2 دقائق للقراءة
جربت كل أنواع الألم، وكل أشكال الأوجاع، فلم أجد أشد ألما ولا أكثر وجعا من أكون بعيدا عنك، أو أن أشعر أني كذلك.
أعلم أنك قريب مني، لكن حجبي كثيفة تحجب قلبي عن أنوارك، وعقلي عن أسرارك.
الذنوب حجب، والدنيا حجب، وضعف النفس حجاب، وقسوة القلب حجاب.
لم أكن أكثر أنسا في أحوال ضعفي وضري وألمي وسقمي وفقري وغربتي، مني وأنا أستئنس قربك، وأستشعر وجودك، وأحس بلطائفك، وأرى بعين روحي ملائكة أنسك تؤنسني، والصالحين يشدون عضدي، في أيام أنت أعلم بقسوتها، وأنت عليم بشدتها، وأني كنت فيها أيوب صبر، ويونس حوت.
قربك مني يسعدني، مهما قست علي الأيام.
قربك مني يشعرني بالأمان، حتى وإن كنت في لجة الخطر.
قربك مني جعل البلاء نعيما، وبطن الحوت كونا منيرا، وسجن يوسف حقولا خضراء.
كذلك كان عبادك المخلَصون وهم يستشعرون قربك، ويحسون حبك.
لذلك يا سيدي، لا تحرمني هذا القرب، ولا تجعلني بعيدا عنك.
أنا مقر بذنبي وتقصيري، وأني لا أخرج من ذنب حتى أقع فيما هو أسوأ منه، ولا أغادر ظلمة حتى تحتويني ظلمة أشد، ولا أغلب شيطانا، حتى أبتلى بشياطين أكثر مكرا، وأعظم نزغا وشرا.
ولكن قلبي لم يزل لك ساجدا، منذ أريته وجه الجمال، وأذقته لذة الوصال.
وروحي فانية في حبك، ذائبة في عشقك، منذ خلقتها فأشهدتها ذاتك، وأريتها صفاتك، وعلمتها كلماتك.
وما أنا إلا عبد سبقت له منك الحسنى.
وأنت أعلم بعظيم حبي لك، لأنه منك لك.
وأنت أعلم بأي قلب أحب أحبابك، وكيف أحبهم.
وتعلم شديد شغفي وعظمة ولائي لحبيبك محمد وآله. وتعلم صدق نسبي وانتسابي، وطول منافحتي عنهم، ومدحي لهم.
وتعلم كم شغفت بعبادك الصالحين، وكم وقفت بأعتابهم.
وتعلم ما بيني وبينهم.
وتعلم أن قلبي مخبت لك، وأني أسلمت لك أمري، وأنك أريتني من آياتك ما جعل يقيني راسخا، وكشفت لقلبي وبصري وبصيرتي ما أخفى بياني ونُقش في كياني.
ولكني عبد يخشى الهجر، ويخاف العتاب، ويحب الشكر والسُّكر، والذكر والفكر.
فألهمني لك شكرا، وزدني في آياتك فكرا، ولك ذكرا، وبحبك سكرا.
إنك يا مولاي تعلم، ولا يخفى عنك من أمري خافية، فجد بالعفو والعافية.
ولا تجعلني بعيدا عنك، فكيف تكون قريبا مني، وتحرمني القرب منك.
بجاه من جعلت جاهه بابا إليك، وذاته دليلا عليك.
وبحق الآل، وأهل الدلال والوصال.
ولك الحمد على كل حال.
*صورة من حفل المولد بالمنارة، مع الحبيب العزيز على القلب العلامة الشيخ فريد الباجي الحسني.