2 دقائق للقراءة
(الصورة لضريح الامام الحسن البصري)
المقابر منابر…
يقف فيها الموت واعظا…مذكرا بقول الحبيب المصطفى: اذكروا هادم اللذات.
وتقف فيها الحياة ناصحة لأهلها بأن لا ينسوا من سبقونا إليها ثم غادروها، متمثلة بقول الشاعر:
خفف الوطأ فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ
وقبيح بنا وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد
وتتراص فيها ارواح السابقين والصالحين تعظ وتتصل بالقلوب العارفة. وكم ولي زرنا قبره فرجعنا بعبرة وعلم وحكمة نثق انها نفح الروح للروح. ومن ذاق عرف ومن جرّب اغترف.
ولذلك فإن هدم المقابر هدم للتاريخ واعتداء على كرامة الانسان التي يجب أن تُصان حيا وميتا، وقطع لتلك الصلة الروحية بيننا وبين سلفنا الصالح.
وهو نوع من التدمير الممنهج الذي لا يطال فقط واقعنا تخريبا وتفجيرا بل يغوص في الماضي كذلك كتدمير آثار العراق وتدمير مقامات الصالحين وتخريبها في كثير من الدول العربية وخاصة الشام والعراق واليمن وليبيا.
والعناية بالاضرحة والمقامات امر ضروري وواجب للحفاظ على تلك الصلة الروحية ولأداء الاحترام المستحق لمن سبقنا بالايمان.
أما ان يخربها دعي دين جاهل بدينه مخالف لرسوله، فتلك جريمة يجب منعها بسلطة القانون وتضامن الناس، او ان يريد بعضهم تحويل تلك المقابر الى طرق ومحلات تجارية كما أُريد لمقبرة الامام الحسن البصري بمدينة الزبير بالبصرة، والتي تحوي عددا من الشخصيات الاسلامية والادبية الكبيرة، كمحمد بن سيرين ورابعة العدوية والشاعر الكبير بدر شاكر السياب. والحمد لله تم منع ذلك بشرفاء البصرة.
وكذلك يمثل استخدام مقابر المسلمين لدس السحر والقيام بالشعوذة مؤشرا على مدى مرض المجتمع، والخواء النفسي والعقائدي الذي يدفع مرضى القلوب لدفن صورة شابة جميلة يافعة في قبر مع غرز الابر فيها.
إنها مشاهد مؤلمة، لأموات وهم أحياء، يزاحمون أحياء وهم أموات.
كم على المصلح أن يتوجّع ويتفجّع ويتألم لحال أمته. وكم عليه أن يجوع ويفتقر لصون ذمّته. وكم عليه أن يقاوم ولا يساوم للحفاظ على همّته.
وكم علينا أن ننتظر غوث السماء، فالارض وأهلها عاجزون.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)} سورة القمر.
أو كما قال أبو حيان التوحيدي
والأرض للطوفان مشتاقة
لعلها من درن تُغسلُ