4 دقائق للقراءة
سُرّ كثيرا حين علم أنّ دوره قد حان، واستشعر الحماس يسري في حواسّه ويغمر إحساسه، فبحث في شعر الحماسة عما يترجم تحمّسه، هو سريع جدا، أعدى من السليك بن السلكة وأسرع. لكنّه حسّاس، يعشق مع الميم الرسم والمسرح والسينما، وهو الفارس أيضا، يحب الفروسيّة ويركب فرس المعنى، لكنّه يخشى فرس النهر أن تفترسه، أو أن يكون فريسة لمعنى سيّء.
للسين سرّ، ربّما وجدته ينطق السريانية ويحاول تعلّم السحر والطلاسم. أو ربّما أحس باليأس، والأسى يملأ الكأس. أو استشعر البأس، فاستل سيفه ووضع ترسه ليقاتل مع عنترة العبسي ويشهد جحافل عبس في داحس والغبراء ويستبسل في القتال بشراسة حين يحمي وطيس المعركة. أو تراه قد اشهر حسامه في حرب البسوس مع الزير سالم لينتقم من قتل جسّاس لكليب.
وحين يستعر به الشوق يقف مساء على طلل دارس وينشد سينية أبي تمّام :
ما في وُقوفِكَ ساعَةً مِن باسِ
نَقضي ذِمامَ الأَربُعِ الأَدراسِ
ويحرّكه الحنين لمجالس الأنس في الأندلس، ثم تغمره الحسرة على الفردوس المفقود، فيرحل صوب القدس، ليمسح عن نفسه الحزن في رحاب القداسة.
سوف تتعب من التسويف…فالفتحة حين عانقت السين ابتداء شكّلت مأساة المنتظرين لموعد أو أمر في المستقبل،سيأتي وسيمرح وسيحتفل، وسوف يكون مسرورا سعيدا…لكنه قد يستقيل من التسويف حين يجد أنه مجرد سراب.
هل تعرف سفينة نوح التي بسم الله مجراها ومرساها…السين كان من ركّابها، وكم ركب السفر واستمتع بالسفر…وقرأ “القصيدة” لمعين بسيسو: سفر…سفر….
موج يترجمني إلى كل اللغات وينكسر”.
عندما يغمر أحاسيسك الفرح المستراب…ويحلق قلبك كالسنونو…وأنت تنظر إلى قوس قزح…أو زهرة السوسن والنرجس…ثم تستمع لبعض الموسيقى التي تلامس حسّك بسعادة…حينها ستعلم كم أن السين إنساني ورومنسي…لكنّه مأساوي أيضا..لك أن تستذكر نرسيس ومأساة نرجسيته،أو مآسي سيزيف وصخرته، وبرومثيوس سارق النار المقدسة يأكل من كبده النسر في الأساطير المسطورة في سجف الأمس السحيق…وعلى ذكر النسور والكواسر…فالسين يحلق دائما في سماء الإبداع…يسمو بروحه وجسمه…سيساعد على فهم نفسك أكثر..وستستغرب من أسرار لطائف الأرواح في كثافة الأجسام، وسريان الأنفس في معادن الأجساد، إنها سميفونية الخلق المعقدة تعقيد سيمياء السين المندس في الأسماء والمسميات والتسميات وحتى المسام والسموم.
سنة أخرى ستمضي…وعلى مر السنين ستجده مستعدا لفعل المستحيل…يحث السير ويحدد المسار ويكسر الأسر ويحيط كالسوار بمعانيه السامية…يمقت السفالة والسخف والتعاسة والوسخ في نفوس المسوخ ودسائس الوسواس الخناس، ينأى عن كل دسيسة ونفس خسيسة.
كلمة يخشاها السين كثيرا: السياسة، وكلمات أخرى يسمعها ويريد أن يجد لها معنى فعليا في عالم الإنس: التسامح خاصة، وحسن التسيير، ومساعدة الآخرين، والاقتداء بالأسوة الحسنة.
للسين قصص مع الرسل، يتبع سنة كل رسول، ويتسامى معنى ومبنى في أسماء المرسلين: إدريس وإلياس واليسع، والسيد المسيح عيسى بن مريم. ويؤمن برسالات رب السماء. وله في القرآن مقام: في كل سورة، وفي (يس) وسرّها. وهو ينظر إلى ساعته ويحتسب، فالساعة قريب وإسرافيل ينفخ في الصور ليعلن يوم الحساب. وفي مسافة أخرى يتراءى له موسى يقول للسامري: “فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ” ، ومريم إذ سألت: “أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ” . ثم تهتز روحه حين يتلو وعليه سمت خشوع: ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)”
في حقل من الحقول خذ خطوتك وسر قليلا معه: تأمل تلك السنبلة…واملأ سلّة من السفرجل وأنت ترتدي قبعة من السّعف، ثم اسرح بخيالك في يم الأفكار المنسابة وأنت تتأمل الشمس ترقص بين سحابتين في عرس الألوان، وتلبس برنسا من شعاع وملابس من سندس ودمقس وتتألق كالماسة، ترسم ملامح الطقس وتُلبس الأرض سجادة من سناء. كم يتألق السين في سماوات الرومنسية.
في غابة السين حيوانات كثيرة: السعادين والسناجب والقنادس وأبناء عرس وغزلان المسك، والأسُود والسباع الضارية، حتى السرعوفة التي ألهمت معلمي فنون القتال أسلوبها السريع. والثعابين: الناطق الرسمي باسم السين في مملكة العالم. أما بحره فغني بالسمك، وللأسماك قصص ترويها للنوارس السائحة على صفحاته، ولكل ما يسبح ويُسبّح.
تفاخر مرة على إخوته: أنا سيّد الحساب، وملك الحسبان، كيف كانت الأرقام تكون من دوني: دون الخمسة والستة والسبعة والتسعة؟ أما لونه الأسود فينسدل كستار على معان من السيادة والرئاسة والتناسق، لكنّ حسّاده يقولون أنه معنى للساديّة والتعسّف، فيهز السين رأسه أسفا.
السين: سمّه ما شئت: رئيس دولة الحروف، سيّد مملكة اللغة، سلطان المعاني، سعادة السفير، سماحة القديس… هو حرف سعيد بعوالمه الشاسعة وآفاقه الواسعة، وحين تسترعي اهتمامه، سيأخذك في سفر متصل على عربة سانتا كلوز الطائرة إلى بلاد العم سام، وربما حملك إلى أستراليا وروسيا وألقاك في برد سيبيريا والألسكا، ثم طار بك إلى فرنسا والنمسا، وحط بك في سراييفو لتبكي مآسيها، ثم حلّق نحو سوريا وعرّج على الإسكندرية ثم مضى من سرت إلى سطيف، وصعد جبال الأطلس ماضيا إلى سوس وماسة، ورفرف في سماء تونس وزار سوسة…وعندما تتعب ستجد نفسك في سنغفورة…وستطوف بسرعة رصاصة انطلقت من مسدس…وتحيط بك الأسئلة ويلف رأسك كالسكران وأن تقف فوق سور “السين” العظيم.
السُّلَيْك بن عمير بن يثربي بن سنان السعدي التميمي أحد شعراء العصر الجاهلي الصعاليك، توفي عام 17 ق.هـ/605 م (تقديرا).
نسبة إلى أمه “السُّلَكَة” وهي عبدة سوداء ورث منها سواد اللون. وأمه شاعرة متمكنة وقد رَثته بمرثية حسنة. كأيّ صعلوك آخر، كان فاتكاً عدّاءً يُضرب المثل فيه لسرعة عدوه حتى أنّ الخيل لا تلحقه لسرعته وكان يُضرب فيه المثل فيُقال «أعْدَى من السُّليك»، لقب بالرِّئْبال. له وقائع وأخبار كثيرة ولم يكن يُغير على مُضَر وإنما يُغير على اليمن فإذا لم يُمكنه ذلك أغار على ربيعة.
أَبو تَمّام (188 – 231 هـ / 788-845 م) حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان، ولد بمدينة جاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
سورة طه الآية 97
سورة مريم الآية 20
سورة طه الآية 105