2 دقائق للقراءة
من لم يحب العصا وهي عصا، لن يحبها وهي أفعى وثعبان مبين.
إن العصا هي صاحبة الملحمة، فهي التي صحبت نبيا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى.
وصبرت وانتظرت، وفي طي سرّها ما أخفى ربّها وستر، ولعله أبدى لها وأظهر.
فإذا حل الموعد كان على ربها يسيرا: فألقاها فإذا هي حية تسعى، وألقاها فإذا هي ثعبان مبين.
ولكنها مع كل إلقاءة كانت هي، ذات العصا التي قُطعت من شجرتها وألقيت في الأرض، وانتظرت زمنا وصبرت وهي تجر على التراب وتُسحب في مقام الذل، حتى آن للعز بالله أوان.
لقد كان قلب العصا يهتز، ثم كان موعد طوى فاهتزت كأنها جان، ونفخ فيها ربها ما شاء وشيّأها على ما شاء.
ولكن الأفعى أخافت موسى ولم تؤنس وحشته وتعضده في غربته كما فعلت العصا.
والثعبان أخاف فرعون ولم يكن له إذن بافتراسه، ولو شاء الله لافترس فرعون وآل فرعون وهامان وجنودهما أجمعين، ولو أراد لجعل مع العصا ألف عصا ثم جعل كل عصا ثعبانا أعظم أو تنينا ينفث اللهب وكل ذلك عليه هيّن.
ولكن العصا هي التي شقت البحر وأغرقت فرعون وأنقذت موساها بأمر ربها.
وهي التي شقت الصخر ينابيع وفجّرت الماء عيونا.
وهي التي رافقت موسى في رحلته مع الخضر الذي طالما كان رفيقها قبل أن يولد موسى، وكان من أخذها من شجرة من شجر الجنة العليا وأعطاها لآدم يتوكأ عليها ثم مرّة من يد نبي إلى يد نبي حتى بلغت شعيبا فأعطاها لموسى كما أوصاه خضر الأسرار الذي رعى مع موسى الغنم دون أن يدري موسى إلا لما رآه يجلس على الماء في مجمع البحرين.
أفيجعل العصا الجامدة حيّة، وحولها إلى أفعى وحيّة، ثم يعجزه أن يجعل حيّا بمقام العصا حيّا بمقام أفعى طوى.
بل بين الأول قبل الكمال والثاني بعد الاكتمال فاء المعجزة وكافها ونونها: فألقها فإذا هي. وسيلقيه فإذا هو.
ولكن كما أن العصا التي صبرت هي سر السر، فإن البشري الذي صبر هو عين السر، فيه انطوى من سر طوى الأولى وحياة الروح القديمة سر عظيم، وفيه انطوى من سر ما سيأتي وحياة الذات القادمة سر عظيم.
فليصبر من أراد أن يهش على غنم الوقت في غربة مدين يرعى الأمانة وله مع الله مآرب أخرى.
ولينظر للعصا بعين ما أطاع وما عصا.
فسوف يرى الأفعى قبل الاكتمال، وما عليه سوى الصبر والاحتمال.
وليعلم أن وعد الله حق، وأن أمر الله ناجز.
وما قيوم السماوات والأرض بمُخلفٍ ولا ناسٍ ولا عاجز.
﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعۡجِزَهُۥ مِن شَیۡءࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِیمࣰا قَدِیرࣰا﴾ .
ويوم يظهر الكامل الداعي، من سر البشري الراعي الذي كان به ربه بصيرا، ولطيفا خبيرا.
ستكون ذات العصا في يده، لتضرب فرعون الزمن الأخير، فيكون وجنوده أتعس من الأول مصيرا.
*الصورة مجرد تقريب ذهني، والأمر الحقيقي أعظم، وإن كان ثمة خيط شبه.