3 دقائق للقراءة
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.
حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى من فرعون، أو بنجاة يونس من بطن الحوت، والخليل من النار، وغير ذلك مما تجد وتحسبه حقا، لأن شيئا من ذلك لم يكن.
ولكن صمه احتسابا، لتشعر بظمأ من حاصروهم في قيظ الصحراء، وهم يرمونهم بالسهام والحجارة، ويطعنونهم بالرماح والسيوف.
صم عاشوراء وأنت تنظر إلى علي الأكبر يكابد الوجع وينادي: يا أبي الظمأ….
صم عاشوراء وأنت تشعر بعطش وجوع صبية من نسل النبي، أولاده وبناته، وتنظر لأبي الفضل العباس يسعى لجلب الماء فيقطع كفاه، ويأبى أن يشرب وأهل الخيم ظمأى.
صم عاشوراء أسفا لا فرحا، فكيف تفرح والعقيلة زينب ترى أخاها ينحر، وأشقاءها وأبناءهم وأبناءها يذبحون واحدا بعد الآخر.
صم عاشوراء ليس لأن النبي بزعمهم صامه، اقتداء بقوم هو أعلم منهم، بل لأن نبيك وسيدك بكى بحرقة حين أطلعه الله على مقتل ولده.
ولأن مولاك علي بكى ووضع خده على التراب حين مر بالطف وهو يقول: الله الله لمصارع القوم.
ولأن سيدتك الزهراء قرة عين نبيك التي يرضى لرضاها ربك ويغضب لغضبها بكت جسدا ثم روحا على فلذة كبدها.
صم عاشوراء وأنت تنظر للسبط الحسن محبوب رسولك وولده وهو يحتضر مسموما ويقول لشقيقه: ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.
ليس في يوم عاشوراء ما يفرح قلب المؤمن، لكن فيه ما يبهج قلوب المنافقين والنواصب.
كيف نفرح لنجاة موسى ولا نحزن لمقتل سبط النبي، رغم أن نجاته كانت في يوم غير عاشوراء، وبنو إسرائيل بيننا وكتبهم أمامنا ولا يعرفون اليوم لأنه ليس في تقويمهم.
إن النظر إلى الرضيع يرمى بسهم في حنجرته لأن والده نادى هذا رضيع لا ذنب له فاسقوه، فسقوه من دمه..
إن النظر إلى زين العابدين يجر السيف محموما ووالده يهتف بعمته زينب رديه أولا يبقى من ذرية رسول الله أحد…
إن النظر إلى مقطوع الكفين، إلى أبناء الحسن، وأبناء الحسين، وأولاد علي، وذرية النبي، يمزقون بالحراب ويذبحون ذبحا، وهم قلة محاصرون في ظمأ وحر وجوع وبلاء.
إن النظر إلى عيني الحسين يكابد ما يكابده، ويرى ما يراه، حتى يقتل كل من يحبهم، ويترك ولدا عليلا، وشقيقة وبنات يعلم أنهن سيسبين وهو عليه من القتل أمر.
إنه حين يرى حرق الخيام، ويسمع صرخة العباس، ونداء ولده علي الأكبر، ومقتل أصحابه، وأهله، وهو آخر بنت نبي خلقه الله، وأشرف من على الأرض.
إنه حين يواجه وحيدا، حتى تثخنه الجراح، ويقع على ركبتيه، فيجره قاتله من لحيته، ويشتمه شامتا، ويصعد على صدره فيطعنه اثنتى عشر طعنة، ثم يحز رأسه، ويحمله هاتفا: قتلت خير الناس أما وأبا.
إنه حين يبقى مقطع الأطراف، ويقطع من رام نهب خاتمه إصبعه، ويجعلون حوافر خيلهم فوق جسده الطاهر حتى يصير مزقا..
إنه حين يحملون رأسه على الرماح إلى مأبون فاسد النسب يضرب ثناياه بالقضيب، ويتشفى كأبيه حين نبش قبر جدته آمنة وعمه حمزة، وكأم أبيه حين لاكت كبد أسد الله، وكوالد أبيه رأس الكفر حين غرز رمحه في شدق عم النبي وناصره.
إنه حين يلفظ آخر أنفاسه مجهدا ظميّا مثخنا الجراح نازفا، مسلّما لله أمره، باعثا الروح في الدين، موصلا طاقة الإباء لكل حر.
إنه يكلمك حينها فاسمع ما يقول لك.
ثم صم بعد ذلك إن استطعت عاشوراء فرحا لنجاة نبي بني إسرائيل، وأوسع من دارك، ووزع الحلوى على أولادك، وافرح..
ثم انظر في عيني رسول الله يوم القيامة، وقل له إنك أحب إلي من نفسي، وإن أهلك أحب إلي من أهلي..
فيا ليت قومي يعلمون.