2 دقائق للقراءة
حياتنا قصة مكتوبة في لوح القدر، ونحن نقرؤها بتنفيذ ما فيها، ونتكشف كل يوم ورقة من ورقاتها، فصلا من فصولها، حدثا من احداثها…
ونبقى في حيرة من تقلبات أحوالها، وتنوع ما فيها من حلو ومر، وقبض وبسط، وحزن وسرور.
في هذه الحياة يسلّط علينا الأعداء، لكن الأكثر إيلاما أن يُسلّط علينا الأحبة.
في هذه الحياة دروب كثيرة، وسبل عديدة، وطرق شتى.
فهل نختار طرقنا أم الطرق تختارنا.
وهل نمضي في الدروب، أم الدروب تمضي فينا.
وهل نسلك السبل، أم تسلك بنا السبل في السبل حتى لا يبقى سبيل وإلا وفيه سبيل مخفي مطوي تطأ ترابه الأرواح ولا تدرك وجوده الأشباح.
كثيرا ما لوعتني الحياة، بل ما أكثر ما لوّعتني، وعلمتني أن ثمار الروعة لا يمكن اقتطافها إلا من أشجار اللوعة.
وكثيرا ما نمت وفي صدري خنجر، وأنا أتمنى أن تنتزعه يد الرحمة بعد أن غرزته يد النقمة، وأنام على أمل أن أستيقظ ولا أجد لذلك الخنجر أثرا..
لكن حين أصحو، أجده جاثما بحقده، مستبسلا في إيلامي، مصرا على وجعي، كأفعى تلتف على صدري، وتغرز أنيابها في قلبي ورئتي، حتى لا أكاد أتنفس من سمها.
بعد أعوام، حين يحين للخنجر أن يفارقني، وللأفعى أن تترك أضلعي التي كسّرتها، أجد الدمع في عيني ذلك الخنجر وهو يقول لي: أقسم يا ابن الكرام لم أنغرز في صدر أعز علي منك ومن آبائك، لكن القدير أمرني، لأني معلم الصالحين وممتحن الصابرين، وكنت مكلفا من الحضرة بإيلامك…
لأنكم قوم كالبخور، لا يفوح إلا بالاحتراق.
وتقول الأفعى وهي تهمس بحب: لست شيطانة كما أوهمتك قسوتي، بل أنا كف رحمة، إنما لا بد لك من النار يا حديد السماء، لتصهرك، وتردك إلى أصلك العُلْوي، وسرك العَلَوي.
ففيك قوة وبأس شديد، ومنافع للناس.
لكن اليد التي أنزلتك في تربة الدنيا وتركتك زمنا للصدأ وتغير الشكل والحال، لم تجد غير النار سبيلا، وغير الوجع طريقة.
وها أنت سيف كما ينبغي لك أن تكون، وكما كُتب لك في لوح القدر وكتاب القدرة.
وستشهرك يد العظيم عند المشهد العظيم.
أجل أيها الخنجر…
سأقبل حكمة الخضر المرة في بيانك، وأنت تقطر من دمي.
سأقبل أن يخرق سفينتي لأمر أراده.
وأن يقتل غلام عشقي لأمر أرادوه.
وأن يُقيم جدار صبري الذي أراد أن ينقض كي يرتاح من الرياح والآلام، وثقل الأيام.
أجل، أقبل مؤمنا محتسبا بما لم أطق عليه صبرا، ولم أحط به خُبرا.
لكن، ما أقول لطفل دامع في قلبي، لوجع ساكن في روحي، للوعة ماكثة في نفسي، لألم بدائي لا يفهم الحكمة، ولا يعرف الفلسفة.
أنتم يا معشر السماء لا تعرفون وجع المساكين الذين يخطون كالنمل على وجنة الأرض.
لكني أتوسل إليكم بوسائل الله.
لا تستخدموا في ذبحي خناجر الأحبة.
أما خناجر الأعداء والأيام، فقد صرت بها خبيرا، ولم يعد يؤلمني الألم، وإن آلمني حقا، فأنا أجد فيه لطائف سيدي، ولطف مولاي.
ولن يوقف طوفان روحي سد ولا جبل ولا غابة شجر.
ولن أبقي في طريق تحققي من بيوت الواهمين والحسدة الجاحدين حجرا على حجر.
ولسوف يعلمون…