3 دقائق للقراءة
إن أردت أن تسهر الليل، أو تركب الخيل، أو تنجو من الويل. أو شئت أن تجد الدليل، وتبصر السبيل، وتشفي الغليل. وتجد دواء للعليل. أو حرّك أشواقك الصهيل للغزو والصليل. أو رمت رياض الجمال وحياض الكمال. أو ألح عليك السؤال، عن صبر الجمال ومعادن الرجال. أو قصدت أن تعبد ربّك ذا الجلال. أو تكلمت في المعقول والمنقول، وسألت عن الرسالة والرسول، أو هممت بالتدبّر فيما تقول، فعليك بشيخ الحروف الهمام، وإمام الخطباء في محراب الكلام، مولانا “اللام”.
اللام يبتسم لي وينظر إلي ويحنو كأب علي، وأنا أدبّج له هذه المقدمة المسجوعة المرصوعة. لكنني لم أكن أمدحه بما ليس فيه، فاللام حقا شيخ الحروف.
خذ لامَك وجادل من لامَك، فهل يمكن التعريف دونه، إنه حضن يضم كل كلمة وكل شيء، لأنه يستمد سرّه في الـ…كون والـ…أرض والــ..أشياء…من الله….
الله سبحانه الذي ليس كمثله شيء…للام شرف في مقام الألوهية لا يدانيه فيه حرف.
“لـم” و”لــن” تقدر على تجاوز جزمه وحزمه وعزمه. و”لا” يمكن لك أن تنفي قدره.
اللام شامخ شموخ النخل، رجولي جدا، فلـماذا الجدل؟؟؟
كل السبل التي تمشيها رجلك..وأيامك وأجلك…فاعلم أن الرجل والأجل منضويان في مقام اللام. إنه الضم والشمول.
كُل…قُل…جُل…صُل…حُل..ولا تقبل بـ..ذُل…كلما اجتمع بحرف إلا وحتم معناه وكنهه وختم معنى الكلمة.
كي نكمل رحلتنا معه، علينا ان نفهم كنه الرحيل، وأن ندرك ما الممكن وما المستحيل. وحين يقف أمامنا المحال، علينا أن ندرك أن اللام لا تعييه الحيل.
ما تراه المقَل كثير، وما يخفيه المقبل أكثر. المستقبل مخفي في أكناف اللام: لام الله العلاّم.
العلم…كون لاميّ، عينه عرفان ومعنى ومعاينة وميم مشاهدة ومعرفة. أما اللام فكلّه وملكُه وملكَاته.
العمل…عرف العين مكانه قرب الميم. ولم يكتف اللام بالكسل، إنه يعمل في كل كلمة.
اللام وليّ ، ملهم، ملكي القلب، والقلب شملته كرامات اللام، بين قاف القداسة وباء الباب ولام الكمال والجمال والجلال. القلب مملكة مقدسة، وبابا لكل الحب والخير، شاملا كاملا جميلا، إلا أن تسكنه الظلمة، فتكون قافه قسوة وباؤُه بؤسا، ولامه لاشيء: قلب فارغ ميت لا نور فيه.
إن أردت الرقي عليك بسلّم. وإن أردت الشفاء عليك ببلسم. وإن استفتحت فعليك بالبسلمة.
السلام، راية اللام وغايته. والإسلام، دينه منذ كان لغة سكان الجنة الأولين. واللام أوّل في برازخ الكلِم الطيّب.
جبل، تلك رفعة للّام. نخل، ذلك شموخ للّام. رجولة، ذاك موقف للاّم.
سيتقاسم مع السين والباء والتاء “السنبلة”، لكنه الأولى بها. ولسوف يحلّ لك المسألة. إنه بارع في حلّ المسائل وتحبير الرسائل. أما إن قرأت الملحمة، فاعلم أنه يتعشّق الملاحم. ويحب ما تناقلته الأجيال.
اللحم…ما يكسو عظامك أو ما يخطر في بال جائع لم يذق لحما منذ حول. والحَوْلُ: عاما أو قوة. أما إن كسرت الحاء أو فتحت الواو فتحمّل مسؤوليتك أمام اللغة.
البال والخيال: رفرفة للأفكار، وخواطر. لكن للام ما لم يخطر ببال ولم يطف بخيال. إنه مقام له في عالم المثال. المَثَل: عبرة وحكمة، فاللام حكيم. والمِثْل: نظير وشبيه. يحب اللام اللغة حين تتزين بالجناس.
اللغة: قولا ومقالا. واللثغة: تغضب اللغة منها لكن اللام لا يكترث كثيرا مثلما يفعل السين والراء. اللسان: ما تحرّك في فمك حين تنطق أو منطوقك ومنطوق قومك ولسانهم. أو لسان حالك وبيانه وترجمانه. والحال: ما أنت عليه. أو احتكرته اللغة. وحتى حال الصوفي والمشتاق والهائم. والحيْل: قدرة. والحِيل: ذكاء ومكرا. عليك أن تنظر إلى كليلة ودمنة المحتال.
اللام شاعر، عليك أن تصدق، وعاشق أيضا، أم أنك لم تسمع بمجنون ليلى، ولا بقصائد الأخيلية وعشقها، أو بلامية امرئ القيس. والوقوف على ذلك الطلل. وهو حين يتناغم مع السين والميم يرقصون في حال عشقي وهم يقرؤون: سل ما لسلمى بنار الهجر تكويني.
ماء اللام زلال، وغضبه زلزال. تناغمه مع الزاي زلالي ليس فيه زلّة ولا تعقبه زلزلة. لازال ولا اكتنفه الزوال، ومازال يلازم أول منزل. نزوله في أعماق المعاني ومنزلته في أعالي الكلمات. فهو في لام التنزيل. وفي لام جبريل وإسرافيل وميكال. وفي لام الجليل سبحانه.
التحلي والتخلي، اللام يحب أهل الله ويقرأ للجيلاني ولمولانا جلال الدين.
قابيل وهابيل، قصة توجعه، والنبي إسرائيل يحبّه، لكنه يمقت دولة سميت باسمه، إنها لعنة بحق، لكن ليس في كتاب اللام لعنة، حتى لو كانت لعنة الفراعنة، ولا لإبليس مكان. ولا يسأل الكلمات إلحافا. يلتحف بنُبله. ويرمي بنَبله عمق الدلالات. يحب الألسنية والدال والمدلول. أجمل السور في قلبه النحل والنمل، ويفتخر بأنه في كلام المؤمنين حوقلة وتهليلا وبسملة. لكنك إن نظرت مليا إلى قلب اللام فستجده يصلّي في محراب الكلمات الأولى، وستجد على صدره وسامه الأغلى ومقامه الأعلى وبرهانه الأجلى: لا إله إلا الله .