3 دقائق للقراءة
جامع الزيتونه المعمور والذي اسسه معماريا حسان بن النعمان سنة 79 للهجره، وأسسه علميا الشيخ علي بن زياد مع مجموعة من كبار العلماء في الفقه المالكي، ليس فقط مكانا يعبق بالتاريخ والروحانيه حتى انه تاسس في مكان كاتدرائية بنيت على قبر القديسه أوليفيا دي باليرمو التي استشهدت في تونس وهي تنشر الدين المسيحي التوحيدي سنة 463 للميلاد، ونبتت بجوار قبرها زيتونه كانت سبب اختيار اسم الجامع وفق ما أورد المؤرخ القيرواني ابن ابي دينار ليحمل اسم القديسة واسم الشجرة معا، وإن كنا نعلم التسمية سرا آخر موصولا بين الإمام مالك وشيخه الإمام جعفر الصادق ثم تلميذ الامام مالك ومؤسس الجامعة الزيتونية الشيخ علي بن زياد، في اتصال بسر زيتونه لا شرقيه ولا غربيه.
ولكن الجامع الاعظم أكثر من ذلك.
فهو أول جامعه في العالم، واهم مناره اسلاميه تركز فيها التدريس العلمي المنهجي تحت بند:
في عقد الاشعري وفقه مالك
وفي طريقه الجنيد السالك.
ويعني هذا البيت من متن ابن عاشر اعتماد العقيده الاشعريه القائمه على التنزيه، الفقه المالكي، والتصوف الجنيدي نسبة للجنيد البغدادي المسمى بشيخ الطائفه.
وقد تم الاستئناف بالفقه الحنفي، وتبلورت رؤيه علميه رائده قام عليها رجال من اقطاب جامع الزيتونة المعمور كان مجددين في الفقه والمنطق والمقاصد من امثال الامام ابن عرفه، كما ظهر الصالحون واهل التصوف النقي على اختلاف طرقه، وعلى راسهم العلامه ابراهيم الرياحي.
ومن الزيتونه ظهر اقطاب علوم شتى مثل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وغيره كثير.
وفيه كانت تقام الموالد، وفيه يتشفع أهل إفريقية في أعوام النوائب بكتاب الشفاء للقاضي عياض وخواتيم البخاري، فإن زاد الأمر توسلوا بأربعين من الاشراف يضعونهم في حلقة الجامع ويستشفعون بهم ويحضر الباي وأعيان البلاد كما ذكر ابن أبي الضياف.
في هذا الجامع كان رجال جمعوا بين التسنن وعشق ال البيت، وتكفي قصيده سيدي ابراهيم الرياحي في التوسل بالائمه الاثنى عشر، وهو الذي كان شيخ الجامع الاعظم وامامه، وكانت الامامه فيه حصرا على الأشراف ذريه رسول الله.
كما انه الجامع الذي احتضن عشاق رسول الله من اهل المدائح والاذواق واللاواعج والاشواق، وليس ادل من قصيده سيدي الظريف في مدح الجناب النبوي، والتي يقول فيها:
متى امرغ خدي عند تربتكم
متى يساعدني دهري وازماني
جسمي بتونس موثوق بزلته
والقلب في الشرق بين الرند والبان
جامع الزيتونه باختصار تعبير عن روح هذا الدين العظيم، ومجمع لارواح الوف العلماء والصالحين.
انها المناره التي حاربها المستعمر وحجبت نورها دوله الاستقلال بغلق الجامع والجامعه التي فيه.
ورغم ذلك كان للرعيل الاخير من الزواتنه دور مهم في الحفاظ على الهويه الدينيه للبلاد التونسيه.
لقد خسرت الامه والانسانيه كلها، تونس خاصه بغلق الجامع مناره للاعتدال والوسطيه اما ترك المكانه شاغرا للعقائد التكفيريه المنحرفه، وللائكيه الالحاديه المتعفنة، التي حارب الكثير من اذيالها كل نفس زيتوني، بل كل شارع ونهج فيه اسم الزيتونه، ونهبت كنوز الجامع و الاحباس التي كانت تتبعه.
يُذكر أن الامام ابن عرفه (توفي سنة 1316) سأل وهو يغادر للحج كم بقي من كتب مكتبه الجامع، فقيل له ستون الف كتاب، فقال: ضاعت المكتبه.
ويتحسّر ابن ابي ضياف في كتاب الاتحاف على تصانيف الزواتنه وعلماء افريقيه التي ضاعت ولم يبق منها الا القليل.
فقد ربط دونجوان النمساوي اثناء غزو البلاد من الاسبان (ما يعرف بخطرة الجمعة أو خطرة الدواميس سنة 1573) خيله في الجامع ونهب مكتبته.
كما اتلف الاهمال والغلق المتعمد في دوله الاستقلال ما تبقى بدعوى التطوير والحداثة، الا قليلا مما نجى في المكتبات الخاصة ببعض أسر العلماء والأعيان.
انني عندما أتكلم فمن باب التحقيق والتمحيص والدراسه، وانني انظر بعين المؤرخ والمفكر، عين تمزج بين الاستراتيجيا التي اتقنتها أكاديميا، والعرفان الذي عشقته روحي، ذلك العلم الذي ولد في تونس في القرن السادس للهجرة ضمن مجالس العرفان للشيخ عبد العزيز المهداوي غير بعيد من هذا الجامع (المرسى تحديدا).
بهذه العين أرى جليا روابط الماضي والحاضر والمستقبل، وادرك اليات اعاده الاشعاع ومناهج تصحيح المسارات.
و اعرف جيدا بل اعلم علم اليقين أن المناره الزيتونيه ستشع مجددا على العالم كله، وان سر زيتونه لا شرقيه ولا غربيه سيكون له تجل اعظم من كل مكان.
لاجل ذلك سنبني المنارة، على المحمدية البيضاء، تكون امتدادا لمناره الجامع الاعظم، وتكريما لعلماء جامع الزيتونه واقطابه وصالحيه، في ربط بمنارة جدنا القطب عبد السلام الاسمر الفيتوري في مدينه زليطن بليبيا التي فجرها التكفيريون منذ سنوات.
وللشيخ الاسمر علاقة بتونس لا تتعلق فقط بشيخه ابن عروس وبعشقه للأرض وسرها وصالحيها، بل بما سيأتي من صلبه مباشرة، ليشع على الكوكب كله.