه سنة 981 هجري، 1573 ميلادي، فله روائع عظيمة مثل “يا قمرة الليل” التي عارضتها بقصيدة، وأيضا قصائده التي انشدها في سياحته بجبل زغوان بتونس في الاستغاثة بالاقطاب والصالحين خاصة الباز سيدي عبد القادر الجيلاني مثل:
يا فارس بغداد اه يا جيلاني …احضر يا صدّاد بالك تنساني
وكذلك بديع مناجاته للحبيب جده المصطفى والشكوى من قلة الحيلة وضعف الوسيلة لزيارته كرائعة:
انا قلبي مشتاق…لزيارة خير الانام
رحل الركب وساق…خلاّني حاير منامي
قولوا له مشتاق…لزيارتك عبدُ السلام
وينشدها الصوفية فيما يسمى السلاميّة نسبة اليه. وقد كتب اهل التصوف في تونس مدايح للشيخ الاسمر والشيخ الجيلاني وهما محبوبان جدا لدى اهل البلاد، ولعل من اجمل ذلك: اهلا وسهلا ببدر تجلّى لسمر بكلّه لابس من النور سبعين حلّه.
و: محتاج فحالة نادي ع الشيخ بو دربالة بحر الرجالة وام الزين الجمالية.
وهي ولية ذات صيت كبير وكرامات كثيرة ذكر بعضها ابن ابي الضياف في كتاب الاتحاف.
كما تزخر تونس باناشيد الحضرة التي يحفظها التوانسة مثل الا يا لطيف لك اللطف، ويا بالحسن يا شاذلي، وهيا نزور شيخنا يا فقرا، ونادو لباباكم يا فقرا، والليل زاهي، ويا ذروة المعالي، ولولا اللطف، وخمّر يا الخمّار، وعلى رايس الأبحار، وغيرها. ولكل قصيدة منها قصة وطريقة صوفية تنشدها عن ولي من اولياء الله كسيدي علي عزوز وسيدي محمد بن عيسى وسيدي أبو سعيد الباجي، والامام سيدي ابو الحسن الشاذلي.
كما اشتهرت قصائد في مدح المصطفى مثل “يا محمد يا جد الحسنين”، و”يا آمنة بشراك”.
وكذلك قصيدة فريدة في مدح السيد المسيح: صلّى الله على بني مريم…عيسى روح الله بيه أنعم
الشعر الشعبي التونسي والليبي ايضا مدرسة عظيمة فعلا وثرية جدا ومظلومة للاسف، بل معظمها تراث شفوي يضيع منه كل مرة الكثير بوفاة احد حفاظه، وهو امر قض مضجعي طويلا، لانه جزء مهم من الذاكرة والهوية، وقد كتبت في جميع أغراضه منذ كان عمري ستة عشر عاما، بلسان القدامى، وبتطويرات لهجية نحو الغنائي والشبيه بالشعر الحر واللهجة البيضاء، مع كتابتي بلهجات عربية كثيرة. ولي فيه الى اليوم ثمانية دواوين مخطوطة.
كما اني لي مئات الاناشيد الصوفية ومدائح الصالحين التي ارتجلتها في احوال ونفحات وليالي كرب وايام منح، لكن للاسف ضاع معظمها.
د/ الشعر الشعبي التونسي: شجرة وأغصان: الشعر الشعبي او الملحون ختاما شجرة ضاربة في التاريخ والثقافة والعروبة والاسلام ايضا، وفي الملاحم والبطولات والكفاح، وقصص الحب والفراق والرحيل، وفي التصوف والامداح والاذكار والاناشيد، وفي أعراس البوادي والارياف وفن الغناية (الإدبة)، وفي الفروسية والشجاعة والنبل، وفي الارتجال وقوة الكلمة ومتانتها وروعة الصورة وتوحش الجرح، لكنها شجرة اغتربت أغصانها رغم قوة جذورها، في زمن صار اللسان العامي لدى الكثير من الشباب هجينا ركيكا مليئا بالقبح والفحش والميوعة، بل صارت رجولة الرجل وانوثة الانثى عرضة لسهام المغرضين وزارعي الفساد والشذوذ والالحاد. ولو ان بوزيد الهلالي او سعد لزرق او غومة المحمودي، لو انهم نظروا الى اليوم وما فيه لرحلوا ينشدون قصائدهم للصحراء، او لكسروا الكثير من اغصان الشجرة كي تنمو اخرى ما دام الجذع قويا والجذور ضاربة.
سوسة
السبت 25 اوت 2018 02:20