4 دقائق للقراءة
قيل أنه انصهار بين متانة التاء ونورانية النون، لذا عليك بالتريث وأنت تبحث في خزائنه، فهو البحّاثة الباحث دوما، وهو صاحب البحوث، والمباحث أيضا، احذر أن يعتقلك…وبعد مباحثات طويلة معه، قرر أن يمنحني لقاء سريعا، فأهلا بكم مع فخامة “الثاء”.
لا وقت عنده للعبث، والبعث يبعث في قلبه بواعث الخشية، وينبعث في روحه الحنين كلما تذكّر البعثة والمبعوث رحمة للعالمين، لكنّه يدعو الله أن لا ينبعث أشقاها مرة أخرى يتعاطى فيعقر، وينظر إلى الأخ يبكي أخاه حتى بعث الله غرابا يبحث في الأرض، فيتعوّذ بالله من العائثين في الأرض فسادا.
الباعث على كتابة هذه الكلمات عن الثاء ليس مجرد الثرثرة، ولكن لأنه الثري، شعرا او نثرا، يحبذ الثاء النثر، وهو الأثري أيضا، يعشق الآثار ويمقت تهريبها. ويقتفي الأثر جيدا. طموحه في الثريّا ولئن قيدته أيدي الثرى. وهو صاحب الثروة الوريث لكنوز اللغة، ومن ميراث الكلمات آثر المثالية ونحت لها التماثيل، وورث الأمثل، وضرب الأمثال، ومثّل مئات الأدوار. مِثل دوره في تمثيليات الألثغ، حيث أصبح بطلا رغم غضب أقرانه من الحروف الذين كانوا ضحايا اللثغة:السين، مسكين وحزين، والألثغ يحكي عن يوم الثبت واللباث والثّمك. يريد السين أن يسترد سبته ولباسه وسمكه. لكن الثاء لا يكترث بامتعاضه. وينضم إليه الشين وهو يرفع لافتات الرفض، إنها مجزرة الألثغ في كلماته: يمثي، يكتثف، يقف الشين مترجما للحروف: يقصد يمشي ويكتشف. اما الصاد فانه يفقد الصبر كلما قال ألثغ: الثّبر.
وبالحديث عن الثبر، من ثَبَرَهُ يَثْبُرُه ثَبْراً وثَبْرَةً، صدّه ومنعه وردّه، فإن الويل والثبور لمن تحدى الثاء. فهو الليث الغنضفر والبطل المثابر، سيأخذ الثأر ويجمع الثوار ويشعل الثورة تلو الثورة، لكنه ليس بحماقة الثور أمام اللون الأحمر.
رغم ما قد يبدو من ثورته، فإنه صاحب إيثار ومآثر، وتأثر سريع أيضا، بل قد يعجب قلبك من رقة الثاء، إنه ثاء الأنوثة والرقة في كل أنثى. ومع كل الجرائم الأنثوية في قلوب العشاق، يظل الثاء متمسكا بمطلبه: لماذا يقال تاء التأنيث ولا يقال ثاء التأنيث، أليس هو بالإناث أَوْلى؟
مكتبة الثاء بمؤثثة بكل جميل. أثاثه كل رقيق وراق. لم يؤثر على أصالته وبساطته المؤثرات وخدع السينما. يحب المأثور من الحكم ومآثر العرب.
ليث، يضطرب السين يضنني ألثغ وأعني ليس، بل قصدت الليوث والأسود ملوك الغابة، أو ضرب من العناكب. أو الأليث الشجاع اللسن. والمِليَث الشديد القوي…عليك أن تنتبه جيدا لكلّ حركة، لأن المُليّث هو البطيء السمين، وهو غير معترف به في كوكب الثاء. يكفيه الليث، والثاء محب جدا لعلم الليث بن سعد، ولطنّه حذر في مقام الياء والباء، فليث ليست كلوث، وإن حمل اللوث معنى الطيّ والليّ، فإن اللوثات العقلية والتلوث الذي يفترس الأرض يصيبه بالغثيان. ولا يسلم كل مرة من لوثاء ملوّثة وألوث أثول (أحمق جبان).
كثيرة هي حكايات الثاء، كثرة متعبة، ولكنّك ستطمئن بجلوسك معه في واحة تنظران إلى الكثبان وتقرآن من شعر كٌثير عزّة أو تسترجعان من سيرة ابن كَثير. الثاء مكثار للقراءة مُكثر للتدبّر. يحب سورة الكوثر، ولا يلهيه التكاثر. ويبتهج حين حدثته عن مدينة في بلادي اسمها “مَكثر”.
يثرب، لم يغضب حين تسمّت المدينة، يبقى له شرف السبق. يمكث في مكانه. ربّما حمله الحنين إلى المحراث، سيحرث الأرض ويحثّ الخطى نحو الأيام الأجمل، لا يحب الجرارات كثيرا. يتحدّث عن الحداثة بحذر. ما يحدث يخنقه. كل شيء مبعثر في هذا العصر الحديث. رغم أنه حداثي جدا حين يتعلّق الأمر بأحدث الإبداعات والابتكارات. يحدّثك حديث ذي صدق. لم يغمض عينه عن المحدثات. حدَث أنه غضب كثيرا، من كلمة لم يقبل بها يوما: الخبث. يمقت الثاء كلما خبيث.
والمخنّث أيضا. كيف لحرف الثورة أن يقبل بالمخنّثين. أو يرتضي الخبائث.
ثانية عليّ أن أذكّرك مقامه. في كل ثانية من الثواني اعلم أنه يتثنّى طربا. لا يثنيه عن عزمه شيء. يحدّثك بفخر عن المثنّى وبطولاته. كيف يجهل الثاء بطولات الصحابي المثنى بن حارثة. ولا هو يجهل المثنى، ثاني أكبر محافظات العراق. وكلاهما جريح: المثنّى والمثنّى.
قرأ من كلام الشنفرى ما أبهجه: ثلاثةٌ أصحابٌ: فؤادٌ مُشَيَّعٌ = وأبيضُ إِصْلِيتٌ وصفراءُ عَيْطَلُ
وكلما حدثوه عن النبي وكلامه ابتسم، فلكم كان إذا قال كلمة كررها ثلاثا. ويفخر بقوله للصديق في الغار: ما ظنّك باثنين الله ثالثهما. ولا يشغله السؤال إن كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم.أما التثليث فهو بريء منه. فليس الله بثالث ثلاثة. وللثاء عشق للبوزجاني وعلم المثلثات. لكنّه يصمت حين تسأله عن مثلث برمودا. للثاء أسراره أيضا.
الثاء مثقّف جدا ومؤمن بالثقافة. له قصص مع قبيلة ثقيف، لكنه بريء من جرائم الحجاج الثقفي. إنه ثقف لقف رام راو، كما قالت العرب عن الحاذق العارف. قد ثقٌف وثقِف (حذق وظفر، أو فطن وحذف).
ثبت عن الثاء ثباته في الملمات وثبوته في المهمات. فهو الثبْت الثبيت الثابت. ارتدى ثوبه ومضى إلى ثواب ثباته. ثبّته الله على الحق فذكر زيدا بن ثابت في مؤتة. للثاء مع التاء مواقف أثابتهما عنها اللغة. ومن أثواب كلماته المزدانة، أحب الثاء ثوبان وحبّه للحبيب. والثعبان الذي أرعب فرعون تشكّلا من عصا موسى. ومثوبة من الله خير.
في ثنايا الثاء قصص كثيرة، أجملها: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع. وثمانية يحملون عرش الوارث الباعث. وثمار في معكتف مريم يسأل عن سرها زكريا فتقول من عنده الله.
ولكم يخاف ثمرة نهى الله عنها آدم لكنّه عصى وأكلها. مثمر قلب الثاء بالخير غيثا وغوثا.
وكثيف مدده في برازخ الكلمات. لكنّه رغم وقاره ومهابته، لا يخلو من دعابة وابتسام، فكّر في مكر الثعلب.