2 دقائق للقراءة
ليست الكتابة حركة قلم على ورق وانسياب افكار عبر آليات الدوال ضمن تعميق الصلة مع المدلولات من خلال فنيات اللغة وأصول المنطق وبراعة الخيال والتخييل والتصوير والسرد والشرح، ليست ذلك فقط.
الكتابة حكمة روحية بتمظهر عقلي مع دفق من عاطفة ونسيج يتصل بالذاكرة والتجربة ويلتحم مع الثقاقة الذاتية والجماعية في محاولة لخط نهجي فكري وثقافي خاص ومميز.
كثيرا ما تساءل الفلاسفة والنقاد والكتّاب عن حال الكتابة كيف يكون؟
أي مولّد للكتابة؟
كيف يولد كاتب في رحم إنسان؟
ما الذي يجعل شاعرا او روائيا اكثر ابداعا من غيره، والواقع البشري واحد من حوله يجمعه مع الكثير من كتّاب عصره ومصره، واللغة واحدة والمصادر واحدة؟
ما الذي ميّز المتنبي عن شعراء الضاد في وقته بداية ثم من كانوا بعده؟
ما الذي ميّز شكسبير ضمن نفس المعايير، وجعل اللغة الانجليزية التي يكتب بها “لغة اخرى” رغم انها اللغة نفسها التي يعرفها معاصروه والناطقون بلغته. وذات الأمر في عربية المتنبي او اوردو طاغور شاعر الهند الاعظم او امير خسرو مؤسس فن القوالي العظيم، وفارسية مولانا جلال الدين في شعره وفريد الدين العطار في فكره، وكذا المبدعون والادباء بشتى لغات الأرض وثقافاتهم، رقائق الشابي وروعة خيمائي باولو كويلو…والكثير بعد…
وقس على ذلك الفلسفة وحتى العلم الفيزيائي لان كل ذلك اعادة كتابة فلسفية فكرية للعالم.
فقراءة فلسفة انشتاين الكونية تحمل عمقا مختلفا عن غيره من العلماء، كقراءة ابن عربي في فلسفة الاشراق والكون أيضا، وعوالم الروح والتصوف، وكانهما ينبعان من معين واحد رغم اختلاف زاوية النظر.
باختصار: كيف يكون الكاتب كاتبا والمفكر مفكرا.
كان الاصمعي اعلم اهل عصره باللغة العربية، لكن راع من الاعراب يذهله في الفصاحة والشعر سليقة وسجية.
هل هنالك روح خاص يهبه الله للكتاب؟
في تجربتي البسيطة: هنالك طفل من عالم الخلود يملي علي ما اكتب، طفل يتقن فن الحكمة الخالدة، وفلسفة الحكماء الاوائل.
كلما افرغت قلبي من غرور الانا، وعقلي من وهم المعرفة، سمعت صوته اكثر وضوحا، يخترق ترسانة ثقافتي وسنين مطالعاتي الطويلة، ليصنع من كل ذلك بطريقة خارقة شيئا مختلفا يتجلى لغة وفكرا بشكل لم اكون اتوقعه، بل اجلس مذهولا كبدائي رأى سفينة فضاء.
لعل ما اقوله الان لا معنى له.
اجيبوني إذا: ما الذي يجعل الكاتب كاتبا؟؟؟؟