قصة الخلق الجزء الثاني: الكون أولا

ظلّ الكون لغزا لقرون طويلة، أو هكذا يبدو في كتاب التاريخ الوضعي (رغم وجود أدلة على أن بعض الحضارات السابقة كانت تعرف عن الكون الكثير بدقة مثل السومريين)، حتى بدأ ينكشف تدريجيا باختراع المرصد، ومنذ نظريات علماء الاغريق وفلاسفته إلى كوبرنيكوس وغاليلي ونيوتن ثم آينشتاين وصولا إلى هوكينغ، تطورت النظرة الكونية كثيرا، لكنها انحرفت في التفسيرات لتقع في الالحادية والمادية العقيمة.
المعلومات عن الكون اليوم كثيرة جدا، ويمكنك بسهولة مشاهدة برنامج وثائقي فيه الكثير والكثير، من النشأة الأولى ونظرية الانفجار العظيم، وتشكل الكواركات من المفردة الأولى التي جمعت كل قوى الطبيعة الاربعة في قوة واحدة وكانت من مادة مجهولة مركزة، وبحجم لا يمكن تصور صغره، حتى في الحسابات الكمية والتحت ذرية. ثم نظرية الكون المنتفخ ونظرية الحبال. ثم تشكل المجرات والشموس الكبرى الأولى وموتها ونشوء نجوم جديدة وتشكل المجرات من الغبار الكوني. وبالمختصر في كتاب العلم المادي اليوم، فإن الكون نشأ منذ 15 مليار سنة، وظهرت الأرض والشمس والكواكب في مجرة درب التبانة منذ 5 مليارات سنة.
مجرة درب التبانة التي فيها كوكب الأرض قطرها 100 ألف سنة ضوئية، فيها 200 مليار نجم ولكل نجم كوكب او اكثر يدور في مداره، لأن النجم هو شمس كشمسنا، وربما أكبر آلاف بل مليارات المرات .
مجرة المرأة المسلسلة أو أندروميدا (اسم من الأساطير اليونانية) هي المجرة الأقرب لمجرة درب التبانة، ويبلغ قطرها حوالي 220.000 سنة ضوئية، يبعد مركزها نحو 2.5. و يمكن رؤيتها بالعين المجردة. تحتوي اندروميدا على ألف مليار نجم

ثم اكتشف العلماء أن المجرات تنقسم إلى مجموعات أو عناقيد أو مجموعات عنقودية Clusters ، تنجذب الى بعضها وتدور حول بعضها، ومن بينهما المجموعة المحلية Local Group وضمنها مجرة درب التبانة والمجرات القريبة منها وهي 54 مجرة معظمها مجرات قزمة، وقلب المجموعة هو مجرة اندروميدا.
وهي بدورها تنتمي إلى مجموعة أكبر Supercluster هي عنقود مجرات العذراء العظيم Virgo Supercluster وهو تجمع مجري هائل غير منتظم يوجد فيه مائة مجموعة مجرات على الأقل، قطره نحو 110 مليون سنة ضوئية. وهو على مسافة 60 الى 70 مليون سنة ضوئية من الأرض.
وفي الكون المرئي مليون عنقود عظيم أو مجموعة كبرى، وفيها عدد هائل من المجرات. فالجزء المشاهد من الارض يحتوي 100 مليار مجرة، في كل مجرة 100 مليار نجم وأضعافه من الكواكب والأقمار، كل نجم مثل أو أعظم من الشمس.
وعلى سبيل المثال فإن ما يسمى بالكلب الأكبر VY Canis Majoris شعاعه أكبر من شعاع الشمس بـ 1,540 مرة وكتلتها أكبر بـ خمس وعشرين مرة وأكثر اشراقا من الشمس بـ 270،000 مرة.
أما ما سمّي بـ UY Scuti الذي يبلغ قطره 2.4 مليار كيلومتر فهو أكبر خمسة مليارات مرة من الشمس . وهو على مسافة 9500 سنة ضوئية من الأرض. وكل هذه الشموس النجمية في مجرة درب التبانة، فكيف بأندروميدا وهي أعظم، ثم بما هو أعظم منها وأكبر. ولكل نجم أو شمس من هذه الشموس مجموعة كوكبية خاصة حيث أن ما كان يعتقد استثناء أي وجود كوكب او أكثر يدور حول نجم معين اتضح أنه هو القاعدة.
قطر هذا الجزء المرئي 90 مليار سنة ضوئية، وهو جزء صغير فقط من كون أرحب وأشسع ويتسع دائما وتولد فيه النجوم والمجرات بشكل مستمر كما تموت أيضا متحولة إلى غبار كوني وإلى مستعر أعظم Supernova أو نجوم نترونية عالية الكتلة أو ثقوب سوداء. وتشكل الثقوب السوداء في الكون لغزا محيرا حول نشاتها وقطرها الهائل وكتلتها الرهيبة وقدرتها على ابتلاع شموس ومجرات وابتلاع الضوء والزمن.
أما المادة السوداء التي تشكل 80 بالمائة من الكون والتي لا يمكن رصدها ولكن يمكن حساب وجودها فهي لغز أكبر، مع الطاقة السوداء ضمن الدور والقيمة والعلاقة بالانفجار العظيم الاول.
مضى نيوتن نحو قوانين ميكانيكية وثوابت كونية تعتمد على قوانينه الثلاثة للحركة، ضمن ما سمي بالميكانيكا الشعاعية أو الكلاسيكية. وفق منظومات رياضية تعتمد إضافة لقوانين نيوتن على منظومات عالم الفيزياء والفلك والرياضيات الألماني يوهانز كبلر، والفلكي الايطالي الشهير غاليليو غاليلي.
ولكن حدود تلك الميكانيكا تجاوزها آينشتاين بنظريته النسبية، متجاوزا الثوابت الكونية إلى رؤية أخرى للكون كمقادير للزمكان وكطبيعة ومعنى. حيث مثلت نظرية النسبية الخاصة (Special Relativity, SR, Special Theory of Relativity, or STR)، أو نظرية اللاتغير (The Theory of Invariance ) التي صاغها آينشتاين سنة 1905 بديلا عن نظرية نيوتن في الزمان والمكان وحلا لإشكاليات الأمواج الكهرومغناطيسية عامة، والضوء خاصة. أما نظرية النسبية العامة التي صاغها بعد عشر سنين من نظريته الخاصة فقد مثلت تنقيحا جوهريا لقانون الجذب العام لنيوتن، ونظرا أعمق في الزمكان ومسألة الثقالة، فهي نظرية هندسية للجاذبية.
ولكن ثورة آينشتاين لم تكن آخر ما تم التوصل إليه في علاقة بالكون، فميكانيكا الكم التي اشترك في صياغتها كل من الفيزيائيين الألمانيين ماكس بلانك الحائز على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1918، و يرنر كارل هايزنبيرغ فورتسبورغ الحائز على جائزة نوبل لعام 1932، والفيزيائي النمساوي إرفين شرودنجر صاحب معادلة شرودنجر والتي حاز عبرها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933م، والبريطاني بول أدريان موريس ديراك، مثلت ثورة فعلية في فهم الكون من جانب عوالمه التحت ذرية ونسيجه الكمي. وهذا يحيل مباشرة إلى نظريات الفيزيائي الكبير ستيفن هوكينغ حول الأكوان المتوازية وكيف أن الكون أوجد نفسه بنفسه من خلال الجاذبية عبر مجموعة لا تحصى من المحاولات الموازية الفاشلة. والحقيقة أن فيزياء الكم والجزيئات مع فكرة العوالم المتوازية (دون نزعة الالحاد التي أصيب بها هوكينغ أواخر حياته) فيها الكثير من العبقرية. ولكن هل من أثر لكل ها في القرآن الكريم؟ وهل نجد ما يرشدنا في قصة خلق الكون، وعوالمه وأبعاده ونسبيته الزمكانية وكل ما قاله العلماء والمنظرون وخاصة النسبية والكم والعوالم المتوازية؟
هل سيصدمك إن قلت لك أن ذلك موجود بشكل جلي يحتاج فقط مفاتيح مناسبة. إذا فلنقم بالغوص في عوالم القرآن، لعلنا نفتح أبوابا جديدة من قصة الخق.