3 دقائق للقراءة
الشهادة الأولى
خلال بحثي في التاريخ التونسي، وجدت نصا عجيبا جميلا صادقا من أحد أعلام الفكر والدين والتاريخ التونسي الحديث، وهو أحمد ابن أبي الضياف (ولد عام 1217هـ/ 1802-1803، وتوفي في 17 شعبان 1291هـ/ 29 أكتوبر 1874، سياسي ومؤرخ وإصلاحي تونسي.) صاحب كتاب الإتحاف الذي يُعتبر أهم مصدر للتاريخ الحديث في تونس إن لم يكن المصدر الأساسي الوحيد، وهذه الشهادة عن حب آل البيت لدى أهل إفريقية، وهي من وزير وعالم كان سيعيّن خليفة لشيخه سيدي إبراهيم الرياحي الذي سنورد لاحقا قصيدته في التوسل بالأئمة الإثني عشر وهو من هو علما ومقاما.
يقول أحمد بن أبي الضياف: (وأهل إفريقية يدينون بحب علي وآله، يستوي في ذلك عالمهم وجاهلهم، جِبلّة في طباعهم، حتى أن نسوانهم عند طلق الولادة ينادون: “يا محمد يا علي”، وكان الإمام الشاذلي رضي الله عنه يقول لأصحابه: “إذا اشتد عليكم كرب فقولوا: “يا محمد يا علي”.
وقوة المحبة لآل البيت مع الاعتراف بالفضل والمحبة لغيرهم ليس من الرفض في شيء، والله يقول: “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. ولا يخلو مسلم من هذا الحب، ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
إن كان رفضا حب آل محمد** فليشهد الثقلان أنّي رافضي)
أحمد بن أبي الضياف
كتاب إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان
المجلد الأول ص 121 طبعة الدار العربية للكتاب سنة 2016 تحقيق لجنة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث
الشهادة الثانية
الشهادة الثانية تأتي من العلامة سيدي إبراهيم الرياحي (إبراهيم بن عبد القادر بن سيدي إبراهيم الطرابلسي المحمودي بن صالح بن علي بن سالم بن أبي القاسم الرياحي التونسي، ولد بتستور بتونس عام 1180 هـ، 1766 م، و وكانت وفاته في 27 رمضان عام 1266 هـ الموافق لـ 7 أوت 1850) أحد أهم مشايخ ابن أبي الضياف وأرادوا أن يكون خليفة له، ومن مشايخه الشيخ إسماعيل التميمي والعلامة سيدي عمر المحجوب الذي رد على الضال الوهابي في رسالته الشهيرة.
كان سيدي إبراهيم الرياحي يسمى سلطان العلماء تشبيها له بالعز بن عبد السلام، ذكر ذلك كثير من العلماء والمحققين مثل الخضر حسين، جمعت له الإمامة الكبرى مع القضاء ولم تجمع لغيره من قبل. وهو من أدخل الطريقة التجانية لتونس، وأرسله الباي حمودة باشا إلى السلطان مولاي سليمان العلوي بالمغرب في مسغبة أصابت القطر التونسي، وإلى الآستانة أيضا سفيرا له، وكانت سفاراته ناجحة كلها، وبلغ مبلغا من العلم والصيت حتى كان الناس يستفتونه من مدن تونس والصحراء والجزائر وغيرها. فهو من كبار أعلام السُّنة والمدرسة الزيتونية المالكية الأشعرية الجُنيدية بلا منازع، ولا يمكن لأحد مجرد التشكيك في ذلك، لكن هذا كلّه لا يعني أن تسنّن أهل إفريقية عامة أو كبار علمائهم هو تسنّن نواصب ومعادين لآل البيت كما يريد الوهابية أن يخدعوا الناس به، وأن ينسبوا كل محب لهم للتشيع المذهبي حصرا وإقصاء، بل هو تسنن حب ومولاة كاملة، وليس أكثر من قصيدة العلامة سيدي إبراهيم الرياحي دليلا شاهدا وبرهانا دامغا:
يقول سيدي إبراهيم الرياحي:
إلهي قد سألتك بالنّبيِّ
وفرعِ الطّهر بالحسن الوليِّ
بمولانا الحسين ومن قد أضحى
شهيدا من يد الشمر الشقيِّ
بزين العابدين ومن تسمّى
عليّا وهو ذو القدر العليِّ
بمن بقر العلوم وكان فردا
محمد الذكيّ ابن الذكيّ
بصادقنا المسمّى في البرايا
بجعفرنا أخ السرّ الجليِّ
بموسى الكاظم الشهم الذي قد
سمى في الخلق بالخُلُق السنيِّ
بمن في طوس قد أضحى دفينا
أبي الحسن الملقّب بالرضيّ
بمن قد فاق في أدب وعلم
محمّد الملقّب بالتقيّ
بذاك السيد الهادي عليّ
حميد الفعل ذي العرض النقيّ
بمولى الفضل بالحسن المسمّى
بسلطان الكرام العسكريِّ
بخاتم أولياء الله جمعا
بمهدي الزمان الهاشميِّ
أدم لي حب أهل البيت حتى
أموت عليه بالعهد الوفيِّ
قالها سنة 1233 ه/1817 م من كتاب سيدي ابراهيم الرياحي للكاتب أحمد الشريف، صفحة 227، وكتاب تعطير النواحي بمناقب سيدي إبراهيم الرياحي ص 72.
فأنت ترى معي هذا الحب وهذا الولاء العظيم لآل البيت عليهم السلام، وقد ورثناه كابرا عن كابر، كيف لا ونحن منهم نسبا ولهم ولاء، استجابة لأمر الله وأمر رسوله، والأحاديث في الباب كثيرة، ونحن نقتدي بأعلامنا وسادتنا من رجال الزيتونة ورجال التصوف الحق الذين شهد لهم القاصي والداني وبلغت شهرتهم الآفاق، ونتبع ما كان عليه عموم أهل بلادنا وأهل المغرب العربي.
فتلكما شهادتان لا قِبَل لأحد بنقضهما، وميثاقان على من أراد حقيقة الانتساب للمدرسة السُّنّية الزيتونية المالكية الأشعرية الجنيدية، أو لمنهج أهل إفريقية عموما أن يلتزم بهما. والحقيقة أن هذا المنهج من المحبة والتقدير والتبجيل لعترة الحبيب وآله منهج كل سنّي حقيقي، وكل صوفي ربّاني، وليس الأمر كما يوهم الوهابية التيميون النواصب المبغضون لآل البيت ولو ادعوا حبّهم زورا وبهتانا، أسوة بشيخهم ابن تيمية الذي بلغت به الوقاحة اتهام السيدة الزهراء بالنفاق وتشبيه الإمام علي بفرعون، ومناصرة يزيد اللعين وتبرير قتل الإمام الحسين وتخطئته كما خطّأ جدّه المصطفى في أكثر من موضع وكما تشهد كتبه.
رزقنا الله البصيرة وأعاننا على إكمال المسيرة.