4 دقائق للقراءة
الصلاة العددية
اللهم صلِّ على سيدنا محمد عدَدَ العدَدِ الذي يعُدُّ العادُّون، وعدد ما لا يعدُّون، وعدد ما بين قافٍ ونون.
صلِّ عليه كما تصلي عليه، وكما يصلي على نفسه، وكما يصلي عليه ملائكتك العابدون، وأنبياؤك المرسلون، وأولياؤك الصالحون، وخلقك المجتبون.
اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما كان وما سيكون، وعدد ما يعلمون وما لا يعلمون، ما لهج بذكرك الذاكرون، ونطق بشكرك الشاكرون، ونبض بحبك العارفون.
واجعل اللهم لنا بالصلاة عليه نجاة وحياة، وخيرا مقيما، وارزقنا بالصلاة عليه في الدارين رحمة ورأفة ونعيما، واكتبنا من المستجيبين لدعوتك إذ أمرت أهل الإيمان “يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما”.
وقلنا في شرحها:
عدد العدد الذي يعدون: قصدنا بهم ملائكة العد، أو “العادّون” الذين منحهم الله القدرة على إحصاء الوجود وتعداد ما فيه بدقة شديدة فهم يرون كل شيء عددا. ووردت إشارة لهم في قوله سبحانه: ” قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)” (المؤمنون).
فهذا في نطاقه تعداد كل شيء خلقه الله من الأدنى إلى الأكبر وما بينهما. وكله للصلاة على الحبيب عددا.
وعدد ما لا يعدون: فإن أهل العد والحساب وملائكته وحفظته وخزنته والمحيطون بأسراره وقف بهم علمهم عند حدود لا يجتازونها، فما من مخلوق مهما بلغ علمه أحاط بكلمات الله، وآلاء الله، وآيات الله، وسر شأن الله، وأحصى ذلك وعدّه، فذلك لا يحيط به إلا الله سبحانه: ” وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)” (الجن).
وكل ذلك سألنا الله أن يكون عددا للصلاة على رسول الله، وما يعجز الله من ذلك شيء.
وعدد ما بين قاف ونون: قلنا في نفحة سابقة وأفضنا شرحا وتفسيرا في موسوعة البرهان عن سر قاف ونون. فقاف جبل العزة في الأفق الأعلى الذي لو سقطت حصاة منه على السموات السبع لانكسرت كما تنكسر طاولة البلور لو سقط فوقه مدفع. وهو المثل الذي ضربته الروح الملهمة في طي شرح هذا النفح من الصلاة. وأما نون فهو الجزيء الأدنى الذي كان منه خلق كل شيء، إنه الهباءة والبذرة الأولى ومفردة خلق التكوين وما فيه. حجم لا يمكن تصور صغره. وكأنه لا حجم له. أدنى من الذرة وما تمت معرفته من جزيئاتها. وكل هذا للقلب الممدود وليس للعقل المحدود. ومن لم يجد لذلك قبولا فليأخذ صورة التصور لا أكثر. أي صلاة بعدد ما بين سدرة المنتهى وما فيها من عظيم الخلق، وأدنى الموجودات والعوالم التحت ذرية.
صلِّ عليه كما تصلي عليه: فإن الله قد صلى على رسول الله صلاة أخبرنا بأمرها ولم نعلم حقيقتها وكيفيتها وأنوارها وأسرارها وتجدد ذلك السر كل حين بسر البديع سبحانه. فهي صلاة ربانية خالصة على الحبيب المحبوب. وهي الأعظم.
وكما يصلي على نفسه: ثم إن الله سبحانه ألهم حبيبه محمدا صلوات من ذاته على ذاته، فلرسول الله صلوات على نفسه بما وهبه ربه من مقام وإكرام. وهي صلوات علم المؤمنين منها نصيبا كالصلاة الابراهيمية، وأمرهم بالصلاة عليه وعلى آله ضمن سر عظيم آخر. ولكن اليقين أن كان له في حياته المحمدية البشرية، وفي خلواته مع ربه وسجوده له صلوات على ذاته الشريفة كما ينبغي لذاته الشريف. وهذا شأن مستمر كان بالروح قبل نشأة الجسم، واستمر بالروح بعد الانتقال إلى الحياة البرزخية عند الله، ويستمر الآن ويبقى إلى أبد الآبدين ضمن السر الأحمدي. ويدخل في هذا صلوات آل بيته عليه وعلى أنفسهم.
وكما يصلي عليه ملائكتك العابدون: فالملائكة في نص الآية يصلون مع الله سبحانه على الحبيب: “إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾” (الأحزاب).
وفي هذا نظر وتفصيل: فكل ملك وملاك صلى عل قدر مقامه وحاله وطبيعة نوره وسره: فصلى جبرائيل صلاة جبرائيلية، وصلى ميكائيل صلاة ميكائيلية. وصلت الملائكة حسب النوع والرتبة من العرش إلى الفرش، ومن الأفق الأعلى إلى ملائكة الأرض والبحر والحفظة وسواهم. فلكل صلاة صبغة ذات. ونوع ونور وسر مخصوص ومعنى منصوص ومبنى مرصوص فيه الدر والجوهر والبركة والخير. ومن وقف بالابواب نالته النفحات الروحية التي تتجلى في صيغ للصلاة على رسول الله تجدد وتعدد وتستمر لأنها من كلمات الله.
. وأنبياؤك المرسلون: فاليقين لدينا أن كل الانبياء استجابوا من قبل لأمر ربهم بالصلاة على رسول الله. وضمنها سر الصلاة الابراهيمية أي صلاة سيدنا إبراهيم على سيدنا محمد، وهكذا قياسا على أسماء جميع الانبياء كلٌّ حسب مقامه وسره وطبيعة نوره ولغته التي في الأرض ثم تلك التي في عالم البرزخ. وهذا بحر من المعاني والمباني والصلوات ينال منه ذو الحظ العظيم. وأولياؤك الصالحون: وفيه مقامات أهل الله، ومعلوم أن الأقطاب والأولياء لديهم صلوات خاصة ظفرنا بشيء منها في ما دونوه أو دونه تلاميذهم كصلاة الشيخ الجيلاني وصلاة الشيخ الرفاعي وصلاة الشيخ ابن مشيش (الصلاة المشيشية) وصلاة الشيخ الشاذلي، وصلاة الفاتح للشيخ التجاني وهي من أشهر الصلوات. وكذلك صلوات الامام الجزولي وهو من أكابر أهل الله.
وخلقك المجتبون: تشمل ما بقي من أهل المقامات ومن الكائنات، ضمن قاعدة مهمة متنها أن كل شيء يسبح لله، وأن كل مسبح لله عرّفه الله قدر من صلى الله عليه وألهمه الصلاة عليه مع التسبيح. وهو باب عرفان كبير. وبعض أهل الله يصل إلى سر رباني يسمع به ويفقه تسبيح الموجودات وصلاتها على سيدها. فرسول الله نور الله في الوجود، وإمام كل موجود.
فهذا بعض من شرح هذه الصلاة التي وردت في نفحة ولها قصة ورؤيا كانت في مدينة طرابلس من أرض ليبيا أواخر سنة 2006 والشرح في مصر بعد ذلك بسنة.
تم نقل هذا الشرح من الصدر إلى السطر في مدينة سوسة المحروسة بأرض تونس بتاريخ 16/08 / 2019 13:25
# الشيخ مازن الشريف، الصلاة على رسول الله، سلسلة المشكاة، محمد رسول الله، نفحات