2 دقائق للقراءة
يقف الناس يوم القيامة صفا، ويقف الجن فيُزيّل الله بين الثقلين يرى بعضهم بعضا عيانا.
ثم يكشف الشياطين وسكان العوالم أجمعين.
والملائكة من حولهم واقفون.
ثم يوضع كتاب فيه تفصيل كل شيء، ونسخا لكل شيء.
فهل لك أن تتصور انعكاس حياة كل فرد من الواقفين في المحشر على مشهد الكتاب الذي لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا وأحصاها.
وهل تظنه كتابا كالذي تقرأ منه قصة وخبرا، خطوطا وكلمات لا ترى العين محتواها بل هي متروكة لخيال كل قارئ وتصوره، تختلف باختلاف خيال قارئها، وتُحدّ بحدود اللغة وتُسجن في سجن العبارة، وأمامك كتاب تشاهد فيه مشاهد صورية تتحرك هي نسخ من حركة حدثت حقيقة وتم تصويرها، ليس فيها مجال التصور بل هي مجال الصورة.
فهل البشر أقدر من الله؟
وهل يري كتاب الخط مثقال ذرة مما عملوا، أم أن كتاب الله أعظم من كتاب آلة الصورة عند بني آدم في عصرك اليوم.
وهل ينسخ كتاب الخط من الحركة والواقع شيئا، وملائكة الله يستنسخون ما تعملون.
فهل ينسخونها مخطوطا أم مصورا موثّقا طباقا.
شاهد وثائقيا واقرأ كتاب تاريخ: أيهما أجلى وأقرب إلى عين اليقين.
فهل يوم القيامة يرى الناس أعمالهم تصورا أم يرون ذلك عين يقين.
وهل المقام مقام تصوّر أم مقام تحقق ومشاهدة.
وهل الدليل الموثق خطّا أقوى من الدليل الموثّق صورة وصوتا ومشهدا.
فهل جهل نبيك ذلك، كلا، إنما خاطبهم على قدر عقولهم، فلم يكن التوثيق الصوري ممكنا في زمنه، بل كان فقط توثيق الرواية ثم صار توثيق الخط والسيرة.
إن تمكين الله لبني آدم من توثيق الصورة تمكين لسر عظيم، حتى صارت آلة الصورة في كل شارع ومكان، توثّق عينها كل مشهد، فإذا ما كانت نازلة أو قضية أتوا بها لتشهد، فيرى الجاني جنايته طباقا، فلا مناص له.
وإنك تقرأ عن فرعون فتتصوره، ويتصوره سواك على غير ما تصورته، وتقرأ عينك الحرب العالمية فترى زعماءها صورة وحقيقة لا تختلف فيها مع غيرك، فالكل ناظر لنفس الكتاب قارئ لنفس المحتوى دون تخيل واختلاف.
فما الذي يفعله الرقيب العتيد من توثيق حياتك. فهل لك أن تتصور الكتاب المرقوم، وأمامك الكتاب الرقمي اليوم.
لك في هذا جلاء ذاك، وذاك أدق وأعظم، وما عندكم دليل عليه.
15/9/2018