2 دقائق للقراءة
الحمد لله الذي أرسل عبده وحبيبه، سيدنا وإمامنا محمدا، بالهدى والحق، رحمة للعالمين، وبعثه خاتما للأنبياء وسيدا للمرسلين.
صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، كما صلى على إبراهيم في العالمين، إنه حميد مجيد.
وإن بعثة الحبيب الأعظم عليه صلاة الله وسلامه كانت ضمن الرحمة، فقال عنه باعثه ومرسله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾ [الأنبياء].
ذلك أن الرحمة قد جعلها الله صلة بينه وبين خلقه، فبيّن أنه وسع كل شيء رحمة، وأن رحمته وسعت كل شيء، بل إن حملة عرشه يسبحون بحمده ويذكرون رحمته العظيمة الواسعة: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: ٧]
وإن هذه الرحمة العظيمة، متصلة بباب عظيم، هو باب الرحمة، وباب الله ورسوله، وهو العلم بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله.
تلك الشهادة العظيمة التي جعلها الله مفتاح الجنة، وباب كل خير، فدعا نبيه ودعا كل مؤمن وكل مخلوق إلى الشهادة والعلم اليقيني أن الله حق واحد فرد صمد، فقال جل في علاه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد].
إن الشهادة التي تثبت في القلب يقينا راسخا وإيمانا قويا يصل إلى مقام الإحسان، ويتبين العقل حقيقتها بالنظر في الموجودات والتدبر والتفكر، ثم تشرق في الروح نورا وخيرا وعرفانا وتزكية.
وإن عمل الأنبياء كان تعليم الناس عن ربهم، وتقريبهم منه، وتعريفهم به، وترسيخ التوحيد في قلوبهم، مع براهينه وشواهده، فالله لا إله إلا هو، وهو الخالق الذي ليس كمثله شيء، سبحانه وتعالى.
وعلى هذا عكف الصالحون والعارفون وأهل الذوق والشوق، فهم رحمانيون راحمون بما عرفوا من رحمة الله وما ذاقوا من حلاوة قرب الله.
إن تعميق فهمنا لمعاني شهادتنا بوحدانية الله، وبأنه الأقرب والأرحم، يجعلنا لله أشد حبا ومن الله أكثر قربا.
وإن هذا الحب ينجلي في حبنا لحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ولآله سفينة نجاة المؤمنين المخلصين، ولأصحابه الذين آزروا وأيدوا وصبروا وربط الله على قلوبهم وألف بينهم، وأهل الفضل من أمته، محبة نرى ثمارها المونعة كلما تعمقنا في شهادة الحق حتى لا تكون مجرد كلمة باللسان بل عمقا قلبيا وعقليا ومعرفيا وروحيا.
ويكون مع ذلك كله إيمان بالرسل والأنبياء والكتب المقدسة السماوية التي أنزلها الله، وبالملائكة والغيب كله، والقضاء والقدر والقيامة والجنة والنار، إيمانا راسخا على بينة، في بساط رحمة وكنف رحمة، ومقصد خير للإنسانية كلها.
نسأل الله التوفيق لأحباب رسول الله، ولكل من عرف الله، ولنا ولكم معهم برحمة من الله، حتى نكون خدما مخلِصِين للوحدانية، وجندا مخلَصِين للرحمانية، ودعاة صادقين للرحمة المحمدية.
وأن نكون من أولي الألباب الذين هداهم الله والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، حتى ننال تشريف وتكليف وكنه وسر وحقيقة هذه الآية العظيمة:
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)﴾ [الزمر: ١٦
سوسة، تونس
16/11/2018