3 دقائق للقراءة
بعد موجة ردود الأفعال حول تصريحات رئيس الدولة التونسية عن التساوي في الميراث بين الرجل والمرأة، وزواج التونسية المسلمة من غير المسلم، وهي مسائل لها نصوص قطعية باتة في القرآن الكريم والتشريع الإسلامي، وفصل فيها أهل العلم والفقهاء تفصيلا وتحليلا وتعليلا. ولأن الأمر أكبر من هذه التفاصيل في عمقه ومشهده الكامل ويتعلق بعلاقة الإسلام كدين بالعالم والحياة وبالبلاد التونسية (بلاد الزيتونة والعلماء الربانيين عبر تاريخها) وكل بلدان العالم إذ أن الإسلام متشر في كامل المعمورة فلا يخلو بلد من وجود مسلمين فيه، فإني أحب أن أبين موقفي من هذه المسألة وما حولها وما بعدها.
سيكون كلامي هنا مختزلا مختصرا، مركزا بالأساس على البلاد التونسية (بلادي ووطني)، رغم أن العالم العربي معني بهذا الأمر، وكل مسلم معني به، فليست تلك التصريحات سوى ورقة من كتاب تمت كتابته من قبل ويتم تطبيقه وتحقيقه في خطوات يبدو بعضها متناقضا كتناقض تأسيس تنظيم داعش الإرهابي وانتشار الشذوذ تحت مسمى “المثلية”، ولكن من ينظر نظرة شاملة يرى كل ذلك حركات بيادق على رقعة شطرنج واحدة ضمن خطة واحدة.
فيما يخص تونس هنالك أسئلة يجب طرحها:
هل البلاد التونسية بلاد مسلمة؟
وهل أن الدولة التونسية دولة مسلمة أم هي دولة مدنية وكفى، فيها شعب مسلم؟
هنا لابد من نظر في التاريخ أولا، وفي الدستور ثانيا، وحين ننفي عن هذه البلاد الدين الإسلامي يجب أن نغير التاريخ ونعدّل الدستور فتكون البلاد لا دينية ويكون الشعب كما يكون فلا قيمة لمعتقده أمام سلطة القانون والمدنية والعولمة ومبادئ النظام العالمي واللائكية الشرسة.
تعديل الدستور أمر ممكن، لكن هل يمكن حقا أن نغير التاريخ؟
ولو سلّمنا أن البلاد مسلمة بشعب أغلبه مسلم (وهي الحقيقة)، فهل الإسلام وتشريعه والقرآن وما فيه: لتنظيم الحياة المدنية والمساهمة في تشريعات الدولة كأصل وجوهر، أم هو فقط للروحانيات والتعبد كما يردد البعض ولا علاقة له بالحياة مطلقا أو بالدولة وقوانينها؟
وحينها يرد سؤال آخر: من أين إذا نستمد التشريعات: من القانون الدولي مثلا أو القانون الفرنسي؟
فكيف وكل تلك القوانين جوهرها وأصلها من الفقه الإسلامي ويمكن لمن أراد أن يراجع ويقرأ التاريخ ويجهد نفسه قليلا ليعرف.
إن روح القانون وجوهر التشريع السعي للمصلحة العيا للدولة وللناس معا، وحماية المواطنين وضمان حقوقهم وبيان واجباتهم، والخير والصلاح، هذا معطى إنساني مشترك، ضمن الفلسفات والحركات الاجتماعية والاصلاحية كلها عبر التاريخ، والحق العقائدي والديني من أهم تلك الحقوق.
ضمن الدولة المدنية ثمة نهجان متوازيان يلتقيان أو يندمجان أو لا يلتقيان حسب الرؤية وفسلفة التشريع: البعد العقائدي الديني، والبعد القانوني المدني.
مثلا: زواج المسلمة من غير المسلم: في التشريع الإسلامي وما أجمع عليه الفقهاء ضمن نصوص قطعية الدلالة هو أمر محرّم.
ولكن الزواج عامة مسألة ذاتية اعتبارية تندرج ضمن بند الحريات الشخصية وفق منظور الدولة المدنية الغربية والتي وصلت إلى منح الشواذ حق الزواج حتى أن رئيس حكومة دولة أوروبية تزوج من صديقه بحضور رئيس دولة أخرى. وحين يتم تطبيق بند حرية الضمير في الدستور التونسي يجوز حينها وفق تلك الرؤية أن تتزوج من تريد ممن تريد، والأكيد أن السعي حثيث في الفصول القادمة لزواج الشواذ بشكل معترف به قانونيا بما أن أمرهم صار ضمن الخطة العالمية ذا أولوية كبرى وكأن مصير الكوكب متعلق به، وتجند له جمعيات وتمويلات وأفلام وقنوات ومواقع.
ثمة فرق أيضا بين حركة ذاتية يقوم بها مواطن معين تحت سقف القانون، أو خارجه، وبين التشريع للدولة كلها، فزواج فتاة ممن تحب أمر يعنيها وحدها، ضمن حقها وحريتها، ولكن ذلك لا يعني ان تشرّع الدولة لما هو ضد شريعة الدين التي يقول دستورها أنه دينها، أو يجب عليها أن تلغي أي رابط بينها وبين ذلك الدين وتتحمل ويتحمل مسؤولوها أثر ذلك شعبيا وتاريخيا، وحين تريد فتاة مسلمة الزواج من غير المسلم وهي مقتنعة فلها أن تفعل ما تريد من باب الحق الذاتي وحرية الضمير حسب المصطلح الوارد في الدستور، ولكن لا يعني ذلك أن يتم تغيير التشريع الاسلامي من أجلها، أو جعل قانون الدولة يتصادم مع الشريعة.
هي مسألة على غاية الدقة، وليست أمرا عابرا يمكن التلاعب به.
عندما كنا صغارا، كان الفلاح يزرع القمح والشعير وسواها، ومن نفس البذور يزرع العام الموالي، فكيف تم التلاعب بذلك الفلاح وسلبه بذوره النقية، وتزويده ببذور مخصية معدّلة يزرعها هذا العام ولا يمكنه أن يزرع من نتاجها العام الموالي بل ينبغي أن يشتري مجددا من العم سام وحلفائه.
ذات الأمر يتم اليوم: بذور الدين التي زرعها السابقون لأك