7 دقائق للقراءة
بعد فيض التعليقات البذيئة والرديئة الشبيهة بانفجار للمجاري من متطفلين جسدوا مزيجا من الجهل وقلة الأدب بشكل يثير القرف، إثر نشر فيديو ذكرت فيه مسائل عن فنون الدفاع. مثل أسلوب اللقلق في فنون شاولين الجنوبي. وكذلك النمط الحركي الذي قدمت جزءا منه، فإني أشكر بداية مؤسس الفيس بوك على خاصية “الحظر” التي تعني في قمة أدبها “أنت غير مرحب بك في عالمي”. ودون الوقوع في ردات الفعل المتشنجة على من لا يتحقون حبر الكتابة، نمضي إلى رد فعليّ (مصطلح أسسته ضمن علم التنمية البشرية) ليكون مجالا لدرس مختزل حول فنون الدفاع وتاريخها وأساليبها، لعل في ذلك بيّنة كافية وحجة ضافية وبرهنة وافية لمن رام الفهم وطلب العلم. وخاصة المختصون في فنون الدفاع فليس من المعقول أن لا يكون لديه خلفية عن تاريخ الفن الذي يمارسه وأسسه والأساليب التي انحدر منها.
قصة فنون الدفاع تبدأ مع بداية الحياة ووضع برمجية ربانية في الكائنات تمكنها من الدفاع عن نفسها. وهذا باب لتأمل وبحث عميقين.
وقصتها البشرية تتصل فيما دونته الكتابة بتاريخ بابلي فرعوني قديم، ثم بطريق الحرير والتوابل وانتقال تلك الفنون وتشعبها.
وفي الهند يظهر فن الكالاريبايات. وهو فن قديم جدا وله خصوصيات فريدة. وفي القرن الخامس الميلادي يظهر معلم كبير اسمه بودي دارما الذي كان أميرا من سلالة بلاّفا Pallava Dynasty الحاكمة في جنوب الهند من عام 275 إلى 897 ميلادي. ويترك الأمير إمارته بعد أن بلغ مستويات عالية من التنور الروحي في البوذية (على نقائها الأول السماوي المصدر) ويعبر نهر الغانغا وجبال الهيمالايا (وقد زرت تلك المنطقة) ويمضي إلى الصين حيث يعلم فنون الطب النباتي والطاقي وفنون التحكم المغناطيسي، وتشير بعض الكتابات الصينية والهندية القديمة أنه كان يعرف استخدام كل ورقة شجرة وفيما تنفع، وأنه عالج الطاعون وتلقى عدد كبير من الأطباء التعليم على يديه. وأنه تأمل تسعة أعوام في مغارة. ثم مضى إلى معبد شاولين Shaolin Monastery ويسمى أيضا Nan-Shaolin (南少林) في في حدود سنة 495 م حيث يلتقي النساك ويجد لديهم صعوبة في التعلم وضعفا بدنيا فيعلمهم أسلوبا فريدا في فنون الدفاع الخارجية وهو أسلوب الأيدي الثمانية عشر لأرهات Eighteen Arhat Hands ويسمى Luohan quan باللغة الصينية. وهو أقدم أسلوب في معبد شاولين ويمارسونه إلى اليوم. ويعتبر جذر فنون شاولين وفنون دفاعية أخرى كثبرة.
وأرهات معناها الذي بلغ قمة تنوره الديني والروحي، وهي ذاتها النرفانا الهندية، وكذلك الساتوري لدى الساموراي الياباني، شبيهة بالإشراق لدى الصوفية. وقد بلغ ثمانية عشر ناسكا من تلاميذ بوذا هذا المستوى العالي.
تعني كلمة شاولين الغابة الشابة، وهو معبد تخصص في البداية في تعليم البوذية تشان أو زان zen التي تعني التناغم. وكان المعلم الكبير والشهير بودي دارما أول من فتح باب تعليم ذلك المستوى من التنور الروحي مع تعليم فنون الدفاع الخارجية والداخلية (التي تقوم على التأمل والتنفس العميقة مثل فن التايتشي الذي سيظهر لاحقا).
من هذه اللحظة تنطلق ملحمة فنون الدفاع في مستواها الجديد، فاليقيني أنها قديمة وأنها من معارف بعض الأنبياء مثل بوذا في تنقنينها الحركي أخذا عن مصادر روحانية وعلوية، وهي متصلة ببرمجية لدى آدم الأول تماما كما هي لدى بقية الكائنات.
ضمن هذا المستوى، يظهر معلمون كبار في معبد شاولين وفنونهم تمتاز بالتركيز على استخدام اليد، يحكم أنهم مزارعو أرز فتكون الأرجل قصيرة والأيدي طويلة. وهؤلاء المعلمون سيتأملون عالم الحيوان تحديدا لتأسيس أساليب جديدة. وينضم إليهم معبد شاولين الشمالي في هونان. والذي يمتاز أهل منطقته بطول الساقين نظرا لأنهم فرسان وبحارة، وستغلب على فنون هذا المعبد استخدامات الساق.
فنون شاولين الجنوبي في فوكيون أو فوجيان ستمضي إلى أوكيناوا ومنها إلى اليابان مع تعديلات كثيرة ولكن ترتكز أساسا على اليد، مثل مدرسة ناهاتي الأولي أو يد ناها. والتي حولها المعلم فوناكوشي إلى كاراتي أو اليد الفارغة حين ترجم فن أوكياناوا الخطير والقاتل إلى اليابانية سنة 1925. وتركز كلها على ضربة الوعل والتي تمثل أساسا قبضة الكاراتي Tsuki. أي أنها تقليد لحركات الوعل بعد أن تأمل أحد كبار المعلمين في شاولين ذلك وأسس فن الهونغار الذي انتقل إلى أوكيناوا عبر معلم تعلم في شاولين لميثل أساس الشنتو ريو وغيره من المدارس. ولن أطيل في التفاصيل وذكر أسماء المعلمين والتواريخ.
فنون شاولين الشمالي ستمثل أساس الفنون الكورية والفيتنامية أي التايكواندو الفيتفوداو. وتمتاز بسرعة حركات القدم وانسيابيتها.
يقوم فن شاولين الجنوبي على أنماط حيوانية أي تحاكي حركات حيوانات وهي: النمر، النسر، اللقلق أو الكركي. الأفعى. والسرعوفة. ويوجد لدى فنون شاولين الشمالي أساليب منها النمر والنسر ولكن بتعديلات جذرية تحول التركيز من اليد إلى الساق. مع الإشارة إلى وجود عناصر مؤسسة لكل الأساليب وهي النار (النمر) الماء (الأفعى) الهواء (النسر والكركي) والتراب (الوعل) وكذلك أمزجة فالسرعوفة نارية هوائية. وكل هذا يؤثر على طبيعة الأسلوب وحركاته ووضعياته الدفاعية والهجومية وغيرها من التفاصيل التقنية. وسيكون له أثر على الفنون المنحدرة مثل الكاراتي والتاكواندو والجوجتسو والايكيدو والمواي تاي فلكل فن منها أصل من الأساليب الأولى وعنصر أو عناصر غالبة.
كما ان المزج بين تلك الأساليب الحيوانية أدى إلى نشوء فنون جديدة مثل الونغ شان وهو مزيج بين اللقلق والأفعى والنمر. وبرز عبر المعلم يب مان وهو معلم بروس لي.
وإليكم مختصرا عن هذه الفنون بأسمائها الصينية ويمكن الرجوع إلى ويكيبديا وغيرها للتأكد، وسأضع روابط ذلك.
*النمر ويسمى بالصينية Fu Jow Pai أو Hark Fu Moon ومن مدارسه فن النمر الأسود Heihuquan الذي انتشر وتجدد من خلال المعلم الكبير Wang Zhenyuan أواخر القرن التاسع عشر. وهو أسلوب يقوم على القوة والشراسة والطبع الناري. بتقليد دقيق لحركات النمر. مع وجود فنون فرعية فيه (حسب اختلاف النمور وفق أنواعها) قمت بتطوير بعضها وهو سياق يطول.
*النسر أو مخلب النسر yīng zhǎo pài وهو فن هوائي له طبع ترابي ينسخته الجنوبية في شاولين. فن عنيف ومدمر. أما نسخته الشمالية فهو لين سريع كالعاصفة. وفن النسر هو أساس المصارعة الصينية التي تسمى Chin Na. وفي أقفال وعقلات وطرق إطاحة وضربات كاسحة. تأسس هذا الأسلوب على يد الجنرال الشهير والمعلم الكبير يوي فاي Yue Fei في سلالة سونغ الحاكمة Song Dynasty. وقد تعلم الكونغ فو في معبد شاولين على يد معلمه Zhou Tong ثم ابتكر مخلب النسر لمساعدة محاربيه في حروبه ضد قوى سلالة جين الغازية Jin dynasty.
في عهد أسرة مينغ Ming Dynasty حيث قام الراهب لاي تشين Lai Chin بمزج أسلوب النسر بأسلوب قتالي آخريسمى فانزي Fanzi لتضاف الضربات البعيدة وضربات القفز العالي إلى أسلوب مخلب النسر. وخلال عهد أسرة تشينغ Qing Dynasty اشتهر هذا الفن عبر المعلم العسكري ليو شي جون Liu Shi Jun الذي درسه لعدد من تلاميذه، وقد قام تلميذه المعلم ليو تشنغ يو Liu Cheng You في وقت لاحق بتعليم المعلم تشن زيزينج Chen Zizheng الذي تمت دعوته لتدريس الأسلوب في جمعية تشين وو الرياضية الشهيرة Chin Woo Athletic Association التي تأسست في شنغاي يوم 7 جويلية 1910. لينتشر بعد ذلك في كامل الصين ثم في أرجاء العالم.
*الأفعى ويسمى بالصينية shéquán ويعتمد على الليونة الشديدة ومرونة الجسد ودقة وانسيابية الحركات فهو ينساب كالأفعى وأساسه عنصر الماء. وهو المؤسس للكونغ فو اللين وما انحدر منه من فنون.
وتتم ممارسته أيضا بالسيف الصيني المستقيم المسمى Jian. ويعتمد عليه في مدارس تايجي كوان أو تايتشي شوان لأسرة يانغ، وكذلك في فنون الباغوا القوية Yang family Taijiquan (T’ai chi ch’uan), Baguazhang and Xingyiquan.
وهنالك أنماط داخلية كثيرة باختلاف نوعيات الأفاعي التي تمت محاكاتها.
*اللقلق أو طائر الكركي الأبيض Fujian White Crane ويسمى بالصينية Báihè quán وقد تأسس في شاولين الجنوبي بمقاطعة فوجيان أو فوكيون جنوب الصين على يد معلمة الشاولين Fang Qīniáng. يمتاز بدقة وسرعة حركاته. مائي وهوائي انسيابي سريع وهو أساس فن الجوجتسو والأيكيدو. ويعتمد أساسا على مراقبة حركات الطائر وتقليدها. وهو نوع من القتال القريب أو قتال اليد في اليد. وأساس لفن الونغ تشان الذي ستأسسه معلمة أخرى من شاولين اسمها Ng Mui وتعلمه للشابة ونغ تشون ثم يحمل الفن اسم تلك التلميذة ليشتهر بعد قرون على يد يب مان ثم بروس لي.
*السرعوفة أو قبضة السرعوفة الشمالية Northern Praying Mantis وتسمى بالصينية tángláng quán ويسمى كذلك سرعوفة شاندونغ Shandong Praying Mantis لأنه تم ابتكاره في مقاطعة شاندونغ. وقد أسسه المعلم الكبير Wang Lang في عهد سلالة سونغ الذي تأمل مرة قتال سرعوفة وأبهره الأداء الحركي وبقي فترة يتأمل حركاتها ويقلدها. وهو فن مهم يعتمد الدقة المتناهية والتركيز الشديد مع عنصري الماء والهواء وثبات عنصر التراب. وهو على ذلك شبيه بالقتال بالابر وفيه طاقات عالية لمن يتقنه.
وكل هذه الأنماط والأساليب شهيرة وهنالك أفلام كثيرة تتناولها بالشرح والتحليل وكتب ومقالات عديدة. ويمكن مشاهدة سلسلة أفلام الأخوة شاو في أواخر السبعينات ثم الثمانينات وفيها أفلام مذهلة عن هذه الفنون والأساليب وطرقها وتقنياتها.
وتمت إضافة أنماط وأساليب أخرى كالقرد وفيها حركات بهلوانية وحركات بالعصا. وكذلك الفهد وهو على غاية السرعة. وتطورت فنون من التأمل في حيوانات أخرى، فالموي بوران أو المواي تاي تأسس على تقليد حركات الفيل الساحقة، وكذلك حركات الأسد المدمرة. ويمكن مشاهدة أفلام توني جا وحضور الفيل فيها وتقليده لحركاته. وقد تأسس في مدينة سيوا وله علاقة بحراس الامبراطور في بابل وقصة طويلة.
ولا ننسى معبد وودنع ودوره المهم. والفنون الداخلية وقيمتها. وهي فنون للتنفس العميق والحركة الهادئة ولكنها تنبني على الأساليب الأساسية وخاصة اللقلق مع عنصر الهواء البطيء حينا والسريع حينا وفق الحاجة والغاية. ولها فوائد صحية وطاقية عجيبة.
وطبيعي تم تطوير أساليب أخرى بالأسلحة البيضاء والعصي وانتقلت بدورها إلى دول مجاورة وتمت الإضافة إليها لنجد الساموراي والننجا وطرقهم في السيف وكذلك الننشاكو وفنون الاسكريما والأرنيس في الفلبين…..
أما التنين فيقوم على تصور لقوة التنين وهو أساسي في فنون شاولين. ولكني أعتقد أنه مزج بين تلك الأساليب الحيوانية وما سميته “المقامات الروحانية الحيوانية”. وكل أسلوب هو فن بحد ذاته. وتتشابك تلك الأساليب لتشكل فنونا أخرى وأساليب جديدة.
ضمن هذا المضمار خضت طويلا ممارسة وبحثا. أما التدريبات فبدأت منذ كنت في سن الخامسة وقد كانت الانطلاقة مع فن التايكواندو الذي تعرفت عليه من خلال خالي. ثم كانت مسيرة طويلة وشاقة جدا. وأما البحوث فمضنية طويلة والكتب كثيرة هي لب فن التايبنغ الذي أسسته وسوف أكشف تدريجيا عن تقنياته وأنماطه وأسس وفلسفته.
فهذا مختزل المسألة، فهل يجد المستهزئون الآن سوى حجر في أفواههم وقد ظهرت الحجة على جهلهم وقلة أدبهم وضيق أفقهم وحرج صدورهم وصغر أنفسهم ومرض قلوبهم. فليأتنا أحدهم بشيء من علم يناقض هذا ويبطله.
لو كان لهم من شجاعة أو حكمة لقرأ أحدهم وبحث حتى لا يتخذ ذكري لفن اللقلق مثلا سبيلا للسخرية والبذاءة. أو لتلك الأنماط والأساليب المهمة والتي لا يصح أن يجهلها أي ممارس للفنون الدفاعية لأنها الجذور الاولى وسر السر.
تعسا لمن لا يملك غير البذاءة والسخرية. وللأسف هم جميعا من أبناء وبنات وطني الذي خدمته ورفعت رايته عبر العالم بالعلم والإعلام والقصيدة والأغنية الهادفة. وفي حين يستقبلني رؤساء وقادة وعلماء العالم، يبقى أولئك التعساء في ركن القردة: ركن التهكم والقفز من غصن تفاهة إلى غصن سفاهة. فتعسا لها من متاهة.
تحية من القلب لكل من يحترم ويفرض الاحترام. لكل أهل الأدب والذوق والفهم. لكل من يسأل بجدية ويناقش بأدب.
وشكرا لكل الذين منحوني الثقة والمحبة.
وشكرا أيضا لضباع الحقد والحسد ولثعالب الجبن والبذاءة ولكل من منحوني ويمنحوني طاقة أكبر عبر كل هجوم وافتراء وسخرية لأستمر في صعود جبل آخر، وارتقاء قمة جديدة. وبيننا الأيام يا لئام. وسيضحك كثيرا من سيضحك أخيرا، ككل مرة.
سوسة 07/12/2019 17:03
# أسلوب الأفعى، أسلوب التنين، أسلوب السرعوفة، أسلوب اللقلق، أسلوب النمر، المعلم مازن الشريف، تايبنغ شو، شاولين، فنون الدفاع، كونغ فو