5 دقائق للقراءة
غريب أمر بعض البشر!!
لم يقرأ لك كتابا، ولم يسمع لك خطابا، ولم يدرك منك خطأ أو صوابا، ولا أحاط بما تعلمه، وأدرك ما تدركه وتفهمه، ثم تراه يشتمك ولم تسيء إليه بشيء، ويسخر منك ولم تؤذه بشيء، ويدعو جوقه التافهين والسطحيين والناقمين واللاأدريين ، فيشتمون ويسخرون وهم لا يفهمون أي شيء، ويتبارون في من يشتم أكثر، ومن يتكلم أحقر، ويكيلون التهم دون بينة، وينطقون بالإفك يظنونها مسألة هيّنة.
فيزداد سرور صاحب حفل الشتيمة، ظانا أنه منتصر عليك بحقده، راجيا لك تمام الهزيمة، معطيا لنفسه قيمة وهو بلا قيمة، ناشرا سخفه وأفكاره العقيمة، مجسدا مرض قلبه ونفسه اللئيمة.
بل إنه يعمد الى كلامك فيخرجه من سياقه، ويحرفه عن مساقه.
لو أنصف لاعترف، أو أبصر لاغترف، لكنه نقم فانحرف، وحسد فانجرف، وصرف الله قلبه فانصرف.
فلا فهم فسلّم، ولا قرأ فتعلّم، أو نطق بالحق حين تكلم.
ومن خلفه جحفل حقود، ومحفل كنود، ليس منهم إلا حسود، وليس معهم إلا جحود، كشرذمة من القرود، أرادت هزيمة الأسود.
وتجد الواحد منهم لم يسمع منك مقولا، ولا يأخذ عنك معقولا، سادرا في الغبش جهولا، ناكصا عن الحق خذولا، ماضيا في الغي عجولا، قافيا ما ليس به علم لم يقرأ قوله سبحانه: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا﴾ [الإسراء ٣٦]
حفلات الشتائم المجانية التي يقترفها قوم جنوا على أنفسهم، وجنوا على من تبعهم بغير فهم، واتبعهم لمحض وهم، دون إدراك، بل في ادّراك، على سفل يُمحق فيه العقل، وسفالة لا يصدق فيها النقل، هي حفلات لجحافل الشيطان، ومحافل البهتان، يتصدرها فاسق يأتيهم بنبأ، فلا يتبينون المصادر، ولا يحققون في الحكم الصادر، كما كان من توجيه الحكيم القادر: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [الحجرات ٦]
ولست هنا للرد على أحد منهم، فحالهم عقاب لهم، وما هم فيه خزي أحاط بهم.
ولكني أخاطب أصحاب العقول، ليستبين سبيل الرشاد، وتظهر الحجة على أهل العناد.
فانظر ماذا ترى، وأشهد على ذلك الورى، ورب الورى الذي يسمع ويرى، هل منصف هذا يا ترى، أم سيء يُزدرى، وكذب يفترى.
وتأملوا كيف تُكال التّهم، وكيف يشتمنا من لا يدركون حالنا، ويلعننا من لا يبلغون نعالنا، ويجتمع على حربنا بالبهتان، وزور اللسان، دجاجلة عميان، وأهل غشاوة وشقاوة وعصيان، غلب فيهم الشيطان على طينة الإنسان.
وليتهم نقدوا علما تكلمت عنه، أو قصيدا أنشدته وطربت منه، أو محاضره ألقيتها، وقضية بسطتها فما أوفيتها.
أو ليتهم قرؤوا كتابا من كتبي، ونسيجا من فكري وأدبي، فما بالهم يسعون في غضبي، ويحاربونني بلا سبب.
وهذا غيض من فيض، تهكم وتزييف لمنحط وضيع، وشويطين رضيع، يأبى عليه سقم قلبه، وعقم لبه، ان يمحص الخبر، ويحسن الظن، وأن يسأل فيما لم يفهم، ويتبثت قبل أن يتوهّم.
وما هو في الحقيقة إلا بيدق حركوه مع بيادق أخرى، لمقاصد أدرك أبعادها، وأفهم مقاصدها ومراصدها وأرصادها.
والعجيب فيما إليه يهرعون، ولبابه يقرعون، صم بكم عمي فهم لا يرجعون، ولم أسمعناهم لوجدناهم لا يسمعون.
منهم عتل زنيم، ومبغض لئيم، وفاسد رأي عقيم، وتافه إمعة، لا يعرف من عليه ومن معه.
هذا الفيديو تحديدا تم نشره من مجموعة من البيادق بمآرب سياسية وغايات تشويهية، وكنت رددت على رأسهم فقطعته، فلم يزدادوا إلا غيا.
وهو مقتطع من محاضرة لي ضمن دروس الفتح المحمدي، فليخبرني أهل العقل والمروءة: أي عيب أو جريمة في أن يذكر المرء أسماء آبائه، والله سبحانه قال: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ یَجۡتَبِیكَ رَبُّكَ وَیُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِ وَیُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَعَلَىٰۤ ءَالِ یَعۡقُوبَ كَمَاۤ أَتَمَّهَا عَلَىٰۤ أَبَوَیۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾ [يوسف ٦]
فهذا من وفاء الأبناء للآباء، والفخر فيه حق لأن الانتماء للنسب النبوي الشريف عز وفخر واصطفاء، وقد قال سبحانه: ﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰۤ ءَادَمَ وَنُوحࣰا وَءَالَ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَءَالَ عِمۡرَ ٰنَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ۞ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضࣲۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [آل عمران٣٣ ٣٤]﴾ [آل عمران]
فإن صح ذلك لهم فكيف بآل البيت الذين قال عنهم جدهم صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل كل نسب وحسب مقطوعا إلى يوم القيامة إلا حسبي ونسبي.
وما فخرنا بالانتماء لهذه الدوحة المباركة إلا اعتراف بالشرف، الذي لا يمتعض منه إلا فاقد الشرف، دون أن نتواكل على النسب، أو نتكل على الحسب، بل شرفنا نسبنا كما تشرفنا به، وتلك نعمة الله علينا كما كانت على الذين من قبلنا: ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحࣲ وَمِن ذُرِّیَّةِ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَمِمَّنۡ هَدَیۡنَا وَٱجۡتَبَیۡنَاۤ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَبُكِیࣰّا ۩﴾ [مريم ٥٨]
أجل، أنا أنتسب لآل البيت وأنا وارث علومهم وبرهان فهومهم رغم أنف من يأبى، ظهرت لي على ذلك الحجة، واستقامت المحجة، وسطعت بالرهان من عميق اللجة.
وأقول لمن اتخذوا ذلك سبة، ولهذا الوضيع وأضرابه ممن تهكم على الشريف وسبّه، وكرهه فما أحبّه، قول الفرزدق:
“أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ.”
وأما إعلان الحرب فهو تجديد لحرب مستمرة خضناها ببسالة وشجاعة دفاعا عن الوطن حين استشرى الفكر الظلامي وضرب الإرهاب، ولم يكن أحد ممن يشمونني اليوم يجرؤ على النطق بحرف، بل لعل كثيرا منهم يحملون نفس الفكر الظلامي المقيت، الذي سرى فيهم كالسم المميت.
بلى كنا وما نزال في حرب على الظلاميين، والمفسدين، والمزيفين والمزورين.
وهي حرب علمية منطقية، حرب بيان لا حرب رمح وسنان.
فهل في قولنا ذلك ما يهدد الأوطان، وما فيه للخيانة والعمالة برهان، حتى يقول بعض الجهلة أني كنت من قبل أحارب الإرهاب وصرب من أهله، وحتى يجحد آخرون ما لنا من علم وما أنفقنا زهرة الشباب في دراسته ونهله.
ولسنا نبالي في الحق بكبد مشقته وبصعبه أو سهله، ونعمد إلى شامخ الجبال ولا ندلج في منبسطه وسله.
فالحمد لله الذي بعلم أشهرنا، وبحجة أظهرنا، وأخزى عدونا فما قهرنا، وفتح لنا أبواب فضله وما نهرنا.
وإن حرب اللئام علينا لأعوام لم تزدنا إلا ثباتا، ولم تزد زرعنا إلا نباتا، ولم يتوقف دون بابنا المحبون المحبوبون، ولا حجب نور سرنا المحجوبون. فالتزوير والتزييف لا ينطلي على العقلاء، ولا يخدع النزهاء والشرفاء، الذين يعرفون معادن الرجال، ومواطن الكمال والجمال.
وإن هذه الشراذم العتية، والجحافل الدعية، حالها كحال قوم قال عنهم الله سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِی صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرࣱ مَّا هُم بِبَـٰلِغِیهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [غافر ٥٦]
وكما نقم سلفهم على آبائي، فهم ينقمون علي، وكما ابغضنا سفلة الأولين، يبغضنا سفلة الآخرين، ﴿ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ﴾ وظهر نفاقهم وغلبت عليهم ذنوبهم.
وإن الواحد من هؤلاء يريد أن يشتمنا فيشتهر، ونرد عليه فينخلع لبه وينبهر، ويستفزنا لنواجه نباحه بنباح، وقبحه بقبح.
ولكننا شُمخ أقوياء، أورثنا آباؤنا الرفعة والإباء، فافتخرنا بذلك دون غرور ولا ادعاء، ولعل الواحد من هؤلاء لا يعرف من أجداده إلا جدين أو ثلاثة، قد تبعثرت أنسابهم، وفسدت أصلابهم.
وإن أنكرنا من قومنا قوم لحسد نفوسهم وتلف رؤوسهم وفساد ما في كؤوسهم، فقد ظهر لنا من العلم ما فيه دليل، ومن الأدب ما يشفي الغليل، ومن الفكر والمعارف ما هو جليل وجميل، جم كثير ليس بقليل.
وشهد لنا في أصقاع العالم أقوام نهلوا من علومنا، وانتفعوا بفهومنا.
وشهد لنا رجال من أهل العلم والفهم والكرامة، والأصل والحسب والشهامة.
ولنا في كل ركن من الأرض مريدون ومحبون، ومناصرون ومؤيدون، يفتدوننا بمهجهم، ويتخذوننا قدوة وأسوة على بصيرة.
فيا جحافل الإفك الضريرة، ومحافل الحقد الضئيلة الصغيرة، دونك رواسي جبالنا الكثيرة، وتيه تيمائنا الواسعة الشاسعة الكبيرة.
ودونكم البحر تشربونه، والصخر تنطحونه.
ودونهم رجل من ولد الكرار لا تعرفونه ولسوف تعرفونه، ولا يدرك أحد منكم أي رجل تحاربونه، وأي ضرغام تواجهونه، وأي شامخ تريد أن تهدمه أوهامكم وتقصرون دونه.
فاسخروا فإنا منكم ساخرون، ﴿وَٱنتَظِرُوۤا۟ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ [هود ١٢٢] فدونكم ما سيأتي من بيان، وما سينجلي من برهان، وأقسم بالله الرحمن، ليندمن كل ناعق وشاتم وكذاب على ما صدر منه وكان.
والحمد لله المنان. وصلى الله على جدنا المصطفى وآله وسلام على الصالحين في كل زمان ومكان.
وكتب أبو علي مازن بن الطاهر بن علي بن عمر بن علي الحسني الحسيني الشريف.