4 دقائق للقراءة
قرأ في صباه: الإبريز في تلخيص باريز للطهطاوي، ثم قرأ عن بطش جنكيز وعن برودة دم الانجليز …
هو حرف ديبلوماسي، له سياسة مع الحروف وترابطات ذكية، فالزاي له سره في العلائق، وحين يلتقي باللام يكون المدى ويكون الحتم عزما وحزما وجزما ولزما. وزمنا أيضا..
له مع الجيم صفقة رابحة جمعت فأوجزت: الجزَر والجزْر والجُزُر والجزّار والجزّ والعجز والعجُز والجزع والزجر والانجازات وأنجز حر…
لقاءه بالياء ملوّن زئبقي: زي وزينة، أو زيف وزير. زير كلمات ربما هو الزاي. أو وزير لغة.
وقد يفتخر الزاي مع الياء بأن الياء في نسيجه ونطقه، وبأنهما شكلا مع الدال الشخصية النحوية الأشهر: زيد. فيقال فعل زيد كذا ومضى زيد وعاد زيد.
زئير الزاي مشتهر في غابات اللغة، وزرافاته تمد أعناقها نحو المستحيل، وكذا غزلانه…جمالا ينبع منه الغزل… أما زرعه فخير ونماء أو مثل عن أصحاب خير الخلق كزرع أخرج شطأه…يعجب الزرّاع ويغتاظ أهل الزور والتزييف..
المُزارع والمَزارع مبتهجون بالزاي حرفا مزيّنا، زربيّة تتراقص فيها الألوان أو زخرفا في خزف وزركشة في ثوب…أو زهرة تتمايل في مزرعة…الزاي حرف جمال بامتياز…
الزحف اللغوي مستمر…والزاي يعتز كثيرا بألوانه وأكوانه…وله عند رب العزة منزلة..فهو حرف التنزيل…وحرف المنزلة …وله في الأدب معزّة أيضا، يصرّ على الشدة فوقه كي لا يتداخل الأمر مع الماعز الجبلي أو ما يرعى في السهول…ويقرأ دوما بابتهاج: لك يا منازل في القلوب منازل…ويخشى زلّة القدم في مهاوي الزلل..يبتني في زاوية من زويا الحروف منزلا….
أبوزيد الهلالي والزير سالم..الزاي حرف ملاحم وبطولات…ومنازلات بين الفرسان…
عزرائيل يخيفه…لا يريد أن يموت ويحصر في الكتب…الزمان يدهشه…والزعماء يصيبونه بالذعر لو كانت زعامتهم زعما…يزعم أن الزعامة الحق في العزم والعزيمة…يحب بيت المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم…لكنه ينظر إلى أهل الزعم في كره ويزعزع ما زعموا…وله في عزائم السحرة وأسمائهم مازر وشمهورش ما يثير حنقه وغضبه..انه يكره الزيف كثيرا…
النزوات..يتبرأ منها الزاي….ويزداد كل يوما نزوعا إلى التأمل…ينزع عنه كل نزعة سوء وينازع نفسه كي لا يخسر في منازعات الباطل مع الحق…ولا ينفضّ نزاعه أبدا..ونوازعه تشتد حتى تكاد تنزعه من الكلمات نزعا…
الغزلان…إشارة للفاتنات..أو غزالا في صحراء هادئة حتى يغزوه سبع فينفز وينقز ويقفز في المفازة حتى يفوز بالنجاة..والغزْل..بالضم على الزاي نسيجا وتزيينا..او بفتحها تشبيبا وتغزّلا…والزاي يحبهما معا..فهو مِغزل الكلمات وهو المتغزّل بالجمال يغرز في قلبه مغارزه ويفتح فيه مغازات للشوق، أو يضربه بغازات الانهيار بكاء وانكواء يغمزه وينغزه ..كم لقاءه بالغين ناري وعشقي وملغز…وهو لم يجد بعد حل اللغز..
يفرز الزاي معانيه في المفازات الفسيحة القاحلة…سيفوز حتما بقلب الفاتنة التي يفزع من بعدها ويعلّقه العشق كفزّاعة في حقول الغرام ربما زيّفت الأيام كنه حبّه لكنه عازف عن الزيف يزفر زفرة مشتاق محزون ..الزفير ركيزة حياة…لكن زفرات الزاي حين يلتقي الفاء زفرات مكروب…ينزف نزيفا مستمرا حتى يتملكّه الفزع..لكنّه قد يعزف على أوتار البهجة حين يشاهد التلفزيون أو التلفاز..اختر ما تود وافرز ما تشاء…أو يمضي إلى حفل زفاف يزفّ خبرا أو ينظر إلى قوم إبراهيم إذ أقبلوا عليه يزِفّون، وتسري في روحه الرهبة وهو يتلو: “أَزِفَتِ الآزِفَةُ (52)” …ثم يمضي مع النحويين في جذر زف ومتاهات أزف وزفيف الإبل والريح وزفزفة النعام..
الزيزفونة…شجرة يحبها الزاي لأنها تشبهه تشعّبا….واللوز..يعشق أزهاره…أما الزنجبيل..فشرابه المفضّل…والزّعتر…كم يحب أريجه في البريّة…والزعفران…يرقص في ألوانه…أو الزيت…من شجرة مباركة زيتونة …كم قصة للزاي مع التين والزيتون…وزقزقة عصفور يشكر الرزاق على ما رزقه..الرزق كون للزاي…وله مع القاف مقامات بين زقزقات وأرزاق وزقاق وزِقّ للماء..ومِزَق وتمزيق وشرّ ممزَّق..له مع القاف منزلقات خطيرة جدا…ويضحكان حد الانزلاق من الخط كلما قرأ عليهما السين: ستّ لو أعياك أمري..فاحمليني زقّفونة….إنها حبائل أبي العلاء يتخبط فيها ابن القارح في رسالة الغفران … في تزويق لغوي بارع…
أما لون الزاي المفضل حين يلتقي بالقاف فهو الأزرق…زرقة السماء والبحر او زرقاء اليمامة وجديس البائدة .. الأزرق بن عقبة الصحابي الجليل، أو العالم ابن الازرق محمد بن علي الغرناطي الذي تبع خطى ابن خلدون في علم الاجتماع…لكنّ الزاي بريء من الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق…إنه من آكلي الزقوم..شجرة تطلع من أصل الجحيم…مأوى الزنادقة..كم يكفر الزاي بالزندقة…
العز بن عبد السلام…يحبه كثيرا…ومن اعتز بغير الله ذل..حكمته المفضلة…عزّه حين يلتقي العين…العزف…على أوتار القلب أو أوتار العود…والعزف…عن كل رديء وسيّء…والعزوبية…أيام وتمضي…وسيتزوّج الزاي وينجب طفلا يسميه: زياد…ربما لأنه يحب طارق بن زياد…ويقرأ له كل ليلة قصة الإوزة البيضاء…الزواج…أمر يقدسه الزاي…ويمقت الزنا…
الزلزال…يرج الأرض ويضرب دون إنذار…والزلزلة…موعد حق في يوم حق..
الزنزانة….سجن وزوايا للضيق…والزاوية…ركن أو مقام ولي..الزاي يحب الأولياء الذين نزّههم الله وأعزّهم…وعزّزهم بمدد منه…
الحزْن..صديقه القديم..والحَزَن…وعر سيقطعه..لا يعترف بالهزيمة ولا يقبل الانهزام… يرفض العجز ويؤمن بالمعجزات…ينظر إلى عجوز يمسك عكازا ..يهتزّ لعجزه عن إرجاع الشباب إليه…هزّة في أرضه تلكزه وتكزه كما وكز موسى من وكزه فقتله خطا واستغفر فغفر الله له…يقف على أعتاب الهمزة يخبرها ان لا تكون انتهازية…يقرا: “وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)” …يعلم أنه قول فصل وما هو بالهزل…يقف صامدا في وجه الزمهرير..ولا يعبأ بالهزائم المهزلة..ولا بجسده الهزيل…
ربما سيتحول الزاي مع الكاف إلى ناسكين في معبد..يغمضان أعينهما ويغرقان في التأمل والتركيز…أو يمضيان معا للبحث عن جزيرة الكنز..وقص الكنوز الكثيرة…فرزنامة الزاي فيها الكثير..لكنه يزدرد الكلمات ويمضي إلى أزكاها ملتحفا بالكاف سموا وارتكازا ومركزا: زكريا…نبي الله المزكّى… الزكاة…فريضة رحمانية…والتزكية..رحمة مفروضة…وقد أفلح من زكّاها…لا يرى الزاي خيرا دون زكاة وتزكية وسلوك إلى ما هو أزكى…فالزاي حرف زكي…وذكي أيضا…يبتهج الذال ويضحك الكاف…
الغزو…كان عادة عربية…ثم وجد مجده في بدر وقداسته في غزوات الرسول…ثم رجع إلى القبائل البوادي…
زمزم…لحظات من نور…إنه إسماعيل..وهاجر بين الصفا والمروى….والماء زلال…غوثا من رب العزة..
المزن…رحمة وغيث…والزاي كريم متمزّن….ينظر إلي ويبتسم…يعلم أني مدين له ولأمزان الرحمة…بين ميم وزاي ونور كانت بوابة ذاتي وعنواني في كوكب الكلمات اسما وكنها: مازن.