2 دقائق للقراءة
أثناء لقائي بالرئيس السوداني السابق عمر البشير، منذ قرابة السنتين، ذكر لي أن رئيس دولة إفريقية اتصل به وأعلمه أن نتنياهو يطلب منه التطبيع، وسوف يقوم بإزالة السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وإسقاط كل التهم الموجهة له ودعمه…
وأنه رفض ذلك بشدة.
وقد أيقنت حينها أكثر أن رياح الربيع العبري ستعصف في السودان بقوة وفي أجل قريب.
ومع التأييد الكامل لكل حركة تقوم بها الشعوب المقهورة من أجل أن ترتقي في جميع المجالات، فإن الثورات التي تحركها أيد خارجية ويتم توظيف الذباب الإلكتروني لإشعالها لا يكون بعدها إلا الفوضى والخراب.
يوم أمس اعلن ترامب مزهوا فخورا عن اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل، وعن إبلاغه الكونغرس بنيته رفع اسم السودان رسمياً من لائحة الدول الراعية للإرهاب.
ثم خرج نتنياهو أكثر زهوا وقال: “أن الجامعة العربية تبنت في العاصمة السودانية الخرطوم اللاءات الثلاثة في العام 1967؛ وهي: “لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للمفاوضات مع إسرائيل، ولكن اليوم الخرطوم تقول نعم؛ نعم للسلام مع إسرائيل، نعم للاعتراف بإسرائيل، ونعم للتطبيع مع إسرائيل. هذا هو عصر جديد. عصر السلام الحقيقي”.
طبيعي أن لعاب الصهاينة يسيل على أخصب أرض في العالم، 280 مليون فدان (85 مليون هكتار) صالح للزارعة في السودان، ولكن الأمر لا يخلو من انتقام من كل نفس عروبي وقومي، ومن مواقف السودان ومواقف جامعة الدول العربية ومواقف العرب يوم كانوا عربا.
وهنا أسأل المتحمسين لإسقاط النظام وأصحاب الاناشيد التي هيجت مشاعر الشباب عن الحرية والكرامة: أية كرامة وحرية سيقدمها التطبيع؟ وأين القضية الفلسطينية التي تسكن وجدان الأحرار من شعب السودان الأصيل والطيب والوفي.
إلى أين يأخذ المتلاعبون بمصير السودان ذلك البلد المنهك، وذلك الشعب الذي واجه أسوأ الفيضانات ويواجه ظروفا اقتصادية قاسية، مع نشر متعمد لكل المفاسد وضرب لروحانية بلاد الصالحين.
الأمر جلل وخطير، وسوف يكون وبالا على كل من تورط في التطبيع، لأن الصهيوني لن يحب حتى نفسه، وتختفي خلف أقنعته البراقة أنف شيطانية مليئة بالحقد والكراهية والنقمة والرغبة في التدمير وشهوة الحرق والقتل والتخريب والإفساد.
على أهلنا في السودان أن لا يسمحوا بهذا الأمر ما استطاعوا، وأن يُسقطوا مشروع التطبيع لتكون الورقة التي تم التوقيع عليها مجردة من كل فاعلية ونجاعة.
هنالك دول أخرى قد تقع وقد توقّع، وسيصول صهيونا عرضا وطولا.
ولكن موعدهم الصبح، ولا نشك أبدا، فكل ما سيكون تحقق لما كان عليه أن يكون، من نفير يدعمهم، وذليل يخدمهم، وغبي يتبعهم، ليميز الله الخبيث من الطيب، ولتعرف الشعوب حقائق كانت ترفض تصديقها.
ولتنكشف أكثر حقيقة الربيع الذي قلنا مرارا أنه ربيع عبري وخريف عربي، وحقيقة الأوهام التي روجوا لها عبر مواقع التواصل (الحرية والكرامة والتغيير والثورة).
هي مرحلة دقيقة وحرجة، تحتاج فكرا وإرادة، وبقية من أمل.