3 دقائق للقراءة
حين ننظر في القرآن الكريم، وفي مشاهد اختارها الله سبحانه وتعالى من تاريخ بني آدم، نجد أن تلك المشاهد المختارة تنطوي على حكمة عظيمة وعبر كثيرة، وتبيّن أن أحباب الله وأعداءه يمضون تحت نفس الناموس والسُّنّة.
ومن المشاهد المؤلمة الموجعة التي لا يكاد العقل البشري ولا ضمير الإنسان يتصوّر فظاعتها، مشهد أصحاب الأخدود الذين ألقاهم المجرمون في نار ذات وقود، فقال سبحانه وتعالى: “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)”.
إنه فصل أليم من قصّة الأرض وصفحة مليئة بالوجع والدم والكراهية والظلم من كتاب التاريخ البشري، ولكن الأوجع في المسألة والمشهد أن ذلك تكرر ويتكرر في محارق الأبالسة للمستضعفين ممن لا ذنب لهم إلا أن آمنوا بالله ربّا.
إن صور المسلمين في ميانمار، القتلى والممزقين، وصور آلاف الجثث من الروهينغا الأبرياء، ومشاهد الأطفال تُحرق وتُداس الأقدام، دليل قاطع على أن في النفس البشرية مكمن لشرّ فظيع شنيع، وأن التطرّف وجه بشع للشيطان مهما كان الاسم الذي يتسمى به والدين الذي يدّعي أنه يدعو أو يدافع عنه.
وبما أننا في سويعات ختامية أو لحظات نهائية للزمان، في آخر آخر الزمان أو أوسط آخره، فليس من الغريب أن تتالى مشاهد الامم السابقة، وأن يخرج الشياطين المتقمصون للأجساد البشرية بمظاهر أبشع وأحقر وأجرأ على القتل والتنكيل، وبين ما فعل الدواعش وما يفعل متطرفو البوذيين في بورما، تترنح الأرض من هول ما ترى وتسمع.
هنالك أماكن أخرى للوجع:
*الضمير العالمي والمجتمع الدولي الذي تثور ثائرته ويتساقط حنانا ويتداعى رحمة عبر منظماته إذا ما غرقت إوزة في بقعة نفط تسرّبت من عبّارة أو سفينة، في حين ينظر بعين الجليد إلى المجازر والمآسي، ولا يُحرّك ساكنا.
ألأن المقتولين من المسلمين؟
لأنهم إخوة لمن ذبّحهم وقتّلهم من صنعوا من سفّاكين في العراق والشام؟
أشقّاء من يطمرونهم أحياء في اليمن بقصف الطائرات ونسف القنابل؟
من نفس الدين مع من يقتُل الصهاينةُ بلا رحمة في القدس وفلسطين؟
*ضمير الأمة الإسلامية العاجز: في حين تجيّش الجيوش وتُنفق الأموال لسحق اليمن وتدمير الشام وتفكيك العراق وتفتيت ليبيا، وتُمنح الأموال لأبي إيفانكا الشهم الشجاع الهُمام، لا يجد مسلمو ميانمار إلا الموت والعراء والهلع.
*الشعوب الإسلامية النائمة: لا مظاهرات في الشوارع، لا أصوات تتعالى، كأن القوم اعتادوا على القتلى، أو اختاروا صمت الحجارة، إلا أصواتا يتيمة هنا وهناك.
قد تكون كلماتي صرخة في واد أعمى أصم، ولكن لا مناص من قول كلمة الحق، ولا مفرّ من الاعتراف بأن البشرية اليوم -بكل زخرف النظام العالمي الجديد وبريق العولمة والتطوّر- ليست أفضل من غابة وحوش تنهش لحم من تقدر عليه بالغلبة والقهر والتمكّن، وأن العالم العربي محكوم بحفنة من الخونة والحقراء والفاسدين والطغاة البغاة – إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.
أما الأبطال الصامدون والاحرار الواثقون فلهم حروبهم ومجالاتهم، فمن لمسلمي بورما؟
اين المثقفون والمفكرون والمشايخ؟
أين صوت الشارع وهدير الشعوب؟
ألا نخجل من دماء أشقائنا، ولو كانوا من أي دين وأي ملة، ألا نخجل من دماء إخوتنا في الإنسانية والوجود؟
إن المرء لا يملك القدرة على أمور كثيرة، ولا يستطيع تغيير القدر او دفع البلاء، ولقد كنت في بنغلاديش ومضيت إلى مكان قريب جدا من بورما، وكان القلب ينفطر أسى والفؤاد يلهج بالدعاء، ولكن للأسف، أمة يتيمة حقا، وما أمرّ اليتم، وما أوجع الانتظار.
سوسة
05-09-2017 17:49:49