3 دقائق للقراءة
الحمد لله الذي نزّل على عبده الكتاب، وسبّب الأسباب، وهدى إلى سبيل الهدى والصواب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد عدد ما أحصى الله في الكتاب، وعدد ما أبدى وما أخفى وما دُعي فاستجاب.
وبعد: فإن القرآن معجزة الله الخالدة، التي أنعم بها على خاتم أنبيائه وسيد رسله وأشرف خلقه.
وهو مائدة الرحمن التي جعل فيها من كل خير وسر وعلم سببا. وهو الذي لا تنقضي عجائبه ولا يستوفي العلماء ما فيه مهما علموا.
وفي القرآن القصص الحق والخبر الصدق والنبأ اليقين، وفيه ما شرع الله وما أحل وما حرّم وما فرض وما أمر.
وفيه من الحكمة أبلغها، ومن العلم أوسعه، ومن البيان أبدعه، ومن اللفظ أجمله وأروعه.
وفيه من أسرار ذات لله ومجالي صفاته، وعظيم آياته، وجليل كلماته.
وفيه من أخبار العوالم أعلاها وأسفلها وأوسطها وما اجتن منها وما ظهر.
وفيه المنهاج القويم والصراط المستقيم، وذكر أحوال أهل النعيم وأهوال أهل الجحيم.
وفيه دستور المسلمين في جميع أحوالهم، في سلمهم، وحربهم، ومعاملاتهم، وعباداتهم.
وفيه القيم الفضلى، والأخلاق الأعلى، والكنوز الأغلى.
وفيه معارج العرفان، ومدارج الإحسان، وسبل الخير والرضوان.
وهو الكتاب الذي تعهد الله بحفظه من التحريف، وجعله أشرف كتبه وأفضلها.
وقد كان في كلام رسول الله الذي أوحى الله إليه كتابه ما يشير إلى عظيم شرف القرآن وإلى وجوب تدبر معانيه، وهي دعوة رباني أصلها ومحمدي فصلها.
ولذلك اعتنى أهل الله وأئمة الهدى، وأهل العلم الحق بالقرآن العظيم عناية كبيرة، فصنّفوا الكتب تفسيرا لآياته وتبيانا لفضله وإيضاحا لشرفه.
وفي القرآن رسالة كلية مفصّلة على مراتب ومقامات، فمنها الذي كان خاصا بمن نزل عليه وحي الله صلى الله عليه وعلى آله، ومنها ما كان موجها إلى أصحابه حصرا، ومنه ما كان للمؤمنين عامة، ومنه ما كان لبني آدم قاطبة والناس كافة، ومنه ما كان موجها إلى الثقلين (الجن والإنس).
وهذه الرسائل كلها خير وقيم وأخلاق وسبل إلى الله وهدي منه وفضل ورحمة من لدنه.
وكم تحتاج الامة اليوم إلى تدبر تلك المعاني وفهمها، وتطبيقها وتحقيقها، حتى يكون في ذلك صلاح لحالها، وفلاح لمآلها.
ثم أن يكون كل مؤمن بالقرآن العظيم رسول لرسول الله يوصل رسالة السلام والرحمة إلى الإنسانية كلها.
وإن الشر كله والانحطاط كله، في ترك القيم القرآنية وهجر القرآن العظيم، واتباع كل فهم سقيم، وكل تأويل عقيم، وكل من دلّس ودسّ وزيّف، وانحرف عن المنهج الرباني والصراط القرآني والهدي المحمدي النقي الذي يمثل الإسلام الحق بلا تحريف ولا تزييف ولا غلو ولا تفريط ولا انبتات.
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا﴾[1].
كما أن الذي يتلو القرآن ثم لا يتدبر معانيه ولا يتفكّر فيما فيه، مفصول عن سرّه محروم من بِرّه، مطوّق بالشيطان وشرّه، وعلى قلبه ما عليه من أقفال.
﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ﴾[2].
وإن المحرومين الذين حقت عليهم كلمة العذاب عُزلوا عن الفهم وسقطوا في الوهم وجعل الله في قلوبهم أكنه وفي آذانهم وقرا، وحجبهم عن أنوارهم، ومنعهم من فيض أسراره.
﴿وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَیۡنَكَ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ حِجَابࣰا مَّسۡتُورࣰا ` وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَـٰرِهِمۡ نُفُورࣰا﴾[3].
وهذه دعوتنا التي نلقى الله عليها، دعوة للرجوع إلى كتاب الله، وتنقية الطريق إليه بنزع كل دس وتحريف وإسرائيليات في تفاسيره.
دعوة للتأمل في تفاسير السابقين تحقيقا وتدقيقا، وفيها الخير الكثير، وللبحث عن فيوضات أخرى تخاطب وقتنا وتتحدى عناد من ادعوا العلم في الكون والإنسان ولكنهم حرّفوا الأفهام إلحادا وجحودا، وفي القرآن العظيم علوم تحتاج فهوما تنجلي بها تلك الأسرار التي سيبهت لها كل معاند ويندك بها جحود كل جاحد.
دعوة لأن يكون القرآن دستورنا الأخلاقي، ففيه صلاح مجتمعاتنا، وفيه فلاح أمتنا، وفي زكاة أعمالنا وأفعالنا، وفي الخير والنفع، والمنعة والدفع.
دعوة لأن نصل بالقرآن إلى نبي القرآن، فنراه بصورة أجلى، وبمشهد أحلى، وتتضح المعالم، وتنكشف المظالم، فكم ظُلم رسول الله في كل حديث موضوع ودس في سيرته وتحريف لمسيرته.
دعوة لإسلام محمدي نقي، لا يتمزق بالمذهبية، ولا يتناحر بالطائفية، ولا تعصّب وتطرّف فيه، ولا تفريط وانبتات عنه.
دعوة لخير الإنسانية كلها، وسعي في صلاحها، ودعوة لأخلاق القرآن، للخلق المحمدي الزكي، للمحبة والرحمة، وللقوة والتفوق، وللإتقان والإبداع والحكمة والعلم.
فيا أهل القرآن، يا أُهيل الحمى واليقين والإحسان، حي هلا على كل ما حلا وما غلا، وأهلا بكل من يريد أن يمشي معنا في هذا الدرب، لنكون خدما لهذا الكتاب العظيم، ولنبيه الكريم، وننعم بالقبول والوصول إلى درجات رفيعة ومقعد صدق عند مليك مقتدر.
﴿إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا﴾[4].
سوسة 31-10-2020
[1] الفرقان ٣٠
[2] محمد ٢٤
[3] الإسراء 45-46
[4] الإسراء ٩