2 دقائق للقراءة
“العدل أساس العمران”
هكذا قال ابن خلدون.
والعدل ميزان دقيق، وتوازن رشيق، حيث لا ظلم لأن الظلم يذهب بالمجتمعات ذهاب الريح بالرماد.
فإن انتشر الظلم واستشرى البغي بدا لعين كل حكيم ذي بصيرة بحدثان الأيام خراب ذلك المجتمع واقتراب تفككه وزواله.
إذ يسلب القوي قوت الضعيف، ويفتك الغني ما عند الفقير، ويطغى كل على كل.
وإذا نخرت عظام مجتمع بالظلم وذهب العدل فإن عدالة السماء ستكون فيصلا في ضرب ذلك المجتمع ومعاقبته.
وإن علم اجتماع لا يضع ضمن حساباته تدخل السماء المستمر في تاريخ المجتمعات البشرية هو علم مختل عليل، سجين مادية عمياء تدعي الموضوعية كذبا وزورا.
لقد كان مجتمع مدين نموذجا للمجتمع الذي عشش فيه الظلم وطغى فيه الطغيان، فكان وصف نبي الله شعيب لهم فيه تبيان لحقيقتهم من عين مصلح اجتماعي يدعو للعدل قبل فوات الأوان وتحقق عدالة السماء القاهرة.
فنصحهم ونصح لهم، لأنهم ظلموا الناس، واعتدوا، وأفسدوا، في كل مجال وفي كل حال.
﴿وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَٱلۡمِیزَانَ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [الأعراف ٨٥]
ولكن قوى الظلام شديدة حين تعصف بمجتمع ما، والظلم ظلمات، ووهم الغلبة والبطش وهم قوي لا يغادره البشر إلا بضربة سماوية ماحقة ساحقة تأخذ العدل غصبا وتنتقم بميزان القسط الذي لا ظلم فيه.
﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُوا۟ فِی دَارِهِمۡ جَـٰثِمِینَ﴾ [الأعراف ٩١]
وفي المشهد القرآني بيان لحال المصلح الذي يرى دمار قومه وخراب مجتمعه بعد أن تمكنت قوى الظلم والظلام وذهب العدل بين الأنام.
﴿فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ یَـٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَنَصَحۡتُ لَكُمۡۖ فَكَیۡفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ﴾ [الأعراف ٩٣]