< 1 دقيقة للقراءة
اجلس تحت شجرة زيتون اتنسم نسائمها البارده واتنعم بظلها الوارف واستمع لحفيف الريح على اغصانها يعلو كانه العاصفه ثم يخفت حتى لا يكاد يسمع له هسيس.
ما بيني وبين الزيتون قصه عمر، ورحلة حياة.
إذ أني ولدت في أرض تنتشر فيها الشجرة المباركة، وتصطف كالجند في الجيش العرمرم العظيم.
كما أن جدي رحمه الله قد زرع زيتونة يوم ولادتي فرحا بمولد حفيده الأول.
وجلوسي في ظلها عادة صحبتني منذ الطفولة البكر، والصبا الغض، ورافقتني في ريعان الشباب، وها هي تؤنسني، وسفينتي تمخر عباب بحر الكهولة.
ولكل مرحلة رونقها، وألقها، وما يخالطها من مشاعر، ويفيض فيها من أحاسيس..
لقد تغيرت أفكاري، وتبدلت مشاعري، إلا أن الزيتونة بقيت كما هي، رغم مزاحمة شجر بلادي الأصلي، بآخر مهجن، قصير القامة، هزيل الظل، غريب اللكنة، سريع النتج والزوال، وتلك لعمري جريمة في حق زيتونتنا التي تعمر آلاف السنين، ولا تبخل بظل وفيء وزيت يكاد يضيء ولو لم تممسه نار.
لكني رغم طول صحبتي بالزيتونة ما زلت أجهل سرها، ولا أعلم خفية أمرها.
فهي تلك الصامتة المتكلمة، الراسخة المتمكنة، اليانعة المتبسّمة، التي شاهدت ظهور أمم، وزوال أمم، ورأت كثيرين غيري يتفيؤون ظلها، وينامون تحتها، أو يأكلون ويمزحون عند جني ثمرها، أو يبكون لفراق إلف وعسف دهر وفاقة يد.
وهي صامتة لا تعيرهم اهتماما، أو تتظاهر بذلك.
ولكنها حي تتكلم مع الرياح والنسائم، تبوح أوراقها بما كتم جذعها، وتحكي أغصانها عما تكابد جذورها وهي تستجلب الماء من الجوف، لتتنعم الأغصان وترقص، وهي تنظر إلى الغيم والشمس، والأفق الجميل.
وكذلك جذور روحي، في تربة الوجع المظلم.
ويعجبون من رقص أغصان روحي، وينع ثمر إبداعي.
وهم لا يعلمون.
*الصورة من حيث أجلس الآن