3 دقائق للقراءة
تعتبر القوانين أسسا لحماية الدولة والمجتمع وتنظيم الحياة العامة وتحديد الحقوق والواجبات وحفظ الأمن والنظام.
ولكل أمر حكمه وحكمة ذلك الحكم.
ومعلوم أن أنفس البشر في نوازع للشر، وأن المجتمعات تمرض كما يمرض الأفراد، وأن الشخصيات الإجرامية تبحث عمّا يغذيها، ولعل من أهم ما يغذي المرض الإجرامي نفسيا واجتماعيا شعور المجرم بالأمان، وهذا حين تضعف الدولة، وحين يستشري الفساد، وحين تكون القوانين فاقدة للنجاعة، ولا تكون الأحكام القضائية صارمة، وموقف الحاكم حازما، حتى يرتدع من يريد اقتراف الجريمة، ويخشى من تسول له نفسه فعل عمل إجرامي. وهذا لا يعني نهاية الجريمة ولكنه يعني الحد منها بشكل كبير.
وحكم الإعدام من الأحكام القديمة في ما استنبط البشر من قوانين، فقانون حمورابي احتوى على هذا الحكم، وكذلك الشرائع السماوية تحت بند: ﴿وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ ﴾ [البقرة ١٧٩].
وحين يقترف مجرم جريمة قتل مخطط لها عن سبق إضمار وترصد، وينكّل بمن قتله، سواء ضمن العمل الإرهابي أو ضمن الجرائم المجتمعية، كما يحدث بشكل متتابع هذه الأيام في تونس، أو يغتصب فتاة أو طفلا ثم يقتله شر قتلة (كما حدث في المغرب مؤخرا وفي تونس كذلك). فإن من المسائل التي تقوي نزعة الإجرام وصوت الشر الداخلي هي الشعور بالأمان رغم الجريمة، فأقصى ما سيصيبه سجن مؤبد يعيش فيه في مأكل ومشرب من نفقة الدولة وأموال الشعب، ولعله يظفر بعفو تشريعي كما حدث لعدد كبير من الإرهابيين والمجرمين والمغتصبين والمعتدين بعد ثورة الزيزفون.
ولو أن مجرما فعل فعلته فتم إعدامه بعد ثبوت إدانته لارتدع الكثيرون بعد ذلك.
ومن يقول: دول لا يطبّق في الإعدام ومستوى الجريمة منخفض: نقول له إن ذلك لا يرجع لعدم تطبيق حكم الإعدام بل للعدالة الإجتماعية والإحاطة النفسية وأمل الحياة ونشر القيم ونجاح الدولة في احتضان أبنائها وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ومن يقول: الولايات المتحدة تطبق حكم الإعدام والجريمة منتشرة فيها.
نقول له: هي قامت على القتل منذ تم قتل أكثر عشرة ملايين من الهنود الحمر ومثلهم من الأفارقة، وقتل جورج فلويد على مرأى من العالم كله ببرود دم من قبل شرطي أبيض متعصب خنقه تحت رجله حتى الموت تبين مرض المجتمع الأمريكي واستفحال حالته المرضية.
فهل وفرت بلادنا مجتمعا كمجتمعات فلندا وسويسرا حتى نغلق السجون ونلغي الإعدام؟
وهل كون أمريكا في جريمة منظمة ومافيا قوية وأسلحة منتشرة وميز عنصري مزمن وهي تطبق حكم الإعدام يعني أن علينا أن لا نطبق ذلك الحكم لأنه غير ناجع؟؟
إن الأمر باختصار: حماية للمجرمين والقتلة والإرهابيين تحت يافطة “حقوق الإنسان”.
ونسأل: هل من يغتصب طفلا ثم يقتله، أو فتاة في عمر الزهور ثم يقطّع لحمها ويلقيها في واد، إنسان؟
هل من يقتل عون أمن أو جندي يحمي الوطن، وهو يكبّر ويرى أنه يدخل بقتله الجنة، ويذبح الأبرياء ويلهو بالرؤوس المقطوعة، إنسان؟
أية حقوق وأية إنسانية تزعمون؟؟
وأين حق ذلك الأمني، وذلك الجندي، وذاك الطفل، وتلك الفتاة، وأين حقوق المقتولين وأهليهم، وهل يكون من وراء ذلك إلا الحقد والنقمة والسعي للثأر، وشعور المجرمين والإرهابيين بأمان كبير ينعكس خوفا لدى المواطنين ورعبا يعيشونه من أجل أنفسهم وأبنائهم وأحبابهم؟؟
وهل الحق في الحياة مكفول للقاتل، في حين يموت شبابنا في البحر، ويموت آخرون في حوادث الطرقات، وسواهم بالمخدرات، وغيرهم أموات وهم أحياء، لا حياة ولا كرامة ولا عمل ولا أمل ولا مستقبل.
وماذا سيكون مصير المجتمع إن استذأب المجرم وتنعّجت الدولة وتثعلب القانون ووهن القضاء وبلغت البلاد أرذل العمر فلم تعلم بعد علم شيئا، وتكالب المتلاعبون بأمننا وتواطأ الخونة ولم يروا حقا إلا للشاذ والإرهابي والمجرم.
تطبيق الإعدام على من يستحقه ثم التعجيل بتنفيذه أمر ضروري لأمن الدولة والمجتمع، أو يضيع من البلد الأمان.
تطبيق الإعدام على كل مجرم بعد ثبوت الإدانة والمحاكمة العادلة فيه حياة لسائر الوطن، أما تركه فهو موت وسرطان.
تطبيق الإعدام على من قتل ظُلما وعدوانا بقيام الحجة عليه وظهور الدليل وجلاء البرهان هو عين العدل، والعدل أساس العمران.
والذين يتنادون بحقوق الإنسان عليهم أن يعرفوا معنى الحق ومعنى الإنسان، لأن الانتصار للحق بالباطل، والنظر لفاقد الإنسانية على أنه إنسان، فيه دمار للحق ودمار للإنسان.
سوسة 30-09-2020