كتاب حكايات الحروف (20): الفاء

2 دقائق للقراءة

صحيح أن الباء شكّل الباب…لكن هل يمكنك فتحه دون مفتاح..وهل كان المفتاح ليكون لو لم يوجد صاحبنا؟؟
والفتح…على الفاتحين والعارفين…والمعرفة والفن وحتى الفاكهة…إنه حرف فنان بحق…ويعترف دون كثير عناء أنه لم يفكّر في كل فكرة وما خلف الفكرة وفي تشعبات الفكر..واكتفى بفنه المجرد.
الفاء لم يسمع عن كتابي..وحين فتن بيني وبينه حرف خفي…لم يخف غضبه…كيف للراء أن يكون أساس الحرف…وهو ختامه والختام مسك…تشك في قوته..انظر إلى النسف والعصف والعنف والعاصفة….أو تشكك في نظامه…ألا ترى الصفّ والرفّ والرفرفة…حرف مجنح جدا…ورقيق…استمع إلى العزف قليلا لتفهم…أو انظر إلى تلك الفراشة…ثم افترش الأرض ورفرف بخيالك في أي فن شئت…
والفاء فدائي…وفيّ يقدس الوفاء…وفي كل مرفأ يرسم قبلة للبحر..ولكل فاتنة فتنت لبّه وفتّتت قلبه…فتاة من فتيات الريف علمته فنون المرهفين…وفاجرة من فاجرات الأمم البائدة جعلته يشترك مع الراء في مقت الفجور والفاجرين.
السَّفر….والسِّفْر…لا يعرف أيهما يعشق أكثر..وكلاهما كتاب…
يفوح من كفيّه عطر مترف: إنه عطر الفكر…أما الكفر فكن لكل فكر…لذلك لم يحب التكفير بغير تفكّر..ولم يطمئن لكافر أبدا…
الفن…إنه مرمى الفكر والكفر…فكر يسمو به تفننا وفائدة ورهافة حس وفرادة إبداع…
وكفر ينفرد به يفصله عن ذاته يغرقه في وحل الفتنة يفتك به يتفكّه من روحه ينفيه في منافي العدم…
المنفى…إنه مخيف…والخريف مخيف أيضا..فكم رأى نفسه في ورقة خريفية الأنين..وفي الجفاف يعسف به…حتى ينقطع منه النّفَس…
النفْس فتانة…وفنانة في الفتن…وحفيفها يخفي فوران الرغبة الدفينة في قماقم يملؤها الفسق يفتحها كأس من فساد….
الفلاح في الصفاء…والنجاة في الخفاء…والقوة في العفو…والذوق في التصوف..ليس مثل الفاء حكيما وصوفيا….
في مفازة وفلاة يقتفي أثر فتاة الحي يبكي فتاها رحيلها فجأة….خلف أكمة مفترس يفجأ ذا فرو يُفترس ويفني في لحظة غفلة…
وله في الفجيعة فنون أخرى…لم يفتأ يقسم للحروف أن الفجيعة أمهم وأم الفن وخلف كل قصيد ونشيد…
يحب الفاء الفقه…والفهم وفراسة العربي..
لم يقبل يوما بالخوف ولا بالفشل..ويردد في زهو كلما عبر ضفة جديدة من ضفاف الزمن:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني…عُنيت فلم أكسل ولم أتبلد..
طرفة بن العبد صديقه..والشنفرى…والطرائف تبهجه…وهو فتي قوي ويعشق فنون الدفاع…فارس يحب الفرسان يمتطي الفرس ولا يفضّل شيئا أكثر من فنجان من الفكر في شرفة من شرفات الفن…تفاحة نيوتن تلهمه..وتفاحة آدم لن تفتنه مجددا..لكنه مفتون…يرقص كبدوي في حفل زفاف…مندفع كطفل…ويرفل في فخر…لأنه كان معهم في الكهف…وكان في سرّ الكهف… ينظر بلهفة إلى الغرف…يحب صلاة الفجر..يتلو الزّخرف ويزخرف روحه بفنون شتى…الفاء فنان..إنه يكتفي بذلك…وإن حرف نازعه الشرف..يقرأ الفاتحة، ويكتب له كلمتين ويصمت: الفاروق، والفرقان.

مقالات ذات صلة

طفل وصورة
كان طفلا في مدرسة لها قسمان، سورها من شجر عال متكاثف له شوك أبيض طويل. يلبس صندلا من البلاستك ذي النتوءات التي كثيرا ما...
4 دقائق للقراءة
صوت لا يخبو ونبض لا يموت
وتبقى الكلمة…موقفا وروحا ونبضا لا يموت.كثيرا ما يُظلم الشعراء، وكثيرا ما تجد القصائد الجميلة نفسها سجينة في زمن يطغى فيه الابتذال وتسيطر عليه الرداءة.وكثيرا...
< 1 دقيقة للقراءة
لقاء مع العملاق
لقاء جديد مع العملاق، صديقي الفنان الكبير لطفي بوشناق، مناضل بالفن، مناصر للقضية، موغل في حب الوطن، وفي العروبة، وفي حب فلسطين.فنان من زمن...
< 1 دقيقة للقراءة
زيتونة
اجلس تحت شجرة زيتون اتنسم نسائمها البارده واتنعم بظلها الوارف واستمع لحفيف الريح على اغصانها يعلو كانه العاصفه ثم يخفت حتى لا يكاد يسمع...
< 1 دقيقة للقراءة
رسالة إلى الذين يعرفون أنفسهم
واجهت في حياتي أعداء كثرا.واجهتهم يافعا موهوبا، فكرهوه حسدا.وشابا قويا طموحا، فازدادوا كمدا.وأواجههم اليوم وقد بلغتُ أشدِّي، فلم يفز منهم أحد علي أبدا.صحيح أن...
2 دقائق للقراءة
في فلسفة الوجع
حياتنا قصة مكتوبة في لوح القدر، ونحن نقرؤها بتنفيذ ما فيها، ونتكشف كل يوم ورقة من ورقاتها، فصلا من فصولها، حدثا من احداثها…ونبقى في...
2 دقائق للقراءة
تحية لتلاميذي
تلاميذي هم أبنائي، نمور علمتهم ودربتهم ومنحتهم ثمار عذابات عمري وخلاصة شقاء سنوات التدريب القاسي والبلاء المر.وفي مدرستي يكون التعليم في الحال والمقال، في...
< 1 دقيقة للقراءة
في معنى كلمة مولى
ذكر أحد الأحبة عن كلمة “مولى”، أن المولى هو الله عز وجل، وليس الإنسان مولى لأحد.وهذا فهم ضمن معنى الربوبية الإلهية حصرا، لكن للألفاظ...
2 دقائق للقراءة
استقلال وشعر
الشعر استقلال للغة، وتحرر للمعاني، وتحرير للصور من استعمار النمط وسيطرة القوالب.وعبث جميل بحجارة الأفكار، وطيران باجنحة الخيال في آفاق الممكن والمستحيل.وبين العشرين واليوم...
< 1 دقيقة للقراءة
يابا العمدة
منذ الصبا كنت اتابع واحب المسلسلات المصرية، وكنت مغرما باللهجة الصعيدية، وبمشاهد بقيت راسخة في ذهني.ومن الشخصيات التي كنت احبها شخصية “العمدة”، ومشهد الغفير...
< 1 دقيقة للقراءة