2 دقائق للقراءة
الخائن كائن ذكي وحساس جدا..يحس بكل محاولة لاكتشافه…وهو متفرد متعدد..جسده في الجامع..عينه على المحراب..وقلبه معلق بالملاهي…وهو على ذلك فصيح صريح..وجميل مليح…إذ أن كل قناع يلبسه يصبح وجهه..حتى لم يعد يعرف وجهه…والحقيقة أن له أوجها كثيرة..فيمكنك أن تجده في قصص الحب مثلا…يحتضن بيد ويذبح بأخرى…أو في قصة وطن…وهو – الوطن لا الخائن- يعرف كل من يخونه..لكن الخائن لا يهتم، لأنه كائن دقيق جدا..ولا تهمه الجزئيات الصغيرة مثل حب أو ذكريات أو أرض…
الخائن باختصار متفنن في مجاله…لكنه يعاني من قلة فهم العقليات الرجعية له…فالخيانة ضرب من الحرية…وهي نوع من الضرب المبرح…كما أن بعض المتزمتين يطاردونه بني جنسه “من الخونة”…بل ويضطهدونهم!!! وهو لأجل ذلك يتمسكن حتى يتمكن..حرصا على سلامة غايته ورفعة رايته…وله راية مميزة..جورب مثقوب فيه صورة كلب…وذات مرة…أذكرها كأنها الآن…رأى كلب تلك الصورة…ويا للكارثة..ثار ونبح… ومضى لا يلتفت ثم رجع مع كل كلاب المجرة – التي تمشي على أربع لا التي تمشي على اثنين – تلك الكلاب نبحت وكشرت عن أنياب الغضب، وانضمت إليها الذئاب تعوي بشراسة-فهي من العائلة، وحين تقدم أحد المستهترين وسأل ذلك الكلب قال -والكلام للكلب-: كل مرة حين يأتي خائن تقولون له يا كلب، والزنيم عندكم كلب، والفاجر والطاغية…هل خنّاكم يوما منذ أن ائتمنتمونا على مزارعكم وضياعكم وأغنامكم وبيوتكم.. .فلماذا تشبهون الخائن بنا وكل حثالات العالم؟؟؟
ضحك الخائن كثيرا وهو يشاهد عبر نافذته السرية التي لا يعرفها إلا قليل…أنهى مكالمة سريعة…نظر مجددا..كان جيش من الكلاب التي تمشي على اثنين يستعمر البر والبحر والفضاء…لبس معطفه الصيفي ووضع نظرة ثاقبة على عينه اليسرى وتأبط شرّه..ظهر من خلف أقنعته وجه جميل البشاعة شديد النصاعة..نظر إلى ذلك الوجه..قرنان على جبينه وفم تمساح وملامح خنزير.. ابتسم..أخيرا رأى وجهه الحقيقي…رفع رايته وفتح الباب..رأى طابورا من بني جنسه يسعى في مرح..أوصد الباب خلفه وفرك أصابعه..مضى قليلا..أناخت دبابة أمامه..امتطى صهوتها ورفع الراية ليدخل الأرض فاتحا…وفي ركن مجاور..سمع بعض الفارين من القصف أنين رجل وفيٍّ جدا..اسمه الوطن…
أرض الله
25/05/2009 10:47 ص