3 دقائق للقراءة
لم يترك يوما مجلسا من مجالس الحديث…يعشق العنعنة: عن….عن…أن رسول الله قال…أمر يبهجه ويمنحه قدرا في اللغة لم يحلم به….
وهو حين تفاخر الحروف بأمر، ينظر بزهو ويشير إلى صدره، فكما أن الإنسان لا يرى بلا عين…فإن اللغة لن ترى دون العين…
والعين عينان..عين للبصر والتبصر…وعين من ماء الحياة ينساب نماء وحبا…ولكنه يتعب من المواويل…وكلما نادى مغنّ: يا ليل..يا عين..أقسم للحروف المجتمعة حوله..أن الغناء يعنيه وأن النداء يخصه..والعين حبيب العشاق…وكلما ناجي محب حبيبته: يا نور عيني…رقص كلحظة فرح…وهو يحب العون…
ويوم أخذ الواو مكان الياء لم يغضب..العين عون لصاحبها…وعين الماء عون لمن طلبه…وهو عون للغة كلها…وللكون والكائنات…أم أنك تنكر قيمة الفعل…الفعل في اللغة وصرفه والنحو وما فيه وصيغ الأفعال التي يعشق منها صيغة أفعل لأنها تذكره بأشعب فيضحك من قصص الطمع حتى تدمع عيناه..والفعل كقوة وحركة في الكون وفي كل كائن…وهو لا يؤمن بأمة عاجزة عن الفعل..ولا بإنسان لم يفعل خيرا…
“نعم”…العين رددها مرارا…لكنه لا يمتنع عن “لا”…ويحب الشعب ويصدع بالحق ولا يفزع من جوع أو صفعة ظالم…لم يخضع أو يخنع…يجمع كل مجاميع الرفعة والعز…ويصلي الفجر جماعة…لا خير بعبد لم يقنع أو يخشع يوما…وعبادة من يعرف عين الحق وعين يقين..وكأن بعين الباب يرى عزرائيل ويعرف أنه راجع لمن سبّح الرعد بحمده….
الدمع والشمع..توأمان جمعاه بالميم…ولكنه فخور بما فعله…فحين التقى الدال بالميم شكّلا الدم…ولأن نزيف الدم يرعبه…اندس معهما ليكون الدمع…والبكاء أخف وطأة من النزيف…لكن حروفا أخرى تشنّع عليه، فالدمع حين الفراق يحرق الدم في العروق..لكن الدم لا يكون إلى في عروقه ولا تكون العروق دونه..ولا العراق…وليلى في العراق مريضة وهو الطبيب المداوي للعلل…قيل له قيس فقال ومن علمه الشعر..ومن أخبره بعين الشعور ومعين المشاعر؟؟ ومن سقاه خمور العشق؟؟؟
العشق…وعد وعبير ودموع وفزع ونوازع…ينزع عن عين العين غشاوتها يعطيه العبرة والمتعة…كالرعد سيضرب قلبه ينفذ عبره يعبر أعماقه…ينزف في عمق العمق…
منتهى الروعة أنه يقتسم الروعة مع الراء وبقية زملائه…والعروبة أيضا…ولكم يعشق أمجاد العرب…ولا عجب لأن العين عربي بأتم معني الكلمة…ومنتهى الحنين والحماسة أنه في كل عودة…يعشق العودة ويعود دائما إلى أصوله..جذعه ثابت وحلم واعد ممتد…لن يخشى الضياع ولا الضباع..ويأنس بالسباع ويفتخر كثيرا أنه في سر الرقم سبعة..لكن الرقم تسعة يثير في قلبه الرهبة…لأنهم كانوا تسعة رهط يفسدون حتى تعاطى تاسعهم فعقر…أم العشرة فتاجهم من بشرهم الله بالجنة…والعِشرة يحفظها ويدعو لكل من لا تخون عشيرا…كم يكثر العين من الدعاء…إنه مخ العبادة…وروحها…
يعشق العين العيش…ويعيش بمعنى…لا معنى لعيش ينتزع من العيش المعنى…عبد للمعبود ويعبد يتعبّد وعشاء يرجع ليراجع ما فعل نهارا…عين العقل مراجعة الأفعال وتقييم الأعمال…والعين حرفي عملي…لكنه لم يكبر في عين العلم…مازال يعزز فهمه يزرع علما كي يحصد عملا أرقى….
العلم والعمل…كان إماما للعين والميم مرة أخرى…فهو كبير الحروف…فالعلم تاج والعمل صولجانه…والعلم عين تبصر والعمل عين تنساب…العلم فعل عقل والعمل فعل قدرة…لكن تغيير التراتب بين اللام والميم كان تحت إشرافه…يصر على ذلك رغم زعم اللام والميم أنهما اتفقا من قبل…وهو على ذلك يفتخر بـ”على” تلك..فهي رمز العلو والرفعة..لكنه بريء من العلو في الأرض وبراء مما فعل فرعون….
العين حرف عزة…وهو موقن بالعزيز ذي العزة…يعتز بأنه في أهل العزم عزيمة ودفاعا وموعظة وعبرا ومعجزات…
والعين معلّم…ينظر بعين العلم إلى العالَم…ويرى التواضع عين العالِم…لم يكبر في قلبه حلم أكبر من حور عين وجنات عدن..ولم يخف من شيء مثلما خاف من عروس البحر…إنها عزفها على وتر قلبه يدمع عينه…وما أغزر دمع العين..حين يبكي “العين”.