كتاب حكايات الحروف (22): القاف

4 دقائق للقراءة

“كهيعص”…كلما قرأتها ومشيت مع من آيته أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويّا، أو من آيتها وآيته أن يكلم الناس في المهد صبيا، عليك أن تعلم أنه فخور على الهاء والياء والعين والصاد أنه أولهم ذكرا وأوفرهم حظا وفخرا…يشكر ربه ويكثر من الشكر…ويسلك سبل الشاكرين… وعندما ترتل من سورة تبارك أو الملك، فالكاف موجود أيضا…ولكن أعظم ما يفتخر به على بقية الحروف..مع حرف النون النوراني البهي…هو أنه سر أمر الذي أمْره بين الكاف والنون…كن…ويكون الشيء بعد أن كان عدم الشيء….الكاف يجهل الكيفية لكنه موقن أن مالك الملك شرّفه وكلّفه…
الكاف حرف ملكي…متمكن…وكتوم أيضا…لا يحب التكلف..يكتفي بما لديه…خذ عندك:
الحُكم…الحِكمة…الملكوت…الكون…الكوكب..الكائنات..التكوين…الكينونة…المكونات….التركيب…وصولا للكمال…
كيف تفكّر لو لم يوجد الفكر…وكيف كان الفكر لولا الكاف…لكن الكفر هجين ينكره صاحبنا..يطلب من الراء التي تكره دورها فيه أن تنسحب…سيكون الكف…كفّ يكفّ كفّا….أو كفّ اليد…أو الكُفء وأبواب الكفاءة والمكافئات…وحتى الكفن لا يثير في قلبه من الجزع والوجع ما يثيره الكفر..إلا أن يكون كفرا بالرداءة والميوعة والانسلاخ..أو كفرا بالتعصب الأعمى المريض…
الكنز….يبحث عنه الكاف في كينونة ذاته…وكوكبة فرسان تمضي..أو الركبان يسألهم ولهان عن تلك الساكنة بقلبه…السكن..سكينة روح أو جسم…والسكّين..سفاك دماء أو مسكّن جوع حين يكون بكف الطباخ…الأكل…الكاف من الزهاد…والسلوك..تهذيب وتشذيب وتزكية…الزكاة..فرضا أو رفضا لدناءة نفس..الكنه..باب آخر للكاف….والكلمة بوابته الكبرى…ففي البدء كانت الكلمة…كما قال المكلم في المهد..والله خلقه بكلمة وعذابه كلمة…أما كلماته فهي نور للعالمين…وهو مؤمن بكلمة الحق صادع بها لا يهاب…أما الكلمة الخبيثة فبريء من جلدها الافعواني ولونها الدموي القاتم او الزئبقي اللزج…
آدم مدين للكاف وللكلمات..لم تغن الأسماء كثيرا..أما الكلمات…تلقاها فتاب عليه …
الكاف بريء جدا…ونقي القلب..ملائكي…والملائكة تعرف من سره ما لا تدري اللغة المنطوقة في كوكب الفانين…فهنالك في ملكوت الله الأعلى للكاف مكانة قديس…يرتبط بملَك رحماني..وبملَك جبروتي..وبين ميكائيل ومالك…يبقى الكاف ملكا على الحروف وممتلكا لناصية الأضداد…وحين يلاقي زكريا..سيبكي معه على يحيى…أو يمضي إلى مملكة داوود…ولربما وقف يتأملهن وهن يقطعن أيديهن ويقلن: “إن هذا إلا ملك كريم”..أو نظر إليهم وهم يصرخون “إنا لمدركون”…ثم يشهد على قوة رب الملكوت وهو ينادي حين هلاك آمنت وقد أدركه الغرق…يسترسل في الإلغاز حين يرتل آيات التسبيح ويعلم أنهم لا يدركون تسبيحهم…يدرك جيدا أن الإدراك له حد…أما من يمقتهم فسيراهم يوما حيث مكانهم ومكانتهم في الدّرْك الأسفل. والدّرَك حرس أو شرطة..يشترط الكاف على الكلمات أن تحرس مملكة الحرف…وللكاف كرمه وكرامته وكراماته….فهو كاف الكريم سبحانه…والكاف حرف كبرياء..لكنه لا يحب التكبّر والكبر والاستكبار..ويمقت المستكبرين….وكلما كبُر أمر راعه كبّر…فالكاف يدرك سر التكبير ويعلم كيف يكون المدد إذا هتف المؤمن في الكرب أو الكر بحرب: الله أكبر.
المكان…رحب أو أضيق من الضيق..أنت وقلبك ومكانك…والأمكنة لها ذاكرة وملامح…والذاكرة لا تخون الكاف فهو يذكر كل شيء جيدا..الا ما يجب نسيانه حتما..
لكن…تلك كلمة تبهجه مرة إن رحلت لكن رجعت أو هجرت لكن حنّت…وتوجعه مرات إن أحبها لكن..أو كاد يفوز ولكن…
الكتاب…ما قدر رب الكلمات وما أخفى ..أو ما أنزل على رسله..أو حتى كتاب الكون وكتاب الجينات …كم كتبا في الملكوت يكتبها الخالق يكتبها الزمن ويكتبها الناس ورقيب يكتب وعتيد وغدا تأتي الكتب فمن اوتي كتابه بيمينه كان مع الكاف ونون النور…ومن كان كتابه بشماله كانت كافه هلاكا بعد كفران وشِرك….
الشِّرْك…الشَّرَكُ بكف الشيطان…كان شرا فجاءت الكاف وثبتته ليكون شرَكا لمرضى القلوب وشرا لا فكاك منه إلا بكن من رحمة وهدى..
المكر…لا يخفى عن الكاف وجوده…والكل…جمع من أضداد أو أنساق أو أعداد…والسمك…في بحر لجي أو نهر منساب..يعشق الكاف السمك ويكره الشبك…يشتبك مع الشين والباء ليخلص أسماكه تتقافز من فوق المركب..والمركب في ليل هادئ…يخشى العين مع الصاد وعاصفة تأتي بما يهلك أو يفتك..أو قرصانا يفتكّ شراع الحلم…
“كان” وعائلتها ..ودلالتها…والكاف مع “كان” و”يكون” و”ما هو كائن”…للكاف الحبكة والركح…وحكايات يحكيها…يتحرك دوما…والحركات يحبها..من غضن مع ريح إلى غيمة أو طفل أو حركات مقاتل في معبد…المحرّكات تصيبه بالغثيان..كان الكوكب أجمل قبل اختراع المحرّك…لم يقبل الكاف بالتكنولوجيا ولا اقتنع يوما بالتكتيك البشري…
وللكاف وجود حتمي إن كنت تُكلِّمك أو كان يكَلِّمك سواك…احذر أن يرقص مع اللام فيلْكُمك المتكلِّم معك أو يلهو بالإعراب فيَكْلِمَك…فَلَكَ فَلَكُ كافك ولها فُلْكُ كافها إن كنت المعني وكانت معنية..الكاف حضورك… ولا حضور لك في اللغة ولا تملك شيئا دون الكاف..
لا بيتك ولا مالك ولا حتى وجهك وقلبك..سيضحك الكاف إن قلت: كفك…مسكين هو الفاء..
الضحك….بهجة قلب الكاف…والكهف..مكان سره…والكهولة عمر نضجه…كهل لا يهرم…
والكاف كبير…وكثير جدا من أحلامه يكبر في قلبه يكثر في روحه يُكثر من سبك الأحلام…وسبائك الذهب لا تثيره ولا الصكوك البنكية…له مكتب في مدينة الكلمات يستقبل فيه معجبيه…وله تمكين وتمكن..وكيمياء…
كيمياء الكاف نسيج من أنساق الحرف وتركيب الإعراب: السُّكْر…يغلق الكاف عينيه ويسكر بالكلمات العذبة..والسُكَّر..يشتد بقلب الكاف حنينه للكلمات الأولى وأعذب ما في الحب…أو كأس القهوة… السِّرك…بهلواني يتشقلب وساحر يخرج من كميه حماما…الكَسر…..شقلبة للكاف مع السين…… كسرا للأعداد أو الأغصان..أو كسرة خبز لفقير جائع..أو كسرى وكنوزه والترف الفاني…الكره، الكُرَة، الكَرَّة/ الكَمُّ، الكُمُّ/ الكَلْمُ الكَلِم/ الشَّرَكُ، الشِّرْكُ/ الفلَكُ، الفُلْكُ، /المَلَكُ، المَلِكُ، المُلْكُ./السكْبُ، لكسبُ، السَّبكُ/ “كيْ” و”كيّ”..افهم أن الكيَّ هو آخر طب الكاف…كيْ تشفى…فكِّكْ أسراره إن شئت واحم فكَّك من فتكه، كفّك من فكّ التمساح اللغوي، وفُكّ اللغز أو افتك التاج لتصبح ملك الكلمات المرتبكة: البَرَكَةُ…تقنتع الباء بفتحتها والراء مع الكاف..فتح كامل..فليتبارك رب البركات..والبِِرْكَةُ..تنكسر الباء وتنغلق الراء ولكن الكاف يرابط في فتح الباب..فلعلك تنجو من بِركة وهم…
الملَكَةُ…موهبة أو قدرة…والملِكَةُ…مولاة التاج وتحتاج لملَكَة الروعة كي تحكم ملكا مملوكا للحب ينام كطفل في حضن ملِكة من عطر…
شبّه عينيها بالبحر أو الواحة..أو وجهها بالقمر الطالع في أفق العشق.. عليك بفن الكاف لتتمكن…وسيان إن قلت أنت كالقمر أو أنت القمر..فالكاف حاضر في التشبيه ولو تآمر عليه النحاة..ضمنيا تعنيه..الكاف يكابر دوما…
وللكاف مكانته في مملكة الكلمات..
أمكنة…إمكانات…
كيان وتكوّن…
والكاف عريق أيضا..جبلي عال…
فالكاف: اسم مدينة….

مقالات ذات صلة

طفل وصورة
كان طفلا في مدرسة لها قسمان، سورها من شجر عال متكاثف له شوك أبيض طويل. يلبس صندلا من البلاستك ذي النتوءات التي كثيرا ما...
4 دقائق للقراءة
صوت لا يخبو ونبض لا يموت
وتبقى الكلمة…موقفا وروحا ونبضا لا يموت.كثيرا ما يُظلم الشعراء، وكثيرا ما تجد القصائد الجميلة نفسها سجينة في زمن يطغى فيه الابتذال وتسيطر عليه الرداءة.وكثيرا...
< 1 دقيقة للقراءة
لقاء مع العملاق
لقاء جديد مع العملاق، صديقي الفنان الكبير لطفي بوشناق، مناضل بالفن، مناصر للقضية، موغل في حب الوطن، وفي العروبة، وفي حب فلسطين.فنان من زمن...
< 1 دقيقة للقراءة
زيتونة
اجلس تحت شجرة زيتون اتنسم نسائمها البارده واتنعم بظلها الوارف واستمع لحفيف الريح على اغصانها يعلو كانه العاصفه ثم يخفت حتى لا يكاد يسمع...
< 1 دقيقة للقراءة
رسالة إلى الذين يعرفون أنفسهم
واجهت في حياتي أعداء كثرا.واجهتهم يافعا موهوبا، فكرهوه حسدا.وشابا قويا طموحا، فازدادوا كمدا.وأواجههم اليوم وقد بلغتُ أشدِّي، فلم يفز منهم أحد علي أبدا.صحيح أن...
2 دقائق للقراءة
في فلسفة الوجع
حياتنا قصة مكتوبة في لوح القدر، ونحن نقرؤها بتنفيذ ما فيها، ونتكشف كل يوم ورقة من ورقاتها، فصلا من فصولها، حدثا من احداثها…ونبقى في...
2 دقائق للقراءة
تحية لتلاميذي
تلاميذي هم أبنائي، نمور علمتهم ودربتهم ومنحتهم ثمار عذابات عمري وخلاصة شقاء سنوات التدريب القاسي والبلاء المر.وفي مدرستي يكون التعليم في الحال والمقال، في...
< 1 دقيقة للقراءة
في معنى كلمة مولى
ذكر أحد الأحبة عن كلمة “مولى”، أن المولى هو الله عز وجل، وليس الإنسان مولى لأحد.وهذا فهم ضمن معنى الربوبية الإلهية حصرا، لكن للألفاظ...
2 دقائق للقراءة
استقلال وشعر
الشعر استقلال للغة، وتحرر للمعاني، وتحرير للصور من استعمار النمط وسيطرة القوالب.وعبث جميل بحجارة الأفكار، وطيران باجنحة الخيال في آفاق الممكن والمستحيل.وبين العشرين واليوم...
< 1 دقيقة للقراءة
يابا العمدة
منذ الصبا كنت اتابع واحب المسلسلات المصرية، وكنت مغرما باللهجة الصعيدية، وبمشاهد بقيت راسخة في ذهني.ومن الشخصيات التي كنت احبها شخصية “العمدة”، ومشهد الغفير...
< 1 دقيقة للقراءة