2 دقائق للقراءة
مولاي، شغلني أمرك وشغفني حبك.
ولم تركَ عيني، لكن عين روحي رأتك، وصحبتك طويلا.
ولم ألتقيك في الدنيا ولا عرفتك فيها.
ولو كان مولدي في زمنك هل كنت إلا دمك، وهل كان موضعي إلا بجوارك ومقامي إلا معك.
لكن باعدت الأيام وتطاولت الأعوام. وتلاحقت الفتن تتلاطم تلاطم الأمواج، حتى آن موعدي وحان مولدي.
فتهت في الفانية عنك، وكنت من قبل صدرت منك.
وعافستني بسنابكها المحن، وناشبتني بقوارعها الفتن.
وأزّت الشياطين نفسي ترمي بها في مهاوي الهلاك، حتى لطخت ثوبي، ولكنها لم تبلغ قلبي.
ثم هزت بجذع نخلة بلواي لطائف المن.
وشملتني نظرة أحمدية قالت بأمرنا كن.
واستوت على جوديّ العفو سفينة صبري.
وانتشلتني يد فاطمية من جدثة قبري.
وركضتُ برجل العافية في مغتسل بارد وشراب.
وصرت حياتا بعد موات، وعَمارا بعد خراب.
ثم جذبتني الروح إليك، ودلني الله عليك.
فعرفت من فورة دمي حقيقة دمك، ومن سَورة غضبي غصص ألمك.
فيا لطول صبرك، وعظيم إيمانك ويقينك وحبك.
ويا لعظمة سرك ورفعة قدرك عند ربك.
مذ عرفتك عرفت أني وامق، ومستهام عاشق.
لم يذر الشغف لظمأتي بِلَّة، ولا ترك الوجد لهاجرتي ظِلّة.
وها أنا وقد وعيت أمري، وتبينت حقيقة سري، أعرفك في نبضي، وأجدك في وجدي، وأشتاقك في نفسي، وأسمعك في ذات رأسي.
وأعلم أمديّ الصحبة في الفترة، حين “ألست بربكم”(١).
وأبدِيّ الصحبة في الغرفة(٢)، فالمرء مع من أحب(٣).
وأعرف أني أعرفك وأنك تعرفني.
فلقد كنتُ روحا ترقب ذاتك، وترافق حياتك.
وها أنت روح ترقب ذاتي، وترافق حياتي.
فيا من لا يفصح بياني، ولا ينطق لساني، عن مكنون صدري، لكنه يدري.
ويا من بربه عارف، وأنا منه غارف.
ويا من هو آنس بالموت من الطفل بثدي أمه.
ويا من افتدى بروحه أخاه وابن عمّه.
قد آن للثمرة أن تجتبى وحان إيناعها، بعد اللتيا والتي (٤).
ولتجدن في تراب قدمك ظلك، وفي واهب روحه لك تجدد سرك.
فوالله لأنصرنك نصرا يفرح به من يواليك، ويُبلس له من يعاديك.
ولأنثرن في الٱفاق عطرك، وفي الأكوان ذكرك.
حتى يقوم بالولاء لك عماد أمري.
ويخلص على ذلك بقية عمري.
فإنه لا إيمان لمن لم يحبك، ولا أمان لمن لا يواليك.
ولا ضمان لمن لم يحفظ عهدك، ولم يصن ودّك.
فليبلغك كلامي، وليصلك سلامي.
ولتقرّ عينك يا إمامي.
(١)إشارة لقوله سبحانه: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ﴾ [الأعراف ١٧٢] وهي الحياة الأولى للأرواح.
(٢) إشارة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیُلَقَّوۡنَ فِیهَا تَحِیَّةࣰ وَسَلَـٰمًا﴾ [الفرقان ٧٥]
(٣) الحديث النبوي الشريف المعروف.
(٤) إشارة إلى خطبته حين أراد العباس أن يبايعه بالخلافة بعد وفاة النبي: “أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة. وعرجوا عن طريق المنافرة وضعوا عن تيجان المفاخرة.
أفلح من نهض بجناح. أو استسلم فأراح.
هذا ماء آجن. ولقمة يغص بها آكلها. ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه.
فإن أقل يقولوا حرص على الملك. وإن أسكت يقولوا جزع من الموت.
هيهات بعد اللتيا والتي.
والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه.
بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة.”