3 دقائق للقراءة
لا تمت. الوقت لم يفت. اصمت. من أين يأتي الصوت.
هذا الحرف يحب التمثيل والكتابة. قضى الدهر متنقلا بين صفحات الكتب وخشبات مسرح الحياة. وفي ذاكرته مئات المشاهد: ورقة التوت وشجرة التفاح. سفينة نوح وأرض ملأها الغرقى الأموات. يونس في بطن الحوت. موسى في التابوت. عصا تهتز كأنها جان. داوود يقتل جالوت. نبي في الغار وخيوط العنكبوت….
التاء حرف ساحر، تعلم السحر من هاروت ماروت، وتعلم صنع التمائم وتمتمة الكهنوت. لكنّه حين نظر في المرأة فضل التروي وكتب الروايات وحكى الحكايات. ربما أنك تلقاه الملهاة وفي المأساة وفي أغرب الحالات وأغلب الأوقات.
التاء أبو البنات، ارتبط بالأنثى ارتباطا وثيقا، وبالجمع المؤنث، يتخاصم مع الثاء دائما في الشؤون الأنثوية. لكنه أيضا الرجولي القوي، حرف الثبات، وصلابة الذات. وله مع الصحف الأولى كرامات. فهو في التوراة. وفي المعجزات. وله في القرآن مقام، حين تتلو الآيات وتنظر في البيّنات.
أما الحكمة فهي للتاء، وحين تحدّثه عن الفلسفة يلقي عليك محاضرات كثيرة عن التفلسف والتساؤل والتفاعل وعن كل ما يستدعيه ويثبت قيمته التائية. ولا يستغني أهل الإيمان عن خدماته في التفكّر والتدبّر والتمعّن. ولا لسامع له عن غنى في الإنصات. أما التنصّت فهو موهبة استخبارتية يتقنها، ويتفنن في لعب دور رأفت الهجان. فتبرز قدرته على التخفي. فهو كثيرا ما يختفي أو يتقمص حرف الهاء في القصائد وفي الكلمات: مثل الحرية، والبرّيّة. والبراءة، فإنك ستجده ينزع نقطتيه ليكون هاء ولتقرأ: الحريّهْ، والبريّه. والبراءه. وهو بهلواني في الحركات. ومنساب في النغمات. رقيق كالنسمات. ومتعدد تعدد الكلمات. وكثير المواهب والقدرات.
اللغة لا تستغني عنه، في تركيبها الحرفي ولا في نسيجها، وهي تحرض على إرضائه دائما، أو تلغى أفعالها ويسوء حالها، كيف تقول جئت أو تقول عن تلك التي تنتظرها دهرا وما أتت: جاءت. أو تتحدث عنك بفخر فتقول كتبت وتصورت ودرست وبحثت وسافرت وعشقت..كيف تفعل كل ذلك لو لم يوجد السيد تاء.
أما حياتك فهي متصلة به، كيف تظن أنك تعيش إذا لم تـ…تـ..نفّس. انظر كم تاء في أنفاسك؟؟؟
وفي الطبيعة من حولك، تأمّل الأشياء التي تــتــآكل، تــتــناغم، تــتـــفاعل. والمخلوقات التي تــتـــكاثر، تــتـــوالد، تــتـــنـاسل.
تأمل الأغصان كيف تتـمايل، وانظر إلى الأمواج كيف تتـلاطم…إلى العناصر والمشاعر والأفكار والأمم كيف تتـصارع. إليك كيف تتـعامل، وتتـفائل..وكيف تتـألّم وتتذكّر…أليس التاء مدمجا فيك وفي كل شيء من حولك وفي كل حركة وسكنة…كأن هاء التخلل مع نقطة النور والنون ونقطة أخرى ثبتت النور والتخلل فكان التاء شاملا مندغما، راسخا رسوخ قلب المؤمن في الملمات وفي اليسر والكربات.
السحب التي تمر من حولك هي المُعصرات. ونومك هو السبات. والتي تعشقها فتاة. والبراهين إثبات. كل هذا للتاء فيه روح وحياة.
وفي الكون من المكونات إلى الجزئيات، ومن الذرات إلى المجرات، وفي الأرض وما فيها من جبال راسيات وجاريات في البحر ورياح عاصفات وسحب عابرات ومحيطات وقارات. وفي السماوات وفي السماوات. التاء تثبيت للكنه وثبات للموجودات.
جدّك آدم، أتراه يستغني عن التاء، وهو مخلوق من تراب؟
أمّاشأنه مع النبي فشأن عظيم، أليس هو أشرف الكائنات والرحمة المهداة؟
حرف التاء رباني أيضا، أليس الله عظيم الذات عظيم الصفات. بغافر السيئات، ومقيل العثرات، وباعث الأموات. ومثيب من عمل الصالحات. بالغرفات والجنات. وقابل توبة من تاب، ومنزل الكتاب. وهو صاحب الملكوت والجبروت الحي الذي لا يموت.
أما أفضل الآيات عند التاء فيما أنزل المتين التوّاب، فإنها آية بينت شرفه وقدره وأنصفت بناته وأرضت ذاته: ” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)”.