6 دقائق للقراءة
(الصورة مخطوطة سيدي احمد بن بوبكرالمعاوي)
سنة 2008 كان تعرّفي المعمّق على الفكر الوهابي التيمي، بعد سنين طويلة من البحث والدراسة للمدونة التراثية الأدبية والفقهية والفلسفية، إضافة للعلوم الاستراتيجية وفنون الحرب والدفاع، التي غصت في كوامنها من خلال تخصصي النظري والتطبيقي في الفنون الدفاعية الشرقية وفلسفتها وتاريخها.
وكنت قد أنهيت دراستي الجامعية قبل سنوات من ذلك، وأتمتت تأليف موسوعة البرهان التي كانت ثمرة حفظي للقرآن الكريم أواخر سنة 2006، والغوص في الحديث علما وتحقيقا وحفظا، مع بحث الأديان المقارنة، وشيء من التاريخ وعلم الاجتماع والانتربولوجيا.
سنة 2008 كنت في بلاد الشام، بعد سكن في مصر وطرابلس الغرب، وكنت أثريت فكري بعدد كبير من اللقاءات مع العلماء من شتى المجالات، أفادوني كثيرا، مع ما فتح الله به على قلبي وعقلي.
وفي تلك السنة التقيت في أطراف دمشق مع الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني، الذي أتى خصيصا من بيروت، بتنسيق للشيخ عمر حوّري، والتقينا ثلاثتنا وحدّثني الشيخ جميل (وهو من مدرسة العلامة عبد الله الهرري الحبشي، وتلاميذه المباشرين) عن فرقة الوهابية وعن منهجهم وفكرهم وخطرهم، وصراعهم الطويل معهم، وأنهم خطر على الأمة، وزودني بعدد مهم من الكتب، أهمها كتب ابن عبد الوهاب نفسه في التوحيد، وكتاب المجد في تاريخ نجد لابن بشر مؤرخ ابن عبد الوهاب ورفيقه في “الغزوات”، ومذكرات مستر همفر، و كتب لابن تيمية وأخرى ردود علمية وعقائدية على المدرسة الوهابية التيمية بعضها بقلم الشيخ جميل وأخرى عن شيخه الهرري صاحب المناظرات معهم.
لأيام من الخلوة العلمية عكفت على قراءة تلك الكتب بروية ودقة وتمعن وتمحيص، واقتعنت علميا واستشرافيا بخطر هذا الفكر، وبأن توظيفه مستقبلا أمر حتمي، خاصة مع اطلاعي على مسائل استراتيجية دقيقة، كما أخذني البحث إلى فكر القاعدة، الزرقاوي، وأبي الأعلى المودودي، وأفكار سيد قطب وتأثره به، عبد الله عزام، وإدارة التوحش لمن تسمى بأبي بكر ناجي، وتقاطعات كل ذلك مع الفكر الوهابي التيمي….
بعد فترة من ذلك كتبت نظريتي التي حظيت بشهرة كبيرة عالميا بعد سنوات قليلة وانتحلها الكثيرون: التنظير، التكفير، التفجير، وخصائص كل مرحلة.
هنالك معطيات كثيرة تتعلق باستشرافي الدقيق للحرب على سوريا، التغييرات في مصر ونهاية حكم مبارك، قتل معمر القذافي، ما جرى في تونس، امتلك عليها الأدلة وكانت بين اواخر نفس العام والعام الذي يليه (2009) وتم بموجبها ورغبة مني في القيام بواجبي المعرفي توجيه مخاطبات او رسائل مع وزراء وقيادات عليا إلى المعنيين بالأمر في تلك الدول.
ولعل بعضها كان قبل ذلك، إذ استشرفت اثناء سكني في المغرب سنة 2007 ازدهارا وصعودا مغربيا، مع انهيار عربي.
(ومن الشاهدين على ذلك الخبير الدولي في الخرائط الذهنية والطاقة الحيوية الأستاذ المغربي ربيع الادريسي)….
ما حز في قلبي أن ما ذكرته وكتبته لم يتم التعامل معه بجدية، نظرا لأن المعطيات الظاهرية كانت عكس ما ذكرته.
ولم يكونوا يرون ما كان عقلي يراه ببصيرة القلب.
ومما استطيع ذكره رسالتي التي وجهتها الى معمر القذافي مع وزيره للشؤون الاجتماعية السيد ابراهيم الشريف اثر لقاء معه بامر من معمر نفسه الذي طلب منه أن يساعدني فيما اطلبه، وكان جوابي: “أطلب الخير لليبيا ولا اطلب مالا، هذه ارض أجدادي الشرفاء، ولكن أخبره أنه سيُقتل في حفرة كما بدأ نضاله في حفرة (مرحلة سبها) إن لم يتفطن لما يُحاك له وهنالك خيانات كثيرة حوله، وأنه يجب رفع كل مظلمة وحماية ليبيا من طوفان دم لن يترك بيتا إلا وزلزله…”.
طبعا غضبت بعض القيادات النافذة خاصة المخابراتية التي تكن تعرفني إذ كان لي أصدقاء من الرفاق على رأسهم الرجل الكريم الطيب علي المهدي.
وتم النقاش معي حول سبب ما قلته، ولعله كان يُراد بي أشد العقوبة، وكان المسؤول عن “التحقيق” في مضمون تحذيري العقيد علي عبد السلام، في مكتبه، وتداخل الامر مع أهل الله من البرزخين، ومن بينهم الشيخ المربي عمران بن كريم حفيد جدنا القطب عبد السلام الأسمر، الذي كانت تربطني به وشائح وطيدةوشهادته الغالية في حقي …
وتبين لهم أني ناصح أمين، ونجاني الله من الكمين بسر التمكين.
لكن غلب الكتاب بشأن ليبيا، ولم أكن إلا كمن يصرخ في واد…وهذا امر اترك ذكره رغم الشاهدين عليه وهم كثر.
والقصص كثيرة في تلك الدول التي سكنتها وزرت صالحيها وصادقت عددا من علماءها ومشايخها ومفكريها وأدبائها وقياداتها، او التقيت نخبا منهم وتحاورت معهم، وأحببت أن انبّه لثورات البراكين، كما يفعل كل صاحب علم صادق، ولم اسأل على ذلك أجرا، وشمل هذا حتى بلادي تونس حيث حذرت سنة 2009 من موجة إرهاب وتطورات كبرى، وأتكلم عن أعلى هرم السلطة، لكني لم أجد نتيجة.
والموجع ان بعض المسؤولين اعتذر مني بعد مضي عقد من الزمان، لأنهم لم يصدقوا حرفا مما ذكرته سنة 2008.
من يعرفني جيدا يعرف أني رجل لا يفتري الكذب ولا يبالغ، بل يُنقص مما لديه لموجبات الحكمة.
ومن لا يعرفني فله أن يتأول كلامي كما يريد.
غايتي من هذا المقال وكشفي لبعض الورقات، ليست ادعاء أني مستشرف، لأني أثبت منذ سنة 2011 ولسنوات طويلة في منابر الاعلام المحلي والعالمي وفي آلاف الحوارات الصحفية والمقالات والدراسات والندوات والمحاضرات أني مستشرف قوي دقيق لا تخطئ رميته من الصعيد الوطني واستشراف العمليات الارهابية حتى قبل يوم من وقوعها الى المستوى الاقليمي والدولي، ولو كان اسمي عزرا كوهين لكنت اترأس الان واحدا من أكبر المراكز الاستراتيجية في أمريكا او اوروبا، كما قال لي رئيس مركز مهم للذكاء الاستراتيجي الامريكي على صلة مباشرة بالكونغرس والبيت الأبيض في لقاء بمدينة سوسة، وكان يهوديا: نحن ندعم الفاشل حتى ينجح، انتم تحاربون الناجح حتى يفشل.
غايتي من المقال أمانة ورسالة إلى من يحسن القراءة والفهم.
إن العمل الكبير الذي قمت به تطوعا لأثقف شعبي بخصوص خطر التكفير وقيمة مدرسته الزيتونية، ولاسند المؤسستين الأمنية والعسكرية، في منابر الاعلام، والندوات، واللقاءات الخاصة مع ابطال الوطن وحماته، الذين اختاروا الظل وعدم الظهور.
وإن الحرب التي شُنّت علي بشتى الاشكال نتيجة لذلك مما أثبت خوف اطراف من سلاح الفكر المجرد الذي أحمله في وجه كل ما لديهم من إمكانيات.
وإن بنك المعلومات الذي أمتلكه، ودقة فهمي لما يُحاك، ولما قد تم، والأدوار القذرة التي لعبتها وتلعبها أطراف معلومة محددة.
كل ذلك يدفعني للقول أن المخاطر كبيرة، وأن الوحدة الوطنية واجبة، وأن تونس لن تنتصر دون الجزائر، ولن تنجح ما لم تخرج ليبيا من حفرة الدم.
وأن على رئيس الجمهورية أن يفهم أن المخطط يستهدفه كذلك في شخصه.
وأن الحكومة ستُنهك ما لم تستشر أهل العلم.
وأن الخونة أحقر، والمتآمرين أكثر.
وأن الدولة تغرق، وأن المجتمع مريض، وأن الشعب بدأ يفقد الامل إن لم يكن فقده.
وأن هروب آلاف الشباب على زوارق الموت مؤشر خطير يجب أن يستشار فيه علماء النفس والاجتماع، لتسريع العلاج. وان العالم كله متجه الى كارثة عظمى، في السنوات القليلة القادمة، لا يمثل فيروس كورونا فيها سوى مجرد قطعة صغيرة من جبل الجليد.
وان وعد الله حق، وسيتم.
وأن لتونس بكل ذلك علاقة كبرى تجعل زعماء الصهيونية العالمية يركزون عليها تركيزا خاصا، لعلم يعلمونه، كان يعلمه صلحاء هذه البلاد وأقطابها، ويجهله اليوم حكامها وعوامّها، وترك وليها العارف المكاشف المستشرف سيدي احمد بن بوكر المعاوي حوله رسالة مشفرة دقيقة عظيمة….
أقول هذا مختزلا، وأرسله لمن يحسن قراءته، ولا أدعي اني أملك الحل بل بعضه، والبلاد غنية باهل العلم في جميع المجالات، فلماذا يُهجرون!.
كما لا أدعي أني امتلك الرؤية للاصلاح، لكني أمتلك الرؤيا لمن اراد أن يرى أبعد وأعمق.
ولست أطلب شيئا لنفسي، ولا أريد من أحد جزاء ولا منصبا. ولا أكترث لكل أجوف فارغ يفتري او يمتري او يسخر او يحارب ويتآمر، فقد كفاني الله شر من هم أعظم منه خطرا وأشد ضررا.
إنما رسالة فرضها القلب، وهذّبها العقل، وأملاها الواجب، وسطّرها حبي لوطن قلت عنه ذات قصيدة ذاع صيتها بصوت العملاق لطفي بوشناق :
يا وطن وانت حبيبي
وانت عزي وتاج راسي
انت يا فخر المواطن والمناضل والسياسي
انت اجمل وانت أغلى وانت أعظم مالكراسي.
وإنه ليحزنني أن ارى وطني في هذه الحالة المزرية.
وأن ارى من نعلم تواطئهم مع الارهاب وانغماسهم فيه في مواضع ما كان لهم ليبلغوها لولا قوة المؤامرة والعمالة والخيانة وغباء قسم من الشعب او تلوثه التكفيري.
كما لا يأخذ رجال عظماء من شرفاء أمننا وجيشنا حقوقهم، خاصة الذين حاربوا الارهاب ميدانيا كما حاربناه فكريا، وتعاضدنا معا، ومن بينهم مهندس عملية سيدي عيش التي قُتل فيها لقمان ابو صخر وقيادات عليا في القاعدة في بلاد المغرب، العميد عمار الفالح، من الحرس الوطني، وكل القيادات والاعوان والجنود الذين حموا الوطن وقدموا شهداء آخرهم شهداء اليوم.
ورغم أني انسحبت انسحابا شبه تام من الاعلام والمنابر منذ ثلاث سنين، وامتطيت صهوة الطائرة إلى شعوب يستقبلني رؤساؤها وقادتها وعلماؤها ويحبني أهلها، تاركا الغوغاء خلفي.
فإني لم أفعل إلا ليقيني أني اصرخ في وادي سياسيي تونس وحكامها، وشعبها النائم في الوحل.
فلعل رئيسها اليوم بما له من زخم شعبي، وحكومتها الجديدة، يكونان للنصح اصغى، ولأهل العلم أقرب، وبخطورة الوضع أوعى، حتى لا تضيع دماء شهيد جديد من ابناء الوطن، من ابناء الطبقات الوسطى والفقيرة، من أبناء المؤسسة الأمنية التي لم يتوقف نزيفها، رغم كل ما قدمته..