4 دقائق للقراءة
تونس الأرض المقدسة، بين الحقائق والأراجيف
نرجو إتمام قراءة المقال، وفيه رد شاف على الفيديو الذي أثار جلبة كبيرة.
***********
عندما ذكرت أن تونس هي أرض الوعد، كما ان فلسطين هي أرض الميعاد، واشتهر ذلك في الآفاق وشاهده الملايين عبر المنصات، لم أكن أهذي أو أدعي.
لكن ما راعني أن يتم توظيف ذلك، في بناء نمط وهمي، غايته تمييع الحقيقة، بعد محاولات إنكارها من قبل.
فتونس حوربت في تاريخها ونضال أبطالها، وفي سرها وروحانيتها، في إشعاعها الديني والعلمي الذي غمر العالم من قبل وطوره، في الطب والهندسة واللغة والأدب والفقه والمنطق وتأسيس علم الاجتماع، إذ أثرت أعمال ابن منظور وابن خلدون وابن شباط وابن الجزار وابن عرفة وابن عاشور وغيرهم من أعلام إفريقية تأثيرا عميقا على مستوى العالم، وكذلك كانت جامع الزيتونة أول جامعة عالمية في التاريخ الأخير الذي يمتد إلى آلاف الأعوام، وفي تونس تأسست الحضارة القفصية وهي من أوائل الحضارات في التاريخ الجديد -بعد زوال أطلنتس- منذ عشرة آلاف عام.
وقد ورد في المصادر التاريخية وفي التوراة والتلمود عن تونس وقداستها وسرها الكثير، فهي في التلمود ترشيش أرض الذهب، وهي وفق صاحب المؤنس في تاريخ تونس أرض مقدسة وفق خبر عن الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه لما أتى عبد الملك بن مروان في جمع من الصحابة والتابعين وقال له: عليك أن تستنقذ إفريقية لأنها من الأرض المقدسة.
وهي القبلة الرابعة بالاعتبار وفق تعبير الإمام مالك للإمام علي بن زياد، وهي الأرض التي كان أول من أذن فيها الإمام الحسن بن علي – ثم الإمام الحسين عليهما السلام فعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما – سنة سبع وعشرين للهجرة 647 ميلادي في سبيطلة وفق صاحب رياض النفوس.
وهي البلاد المقدسة بسر الأنبياء السابقين حيث ذكر غير واحد من المؤرخين وأهل العلم والصلاح كالإمام ابن عرفة أن نبي الله جرجيس أتاها وبه سميت مدينة جرجيس، وكذلك نبي الله يونس وبه سميت تونس، ونبي الله وكليمه موسى عليهم جميعا السلام حيث اعكتف في جبل الراهب عادل أربعة عشر يوما، وفي المرسى كان خبر الجدار واليتيمين مع الخضر.
بل ذكروا أن نبي الله صالح عليه السلام أرسل أحد أتباعه إلى إفريقية، وكذلك الإمام جعفر الصادق حين أرسل اثنين من خلص تلاميذه إليها قائلا: اذهبا إلى إفريقية فانشرا حبنا أهل البيت وهيئا الأمر لصاحبه.
وأجمع أهل الله في تونس أنها بلاد الخضر، فهي الخضراء بسره والخضراء بكثرة قبابها إذ هي مجمع الصالحين ولا تجد مدينة ولا قرية إلا وفيها ولي من أولياء الله أصحاب النسب الشريف. وهي كذلك بإجماع كل صالحيها أرض اللطف وموطنه.
بل وردت أحاديث نبوية من حضرة النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن قداسة وسر هذه البلاد، حتى بلغنا أنه قال: يأتي أقوام يوم القيامة من إفريقية وجوههم أضوأ من البدر.
ومن حنبعل الذي أذهل العالم في زمن قرطاج العظيمة، إلى حنبعل الثاني الذي سيرعب العالم في آخر الزمان وفق نبوءة العراف الأشهر، نوستراداموس، إلى معمار مذهل للقرطاجنيين والأمازيغ والحضارة القفصية وإلى أسرار كثيرة وصولا لطارق بن زياد فاتح الأندلس، وإلى من سبقه من صحابة بقيت قبورهم مزارات وعلى رأسهم أبو لبابة وأبو زمعة رضي الله عنهما، حتى النبوءات التي قالها اليهود عن ظهور المخلص فيها ودونوا من ذلك في لوح جبل بوقرنين، ثم كلام الكثير من أهل العلم والصلاح أن المهدي يخرج منها، كسيدي احمد بن بوبكر المعاوي، وسيدي عمر عبادة، وسواهما.
وسواء صح أنه يخرج منها، وفق تتبع تلك الإشارات والبشارات، مع ما أشّر له القرطبي في التذكرة مستدلا بحديث الصوف، أو ما ذكره الشيخ الأكبر بن عربي من أنه الولي الختم القائم من إفريقية، حتى قال في قصيدة ظاهرها عن شيخه عبد العزيز المهدوي وباطنها فُهم منه أنه عن المهدي:
إن الذي ما زلت أطلب شخصه *** ألفيته بالربوة الخضراء
البلدة الزهراء بلدة تونس *** الخضرة المزدانة الغراء
بمحله الأسنى المقدس تربه *** بحلوله ذي القبلة الزوراء
في عصبة مختصة مختارة *** من صفة النجباء والنقباء
يمشي بهم في نور علم هداية *** من هديه بالسنة البيضاء
سواء صح أم لا، وسواء صح كلام اليهود أن المشيا المخلص، وهو غير السيد المسيح سيكون تونسيا، وهو السبب الأساسي لاتخاذ تونس محجة في الغريبة بعد خبر نبي الله موسى وما كان من شأنه في إفريقية إثر فراق قومه ولقائه الخضر، فكل هذا لا يلغي من قيمة وقداسة هذه البلاد العظيمة شيئا.
وإني هنا أصمت عما أراه وأعلمه مما يفوق ما ذكرته بكثير، ولا أريد أن أبين رأيي في مسألة المهدي وكثير من غيرها لأن الوقت غير مناسب، ولكني موقن أن تونس هي أرض الوعد كما أن فلسطين هي أرض الميعاد كما بينت، وأن الاعتبار الذي ذكره الإمام مالك وصمت عن تفسير حين قال للإمام علي بن زياد: اعلم يا بني أن إفريقية هي القبلة الرابعة بالاعتبار، هو اعتبار للوعد وأسراره.
بل بلغ من مقام تونس أنها مجمع روحانية كل الصالحين ومكان توليتهم وفي ذلك قال القطب عبد السلام الأسمر: ما من ولي إلا وله وقفة قدم في جبل زغوان.
إلا أن هنالك فتنة تسري، وهي تريد أن تفسد ما تم كشفه من عظمة وقداسة هذه البلاد، إذ فشل الإنكار والتشويه والتتفيه والتحقير، وحل محله البديل: المبالغة والتزوير.
فأن يقول أحدهم أن رسول الله محمد تونسي، وأن فرعون غرق في شط الجريد، وأن مكة والقدس كلاهما في تونس، فهذا هذيان لا أصل له، غايته التعمية على الحقائق بإدخال الأوهام والترهات والأراجيف.
وقد يكون الناطق بهذا يعتقد أنه يخدم البلاد ولكنه يمضي خلف وهم لا نفع له، وسيجر خلفه من يصدقه، ويدفع المنكرين للسخرية وإنكار كل قداسة للبلاد، ضمن ربط الحقائق الدامغة بالأوهام الدابغة.
إن العلوم الخاصة والتي بدأ انكشافها لحكمة الله، جعلت الكثيرين يدعونها، ويفتنون الناس بادعائهم لها، في تفاسير مزيفة للقرآن، وذكر مسائل مزيفة تتم تغطيتها ببعض الحقائق، كالرماديين، والأرض المجوفة والمسطحة، وغير ذلك كثير.
وسنخصص بعون الله في كتبنا ومقالاتنا ومحاضراتنا ومداخلاتنا الإعلامية القادمة حيزا مهما للرد على هذه المسائل وكشف الباطل ودحضه بالبرهان ودمغه بالحق، مع تقديم خلاصة علمية نقية لا توهم فيها ولا زيف ولا سطحية أو قلة معرفة وفهم.
كتبت هذا المقال ردا على الفيديو أدناه، من باب الأمانة العلمية وواجب قول الحق والرد على الباطل.
وللحديث بقية.