8 دقائق للقراءة
هز بيروت يوم الثلاثاء الرابع من أوت 2020 انفجار رهيب دوى على مسافات بعيدة بلغت جزيرة قبرص. وكان شبيها بانفجار هيروشيما. وهو الأعنف في تاريخ لبنان، وأعنف الانفجارات التي جرت في المدن المأهولة بعد التفجيرات النووية الأمريكية على المدينتين اليابانيتين.
لكن هل انفجار أم تفجير؟
وما دلالات تاريخه، وموقعه؟
وما هي التحاليل المحتملة والمفروضة له؟
وما هي أبعاده المحلية والاقليمية والدولية؟
وما هي الرؤى الاستشرافية لما بعده؟
1/ انفجار أم تفجير: منذ الوهلة الأولى لمشهد الانفجار في بيروت ظهر لي بشكل ذهني حدسي أنه تفجير مدبر ومحكم. لأني مقتنع في وجهة نظر استراتيجية أن الأمور تسير في منظومة متعمدة وأن ذلك الحدث متصل بما بعده وما قبله. وأنه من غير الممكن أن يكون مجرد حريق وانفجار للأمونيا أدى إلى مشهد رهيب كذلك المشهد. وسوف تكشف التحقيقات عن ملابسات الأمر أو شيء منها، لكني محتفظ باعتقادي هذا حتى يثبت قطعيا أن الأمر مجرد حادث نتج عن الإهمال.
وفي كل الأحوال فالاهمال موجود، وتلك ثغرة كان يجب سدها والتفطن لها والتخلص من حمولة السفينة التي تم إيقافها وفق ما ظهر من روايات للمسألة. ومن الضروري فهم جميع الملابسات. ولا يكون غريبا أنه تم دس قنبلة من نوع ما وتم تفجيرها بعد إشعال الحريق في الأمونيا…
2/ الدلالات: الانفجار الكارثي في بيروت لها دلالات كثيرة وكبيرة. وسأكتفي بدلالتين فقط زمانية ومكانية.
أ/ الدلالات التاريخية: توقيت تفجير أو انفجار مرفأ بيروت توقيت عجيب، فهو ليس فقط مشابها نوعا ما لانفجار هيروشيما اليابانية سنة 1945، بل بينهما في تاريخ اليوم والشهر يومان فقط. فالولايات المتحدة ألقت القنبلة النووية على مدينة هيروشيما بتاريخ السادس من اوت، وفي الرابع من نفس الشهر وبعد خمس وسبعين عام كان الانفجار في بيروت.
هل يعني ذلك أن من دبره أراد أن يكون رسالة ما؟
وهل في ذلك إشارة إلى وجود شبهة تفجير نووي محدود او قنبلة من القنابل الجديدة وهي نووية معدلة أو مشابهة للسلاح النووي لكن أقل قوة ومن دون إشعاع؟؟
كل هذا يحتاج لبحث ولا يمكن أن يجيب عنه قطعا إلا التحقيق الميداني المباشر.
ب/ دلالة الموقع: مرفأ بيروت شريان حياة أساسي للبنان كله. وفيه مخازن كثيرة، وخاصة الحبوب. وفيه خط بحري تجاري مهم لبلد يعاني من آثار جائحة كورونا ومن آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة ومن آثار الحرب على سوريا والاجراءات الأمريكية المتعلقة خصوصا بقانون قيصر.
كما أن الخسائر المادية الكبيرة التي تكبدتها بيروت من جراء الانفجار حوله إلى كارثة فعلية على الجانب المادي والاقتصادي والبنية التحتية. مع ما انجر عنه من خسائر في الأرواح ومن جرحى بالآلاف وضرر للمؤسسات واختناق للمستشفيات ورجة نفسية عميقة.
3/ التحاليل المحتملة: كثيرة هي التحاليل التي تجري الان في الاعلام عبر العالم وفي كل وسائل التواصل، ولكني أرى أن هنالك تحليلان محتملان رئيسيان:
أ/ التحليل الاول: أن الأمر نتاج للإهمال. حيث لم يتم تخزين تلك الأطنان من المواد المتفجرة بشكل يجنب وقوع الكارثة. ولم يتم التعامل مع الأمر بالسرعة والصرامة المفروضة. وهذا تحليل يبقى قائما في جميع الحالات. وعليه يكون الانفجار ناجما عن حريق قوي نتج عن عملية لحام للباب أو غيرها من السيناريوهات والروايات التي وردت.
ب/ التحليل الثاني: أن الأمر مدبر ومتعمد، وأنه يتجاوز مسألة الأمونيا إلى قنبلة نوعية على غاية التطور، تم تجربتها للمرة الأولى. وأن الأمونيا والحريق مجرد تمويه. وأن تلك القنبلة تم دسها مؤخرا بتدخلات مخابراتية معينة. ويبدو من خلال الغيمة الفطرية التي ظهرت وقوة التفجير أنه مشابه فعليا للتفجيرات النووية.
فهل فعلا تمكنوا من صناعة سلاح نووي محدود وغير مشع أو شبه نووي كما كانوا ينظّرون ويحلمون من قبل؟
بحكم أن العدو الصهيوني مثلا كان مقيدا نوويا لأن أي ضربة سيرجع شعاعها وأثرها عليه.
هذا باب تحليل لا يجب إغفاله. وتصريح ترامب بأنه تم استهداف مرفأ بيروت “بنوع من القنابل” تصريح خطير رغم انكار الكونغرس له. لأن رئيس الولايات المتحدة تصله يوميا تقارير مخابراتية ولا يتكلم عبثا. ولكنه ربما قال ما لا ينبغي قوله. أو تعمد ذلك في إطار حربه التي يضحي فيها بكل شيء من أجل أن يتم انتخابه مجددا.
4/ الأبعاد والرؤى الاستشرافية: أبعاد مثل هذه الكارثة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان ولا رأى العالم مثلها منذ هيروشيما (بحكم أن التجارب النووية لم تكن داخل مدن مأهولة) هي أبعاد كثيرة متداخلة ومعقدة.
ومن أجل التبسيط والاختزال سنذكر النقاط التالية مع ذكر بعض الاستشرافات:
أ/ الأبعاد المحلية: وهي أبعاد لبنانية-لبنانية. وأول بعد سيتعلق بعمق الضرر المادي الرهيب. فهي كارثة مدمرة للاقتصاد لو افترضنا أنه في أفضل حالات انتعاشه، فكيف باقتصاد يشهد مشاكل كبرى وخانقة.
ثم نجد البعد النفسي: فهي رجة نفسية عميقة ومؤلمة. بلغت حد أن بعض اللبنانيين وهو يتفاعل مع زيارة الرئيس الفرنسي دعا علانية لعودة الانتداب.
إنه شعور بالقهر، والخيبة، والمرارة. وشعور ينضاف إلى عقدة من المشاعر الموجعة والمدمرة التي يشعر بها كل مواطن عربي على اختلاف الدرجة والنسبة.
وهنالك بعد سياسي مزلزل، ومطالبة استقالة الجميع من مناصبهم. وهي مطالبة انفعالية ولكن لها ما يؤيدها إذا تم النظر إلى مقدار الفساد الذي يتم ذكره من طرف الكثيرين. وكذلك ردة فعل على السماح بوقوع مثل هذه الكارثة مهما كانت أسبابها.
وطبيعي أن الأمر لن يخلو من توظيف: البعض سارع ومنذ أول وهلة الى اتهام حزب الله وايران بتخزين أسلحة. وقال آخرون أن إسرائيل قصفت تلك المخازن. وسيحاول هؤلاء الضغط بكل قوة على المقاومة والمراهنة على غضب الشارع اللبناني، مع يقين أن اللبنانيين أذكى من أن يتم التلاعب بهم بهذا الشكل المفضوح، إلا من تعصب من قبل في كره المقاومة والرغبة في عودة المستعمر الفرنسي أو حتى دخول إسرائيل مجددا إلى بيروت.
وتبقى الأبعاد المحلية قابلة لمزيد التوتر والتضخم. وفي جميع الأحول فما حدث كارثة عميقة وسيدوم أثرها لسنوات طويلة على جميع المستويات.
ب/ الأبعاد الإقليمية: تدفع بيروت ويدفع لبنان ككل ثمن موقعه الجيوستراتيجي، ووجود جرثومة الكيان الغاصب بجواره، وتاريخ من الدم والحرب الأهلية. ثم الحرب العالمية المصغرة في سوريا. وقد رأينا في عرسال وفي غيرها أثر الإرهاب وكيف تسلل إلى لبنان. كما نعلم أن لبنان لم يسمح كدولة وكمقاومة وكشعب أن يكون بوابة عبور لتدمير بلاد الشام. وكذلك لا يقبل أي لبناني شريف بالتطبيع مع العدو الصهيوني. وبالرغم من تمكن القوى المخربة من تنفيذ عدد من مخططاتها من بينها الاغتيالات (وعلى رأسها اغتيال الحريري) وتشكيل بعض الخلايا والمجموعات الارهابية (مثل فتح الاسلام في مخيم نهر البارد). إلا أن لبنان ظل صامدا. وحتى الحرائق المريبة التي حدثت لم تركعه. والأكيد أن الضغط الأمريكي كبير، وأن قانون قيصر استهدف لبنان مثلما استهدف سوريا. ولكن لم يبلغ الأمر حتى في حرب تموز نفسها ما بلغه مع هذه الكارثة بحكم الوضع الذي تمت فيه والفوضى التي سببها في زمن كورونا المدمرة لاقتصاديات العالم ككل.
وعليه سيكون أثر هذا الانفجار كبيرا على الإقليم ككل. وسيساهم في محاولة فرض معادلات إقليمية جديدة، ومواقف جديدة. ولا أريد أن أبدو سوداويا لكن كل المؤشرات الاقليمية خطيرة جدا. وليس هنالك مانع نظري من تكرار مثل هذا الانفجار في عواصم ومدن أخرى إن صح أنها قنبلة نوعية جديدة. ولست أرى الحرائق الكثيرة هنا وهناك في العالم سوى حلقات متصلة.
ج/ الأبعاد العالمية والرؤى الاستشرافية: العالم اليوم يعاني من كورونا، وبالرغم من الاعلان الروسي عن التوصل إلى لقاح قد يكون متوفرا عالميا بداية السنة القادمة، فهذا لا يقلل من الاثر المدمر للجائحة، ولا من احتمال تكرار جوائح اخرى ما زلت أراها متعمدة ضمن منظومة حرب عالمية ثالثة باخراجات مختلفة تتبع تسلسلا رقميا من السنوات وكنت بينت رؤيتي لذلك في علاقة ببدايات الألفين واجتما الاصفار الثلاثة ثم بداية العد التصاعدي مع عمليات 11 سبتمبر 2001 ثم احتلال العراق سنة 2003 وصولا إلى 2010 حيث بدأت مرحلة أخرى مع ظهور الرقم واحد بين الصفرين وهنا ما سمي بالربيع العربي 2011 ثم داعش والحرب على الشام والعراق وتدمير مدن باكملها وتدمير ليبيا وغيرها من الاحداث.
أما توازي الأرقام 20/20 ففيه انطلاق المستوى الثالث والاخير والاقوى الذي ينتهي في تخطيطهم سنة 2030 مع حرب عالمية ثالثة فعلية. وفي هذا العام ظهر فيروس كورونا وتعطل العالم كله. وضمن نفس النسق الحرائق الكثيرة في العالم وكذلك الانفجارات الغامضة وعلى رأسها انفجار بيروت. ولدي رؤية استشرافية حول بقية السنوات أفضل حاليا تركها لأوانها المحدد.
الفترة الترامبية في أمريكا هي الأخطر منذ الحرب الاهلية، والرجل خطير على الأمن القومي الامريكي والعالمي. وليست مسالة قتل جورج فلويد وعودة العنصرية ولا الاثر الكارثي لكورونا ولا الحرب بين الكونغرس والبيت الأبيض وبين المخابرات الامريكية والشرطة الفدرالية او القسم الداعم لترامب منها. ولا نزول الجيش في المدن وقمع الناس وتصريح عمد وولات مدن كثيرة أن هذا غزو وغيرها من المؤشرات الخطيرة سوى بداية. ترامب يقول ان الانتخابات ان لم ينتصر فيها فلن يقبل نتيجتها وهي مزورة. وقال أثناء محاولة محاكمته في القضية الاكرانية أن هنالك خطر حرب أهلية في حال عزله. ومثل هذا المجنون بيدق لدى من يحركه. العدو الصهيوني سارع لاعلان براءته من انفجار بيروت. الرئيس الفرنسي ممثل الاستعمار القديم سارع إلى بيروت. هنالك تلميحات بالوصايا الدولية على لبنان. وضغط سيكون اكبر في مسألة نزع سلاح المقاومة. محكمة دولية محتملة مثل ما كان بعد اغتيال الحريري. توريط حزب الله وايران هو الغاية الاساسية. وهنالك من يراهنون على الحرب الأهلية من جديد.
إنه عالم مجنون بحق ويمضي مسرعا نحو الهاوية. تصريحات كيسنجر (العقل الاستشرافي الامريكي الخطير) المستمرة حول الحرب العالمية الثالثة ليست من باب العبث. والحرب الاقتصادية مع الصين ستكون اعنف.
الملف السوري إلى مزيد من محاولات التعقيد (دون ان نفصل في ذلك) والازمة الليبية إلى مزيد من التدويل ومزيد من محاولات افتعال حرب مصرية تركية ميدانية مباشرة. وكل هذا متصل ببعضه موصول بما جد في بيروت.
انها اول مدينة يتم ضربها بأحد أسلحة القيامة كما يسميها منظرو الهرمجدون. وهنالك شرذمة عقائدية مريضة تحكم العالم وسوف تتمظهر كل يوم أكثر وسوف تضرب كل دول العالم بلا استثناء. ولا غرابة أن نسمع عن انفجار الامونيا في حيفا. ولا عن حالات مماثلة وعمليات ارهابية غامضة وحرائق في مدن كثيرة من العالم ويقيني أن هنالك خيطا ناظما.
هنالك عزم حقيقي لدى الشرذمة المفسدة على ان ينهار اقتصاد العالم سنة 2023. وعلى أن يبدأ في حرب عالمية فعلية سنة 2025. مع اختناقه بيئيا. ومع ظهور فيروسات اخرى اقوى من كورونا. ومع ردات الفعل الارضية ضد التلوث من زلازل وبراكين واحتمال استخدام اسلحة تتحكم في المناخ وتسبب الزلازل والكوارث (مثل أسلحة نيكولا تسلا المخفية). وغيرها مما في جعبة الشيطان.
ومن يعش قليلا سيرى كثيرا. ولكن في آخر النفق ضوء يتوثب. وهنالك لهذا العالم قوة أعظم من كل القوى التي ذكرنا. سواء نظر إليها الماديون في مخاطر الضغط الكوني لكوكب نيبرو وقرب الكوكب المظلم اكس. أو في غموض وسرعة تطور ملف تلك الاجسام الطائرة المجهولة التي انهار الكونغرس مؤخرا معترفا بها. أو في ما يراه أهل العرفان الاسلامي وما يؤمنون به، او حتى ما يجده التوراتيون في كتبهم. وكل ذلك متصل ببعضه. فالذين يديرون هذه الحرب بكل تفاصيل عقائديون، والذين ينفذونها عقائديون. وهتلر كان عقائديا وكان النازيون يعتقدون فيه الالوهية وانهم قادمون من اطلنتس وقبل ذلك من الكوكب الذي ذكره السومريون بعد سقوط القمر.
ويقينا أننا نحتاج إلى عقيدة نورانية تواجه كل هذا الظلام والعقائد المجنونة المنحرفة والشيطانية التي تريد هلاك معظم سكان الارض. وإلى تدمير انسانية الانسان بكل مقوماتها وتحويل العالم إلى حفرة من الشذوذ والالحاد والتطرف. وتحويل كل بشري إلى سيبورغ (كائن نصف آلي) لا يعرف سوى الاستهلاك ويتم التحكم به بضغطة زر.
ويحتاج الجميع إلى الاعتقاد في الوطن وفي الامة.
واهل لبنان الان اكثر حاجة للاعتقاد في وطنهم وحريته وسيادته وامكانات انتصاره رغم كل شيء. وكذلك للحمة وتعاون كل العرب والمسلمين.
وإن كل حاكم في العالم (والعالم العربي خاصة) لا يشعر بخطورة الوضع العالمي والاقليمي وخطورة ما سياتي ولا يستشير اهل الذكر، ويحاول جاهدا حماية وطنه وشعبه والبحث عن نقاط الاختراق وسدها بشكل عاجل وصارم، هو حاكم في غيبوبة. وسيصحو على وقع انفجار اعنف من انفجار بيروت، أو يلقى حتفه فيه[1].
[1] سوسة 07/08/2020