3 دقائق للقراءة
أيها السائل عن الطريق إليهم، وعن حقيقة طريقتهم الدالة عليهم:
كل طريق للحق طريقهم، وكل طريقة للجلال والجمال طريقتهم، سبل خير لا يحصيها إلا الله.
ولكن الأمر في سيرك لا في السبيل، فالسبيل جلي والصراط مستقيم، ولكن لن تنفعك استقامة الصراط إن كان سيرك معوجّا، ولن يجديك جلاء السبيل إن كانت خطوتك عمياء.
وهل تظن أن سبلهم حرير، وأنك إن سرت إليهم أو سرت معهم فعلى البُسُط تسير؟
بل سبلهم شوك وطرقهم جمر والسير معهم سير على القتاد ومشي على الحسك.
فهل تظن أن شوكهم شوك حقا، وأن السائرين على الحرير أنعم منهم مسيرا وأسلك سبيلا؟
بل إن شوكهم حرير الجنة، وجمرهم بُسط الدمقس، ولكن دون ذلك ما دونه من ذوق وشوق وفهم ومعنى:
ظاهر شوكهم شوك، وباطنه ما لا ينال الملوك في ترفهم.
ظاهر شرابهم العلقم، وباطنه العسل المصفى.
ظاهر حالهم البلاء، وباطنه النعيم الكامل.
ظاهر مقامهم الفقد، وباطنه الوجد الأعظم.
يا سالك السبيل: ألست تراهم وقد شهدوا فوجدوا، ووجدوا فتواجدوا، وتواجدوا فكانوا بين وجد الغنى ووجد العشق.
فيا لجلال من وجدوا الله، ويا لجمال من وجدهم الوجد واجدين لله، ويا لكمال من كان وجدهم وبه أغنى وأعلى من أن يطاله فقد.
يا سالك السبيل:
لن يضر خطوة من مشى إلى الله شوك يلقيه لعين ليمنعه.
ولن يضر قدم من سار إلى ربه شوك يدميها.
إن الأنبياء مشوا على الشوك وأدميت أقدامهم، لكن الملائكة كانت تغبط تلك الأقدام على حرير موهوب من صاحب العزة لمن قبلوا الذلة في سبيلهم فأعزه عزا لا يدانيه عزّ عزيز من ملوك الدنيا.
هل تظن أنك مشيت كثيرا، وأنك حملك ثقيل، ومسيرك طويل، وسبيلك ليس أوجع منه من سبيل، وأن صبرك على ذلك صبر جميل، وأنك قد قنعت بالزاد القليل، وأبكرت بالسير وأتبعت بالضحى فما أطلت المقيل؟
يا ضعيف الصبر: انظر إلى ما حملوا كي ترى كيف تصبح الجبال عهنا منفوشا.
وانظر إلى مسيرهم كي ترى كيف يصبح الشوك بساطا مفروشا.
وانظر إلى طول اصبارهم وكثرة قيامهم وقلة منامهم كي ترى كيف يكون الصبر نقشا منقوشا.
وانظر إلى أعمارهم وكثرة أسفارهم كي تراهم وتقتبس من أنوارهم.
وإلا فعليك أن تلزم غرزك وتقعد مع القاعدين.
يا سالك السبيل: إذا عزمت على السير فاصبر، وإن توكلت على الله فالزم، وإن مشيت خلفهم فاستقم، وإن أقاموك معهم فاصمت، وإن رفعوك بهم فطر، فإن لك في القلب أجنحة لن تخفق حتى تدمى قدمك فلا تكاد تسير، فإن انفتح جناحا قلبك وخفقا، طرت إلى سدرة الحضرة، وصرت في مستوى النّظرة، حيث تعقد مجالس القدس، وحيث تُدار خمور الأنس..
فإن صرت في سدرة الحضرة سكنت أوجاعك وسُقيت بعد ظمأ، وتجدد عزمك وكأن سيرك ما بدأ..
ثم انفتح لك باب، وفي كل باب أبواب..
وانجلى عن بصرك حجاب، وعن بصيرتك ألف حجاب..
فإن انجلت عنك الحجب فتحت روحك عينها وجناحها..
في كل عين ألف عين ترى وتشهد ما لا عين رأت.
وفي كل جناح ألف ألف جناح، يمتد بين المشرق والمغرب..
فإن نظرت إليهم بعين البصيرة رأيتهم بعين البصر، ونظرت بعين الروح إلى القدوس السبوح.
وإن طرت معهم وبهم إليه وَصَلت، وإن وَصَلت وُصِلت، فإن وُصِلت أمنت، وقيل لك “أقبل ولا تخف إنك من الآمنين”، وإن أمِنت آمنتَ حقا وكنت من الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يا سالك السبيل: من كان ذلك مآله، هل يضرّه اليوم حالُه، وهل يثنيه عن المسير ما لا يمكن للجبال احتمالُه.
اسلك إذا…إن كنت من الموقنين.
سوسة 07/01/2018 – 13:56