7 دقائق للقراءة
يقول الحق جل وعلا في محكم تنزيله: “إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ” (الأعراف).
ثم قال في آيات أكثر تفصيلا وغموضا: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) ” (فصلت)
في هذه الآيات إشكاليات كثيرة، من بينها الاختلاف بين ستة أيام وثمانية أيام. ثم مسألة الأيام أخذها الملاحدة على ظاهرها وكانت سبب سخرية مثلما صدر عن عالم الفلك والملحد الشهير نيل غرايس تايسون في أحد حواراته حيث أظهر سخرية من الجهل فيما ذكرته الكتب المقدسة فيما يخص الكون، حيث أن مسالة الأيام الستة مذكورة في التوراة والانجيل، بل لها ذكر حتى في أساطير السومريين (أسطورة مردوخ).
في كتابه تنانين عدن The Dragons of Eden وضع العالم الفيزيائي الامريكي الكبير كارل ساجان والذي له فضل في تبسيط مفاهيم الفيزياء الكونية، وضع تقويما سماه التقويم الكوني اختزل فيه قصة الكون خلال 13.7 مليار سنة في سنة واحدة. أما آينشتاين فقد تكلم عن كون الزمن عبارة عن مقادير مختلفة وليس وحدة جامدة. وفيزياء الكم أيضا لها كلام عن الزمن الجزيئي. ويمكننا تصور نظرة هوكينغ للزمن من خلال الاكوان المتوازية. وكل هذا فصلناه في كتاب الزمن ضمن موسوعة البرهان. ولكن ما يهمنا هنا فإن مقادير ونسبة الزمن، وطريقة كارل ساجان في الاختزال، هي مفاتيح فهمنا لليوم في تلك الآيات القرآنية العظيمة عن نشأة الكون والحياة. وهنالك مفاتيح قرآنية مهمة يجب استخدامها فيها نص صريح حول مقادير الزمن وتم استخدام مصطلح “مقدار” تحديدا. فانظر إلى قوله سبحانه في سورة السجدة: “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)”.
وقوله عز من قائل في سورة المعارج: ” تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)”.
وطبيعي أن القوم أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة عام هو تأويل للمفسرين الذين كانوا يجهلون طبيعة الكون وحجمه. ولا علاقة له بحقيقة معنى الآيتين.
إنما الأمر عن مقادير زمنية مختلفة، فيوم مقداره ألف ويوم مقداره خمسون ألف. ومن يقرأ نظريات آينشتاين وكلامه عن الزمن واختلاف مقاديره بين الكون السحيق وهذا الكوكب قد يفهم من علم الزمن يوضح له بعضا من معاني الآيتين.
وتعتبر مفارقة التوأم Twin Paradox التي وضعها آينشتاين كمسألة فكرية في النسبية الخاصة وعلاقتها بالتباطؤ والتسارع الزمني طريقة نظرية لفهم المقادير الزمنية. والتي عكف على تفسيرها مجموعة كبيرة من العلماء بدءا بالفلكي الفرنسي بول لانجفان عام 1911، (صاحب ديناميكية ومعادلة خاصة تحمله اسمه)، وصولا إلى الفيزيائي الألماني ماكس فون لاوه سنة 1913 والذي حاز على جائزة نوبل بعد هذا التاريخ بسنة. وتتمثل المفارقة في توأمين أحدهما يسافر في الفضاء بسرعة تقارب سرعة الضوء والثاني يبقى على الأرض، وعبر تطبيق نظرية التباطؤ الزمني واختلاف طبيعة الزمكان. وستكون مفارقة فهم الزمن والاحساس به بل وسريانه بين التوامين كبيرة حيث يظن كل منهما أن زمن الآخر تباطأ، وأنه سيلتقيه بعد نهاية الرحلة وهو أقل منه سنا. وهذا التباطؤ والاختلاف في المقادير هو محتوى الآيتين: فيوم عروج هو في مقام وبعد زمكاني محدد ضمن تسارعات معينة وتاطئآت محددة يساوي ألف سنة أرضية، ويوم آخر للعروج هو مقدار خمسين ألف سنة. والفرق أن الأول عروج تدبير الأمر الرباني والثاني عروج الملائكة والروح وبينهما بحر زاخر من الأسرار.
رغم كل ما يحمله هذا الكلام من غموض، لعل قراءة كتاب الزمن في موسوعة البرهان يجلي مزيدا من غوامضه، فإن نفس القانون يتم تطبيقه على اليوم في قصة الخلق القرآنية: فهو اختزال كالذي فعله كارل ساجان، ونسبية للزمن كما ذكر آينشتاين، إنه تفعيل لمعنى زمني محدد: يوم من أيام الخلق، وله مقادير ضمن الزمن الأرض.
إن الزمن الجزيئي غير الزمن الكوني الذي يسري على المجرات مثلا، والزمن الجيولوجي غير الزمن البيولوجي، وكذلك الزمن الأرضي ليس سوى نتاج حركة الأرض حول الشمس، وليس هو الزمن على المشتري وزحل ولا في مجرة أندروميدا أو غيرها. وقبل دوران الأرض حول الشمس لم يكن اليوم الأرضي بساعاته وأيامه وأشهره وأعوامه. إن الزمن أزمنة.
لكي نفهم يوم الخلق علينا أن ننظر في أعلى مقدار تم به وصف نشأة الكون وتطوره. وكي نفهم ذلك نسأل ما عمر الكون، وسوف يأتيك الجواب: بين 15 إلى 14 مليار سنة. وعليه فلنفترض أن يوما من أيام الخلق يساوي مليار سنة. ولنقم ببعض الحسابات:
*خلق الله السماوات والأرض: أي من الانفجار العظيم إلى تشكل النواة الأرضية الأولى في ستة أيام: أي ستة مليارات عام.
وهذا محتوى هذه الآية الكريمة: : “إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ” (الأعراف).
ثم تأتي الآيات من سورة فصلت بمزيد من التفصيل:
* “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9): أي أن فترة تشكل الأرض من مرحلة الغبار الكوني ثم تشكل ثقالتها وتحولها إلى كتلة من اللهب واصطدامها بكوكب آخر (القمر فيما يظنون لكني أعتقد أنه نيبيرو الذي سيصدمها ثانية يوم القيامة) كل ذلك استغرق ملياري سنة.
“وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10)”: وهنا يكون الحساب منذ وجود الأرض إلى التسوية التي أصبح بها الكوكب جاهزا لتقبل الحياة حيث وجدت فيه الجبال وما تعنيه من توازن ثم تقدير الأقوات أي كل ما هو ملائم للحياة الأرضية من ماء وهواء وأشعة شمس ونظم برمجية حيوية (ضمن معنى التقدير) وكل ذلك استغرق من بداية نشأة الكوكب أربعة أيام ولكنه أخذ يومين فقط بعد مرحلة الاعداد الأولى التي استغرقت يومين. بمعنى ملياري عام للاعداد الأولي لتكون الارض كوكبا ثم ملياري عام لتكون جاهزة للحياة. ولعل بذور الحياة الأولى تمت في الملياري عام الثانية (اليوم الثالث والرابع للخلق ليكون ظهور الحياة بشكل أجلى وأكثر تعددا وتنوعا ومن خلال كائنات مكتملة بعد اليوم الرابع أي بعد أربعة مليار عام.
ألا يتماشى هذا مع ما يقوله العلم المادي من كون عمر الأرض بين خمسة إلى 4.5 مليار عام، وأن الحياة الفعلية بدأت فيها منذ 500 مليون إلى مائتي مليون عام.
*”ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) ” هنا وصف لما بعد الانفجار العظيم وبدايات تشكل الكون، حيث كان الكون عبارة عن غبار أو دخان، وعن حالة من الشتات والفوضى، وقوله ائتيا طوعا أو كرها أي بقوة خارجية أو قوة فيكما وكونهما أتيتا طائعين فيعني وجود قوى داخلية ذاتية تم تفعيلها ليكون الكون ضمن انتظام مداري فكل شيء يدور حول كل شيء المجرات تدور حول بعضها والكواكب حول نجومها والنجوم تدور أيضا وكل ذلك بقوة الجاذبية أو قوة الثقالة وهي نظام داخلي ذاتي وإن كان نظاما مخلوقا. وعليه فالفترة التي استغرقها الكون ليستقر بعد الانفجار العظيم هي ملياري عام من عمره.
أما قوله فقضاهن سبع سماوات فهو سابق لخلق الدنيا وهي الأخيرة، وهذا مجال شاسع ذكرناه في كتاب الكون ضمن موسوعة البرهان، مختصره أن الوجود بدأ بخلق ستة سموات طباق بشكل هرمي، كل سماء هي أضعاف أضعاف التي دونها بشكل لا يمكن تصوره، وكان عمار السموات من الملائكة والكائنات الروحية ضمن حضارات ونظم وقصة خلق عظيمة. ثم تم تفريغ نطاق من المادة السوداء العازلة للطاقات العليا الشعاعية في السماء الثانية، أو تم إيجاد نسيج من العدم، وضمن ذلك الاطار الشاسع الأسود تم تفعيل انفجار المفردة الاولى ضمن نسق من الاهتزازات والتسارعات والضغط الكبير، فالانفجار كان في زمان ومكان، ولم ينشأ المكان والزمان مع الانفجار كما يرى بعض العلماء، لأن الانفجار ميقاتي أي في نقطة محددة هي نقطة النشاة، وفي إطار معين تم فيه ونشأت موجودات الكون التحت الذرية ثم الكبرى ضمنه بتفعيل القوى الأربعة (نووية شديدة ونووية ضعيفة وكهرومغناطيسية وثقالة) وهنالك قوى أخرى أعظم، وبقيت المادة السوداء أو مادة العدم الذي ينعدم فيه الزمن الكوني والضوء والمادة، إلى اليوم محيطة بالكون المادي او السماء الدنيا وهو يتسع فيها حتى يبلغ نقطة تتغلب فيها جاذبيته الداخلية على كتلته فينكمش وينسحق انسحاقا عظيما كنجم نتروني وتكون نهايته التي وصفها القرآن الكريم بدقة كبيرة في آيات كثيرة. ويقر العلماء بحتمية الانسحاق العظيم ونهاية الكون.
ولكي تتمكن بسهولة من فهم أن السماء الدنيا هي هذا الكون المادي تأمل قوله ضمن الآيات التي نحن بصددها: ” وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) ” أي حيثما يوجد نجم وتوجد شموس وتوجد ظلمة فهي السماء الدنيا، وهذا الكون مظلم شديد السواد والقتام محاط بمادة سوداء وطاقة سوداء بل حتى المجرات محاطة بمادة سوداء وتتخللها ثقوب سوداء لها علمها وسرها وبينا من ذلك نصيبا في البرهان.
وعليه تم خلق السماء الدنيا في ستة مليارات عام بقي فيها الكون في حالة من التشكل والانفجار وظهور نجوم عظمى أولى لها مواصفات انهصارية غير موجودة في الشمس اليوم مكنت من تجهيز المعادين مثل الحديد وغيره ثم درجات حرارة عالية جدا، ثم ملياري عام لعودة الانتظام وتشكل المجرات بعد موت النجوم الاولى، وظهور النجوم والكواكب التي تحتويها المجرات اليوم، وبعد ظهور كوكب الارض استغرق الأمر ملياري عام ليكون كوكبا واضح المعالم، ثم ملياري عام لتوجد فيه الظروف المناسبة للحياة. ويكون الناتج هنا:
ستة أيام للخلق الأول مع يومين لعودة النظام ويومين لتشكل الكواكب ويومين لتوفر الظروف الملائمة للحياة.
6+2+4: 12 مليار عام. أضف إليها مليار أو نصف مليار عام للفترة الحالية أي 13 مليار عام، وستجد تقريبا نفس ما يقوله علماء الكون في العلم المادي الحديث والمعاصر.
ويمكن طرح سؤال: هل من دليل على أن توفير شروط الحياة مختص بكوكب الأرض الذي يعيش فوقه بنو آدم الآن، أم كل كوكب مادي هو أرض أيضا وكانت فيه حياة أو ما تزال؟
أنه سفر موغل في الغوامض، نحاول أن نسبر بعضا من أغوارها فيما سيأتي.
ليس غاية هذا الكلام إقناعك بصحته، ولا تحدي الملاحدة، مطلقا، إنما هذا حظ من انشرح له صدره وقبله عقله. وقد لا يكون صحيحا بل مجرد تصور، وقد يكون فتحا من الله على قلب عبده. وعلى كل حال تامل وانظر وتدبر وقارن وأعد القراءة. فلعلك تجد ما يزيدك يقينا.
أما مسألة الأبعاد والأكوان الموازية (التي خاض فيها هوكينغ دون فهمها) فقد فصلناها في الموسوعة التي ذكرنا، وتكفي معرفة وجود كائنات لها وجود مواز لهذا الوجود البشري، ولها نطاقات وجود أخرى أعلى وأسفل. وهنالك آيات قرآنية كثيرة دالة ولكن نترك هذا لما سيأتي.
بعد الرحلة المختزلة في الزمكان، والتي تجدها بتفصيلات أكبر وأدق في موسوعة البرهان، نمضي إلى مسألة الوجود، وإلى سؤال بني آدم اليوم: هل هنالك سكان آخرون في الكون. لننظر في أي نقطة يقف الوجود اليوم، بين ما يقوله العلم المادي وما يقوله القرآن العظيم.
# القرآن الكريم، الكون، المفكر مازن الشريف، نظرية النسبية