5 دقائق للقراءة
روّج دعاة العولمة طويلا لتحول العالم إلى قرية صغيرة تربط بينها التكنولوجيا والقنوات الاعلامية، وتنفتح فيها التجارة على العالم كله، ليعيش الإنسان في رفاه غير مسبوق، ويكون مستهلكا لما يجعل حياته أكثر دعة ورفاهية.
وهذه الشعارات البراقة أخفت خلفها أنظمة مادية متوحشة، ورأسمالية لا ضمير لها، واقتصاد سوق محكوم باللوبيات والمصالح على حساب قتل ملايين البشر، وتجويع ملايين آخرين، وشن الحروب وقلب الأنظمة، ومحاربة الأخلاق بمادية عمياء وإلحادية جوفاء لا ترى في الانسان إلا كائنا مستهلكا فارغا يشتري ما يلقون إليه دون وعي، وهو ضحية لأغذية معدّلة هدفها الربح السريع، سببت ما سببت من أمراض وكوراث، ولأدوية مبرمجة تداوي علة وتسبب وباء، وتصلح عضوا لتفسد أعضاء، وهكذا صارت الأجساد منهكة والأنفس مريضة وزادت نسب الانتحار وانتشار الشذوذ والإدمان. وفي حين كان مئات الآلاف في أفريقيا يموتون جوعا في مجاعات مفتعلة أو أوبئة مصنعة، كان القمح يلقى في البحر كي لا يضر مصالح اللاعبين الكبار وكي لا تسقط الأسعار.
لقد كان تأسيس منظمة التجارة العالمية في التسعينات (1995) خدعة ذكية، مكنت من فتح مجال للمصانع الكبرى لتصنيع منتجاتها على أقسام بين دول العالم مما ضمن عمالة رخيصة، وجعل للسامسرة إمكانات مادية كبيرة، في حين لم تستفد الدول التي وقع استغلال عمالتها وأرضها سوى بالقليل، إن لم نقل أنها لم تستفد بشيء.
وعلى الجانب الفكري قضت العولمة أو حاولت أن تقضي على الهوية والخصوصية لدى شعوب العالم، لتمسخهم في قالب واحد متشابه، رسخته قنوات الاعلام والافلام والمسلسلات والأغاني الهابطة والمشهديات الفاسدة المفسدة للذوق. ليغلب النمط المادي الغربي، وليجعل ذلك من الانجليزية لغة لعالم، ومن الولايات المتحدة المستفيد الاكبر، على حساب دول الاتحاد الاوربي التي تداعت بعد انتعاشة التسعينات وبدأ اتحادها يتآكل خصوصا بعد أزمة إفلاس اليونان وتخلي الاتحاد الاوروبي عنها، ثم الأزمة الاقتصادية لسنة 2008. وحالة الركود الاقتصادي الذي بدأ يتسرب للولايات المتحدة بعد عملية 11 سبتمبر التي قادها صهاينة صليبيون لضرب أمريكا من الداخل وفق منهج توراتي محرّف. ثم خسائر الحرب على أفغانستان والعراق ضمن عمى استراتيجي وحسابات خاطئة لبوش الابن صاحب الحمق والتسرع واللؤم وفق ما وصفه به الكثير ممن عرفه حتى لقبوه بالفأر حين كان يعمل لدى ماكين.
ضمن هذا الخضم بدأت الصين وروسيا في خطوات الصعود، مع مفاهيم مضادة للعولمة ركزت على الهوية الثقافية والقيم القومية. فقد قاد بوتين نهضة روسيا، واستعاد جزيرة القرم ذات المكانة التاريخية والاستراتيجية الكبيرة. وحققت الصين نجاحات كبيرة في الابتكار والتكنولوجيا. وحين كانت السلع الامريكية تتكدس في المخازن، كان جاك ما يسدد ضربات قوية عبر موقع علي بابا، وكان التنين الصيني يزحف إلى أفريقيا واوروبا ويلتف ذيله على الولايات المتحدة بديون فاقت الخمسين مليار دولار.
وقد كان اشعال الحريق في العالم العربي وتخريب دول مهمة منه، وقوافل اللاجئين والمشردين من ديارهم بغير حق، وما صاحب ذلك من انتشار للارهاب عبر العالم، وعودة لليمين المتطرف في أوروبا، ونقل السفارة الامريكية الى القدس، وتعمق الشرخ بين دول الاتحاد الاوروبي(خاصة على إثر البريكست وإعلان انسحاب بريطانيا)، من المسائل التي كشفت هشاشة العولمة وكذب كل المنظرين لها وخيبة المنبهرين بها. غير أن الكثيرين حالوا الحفاظ على العمى نظرا لارتباط مصالحهم الضيقة بمنظومة العولمة وتبعاتها التي أوصلت المزيد من الانتهازيين والعجزة والخونة إلى مواضع الحكم والقرار، ومثل وصول انتهازي فاقد لكل القيم للحكم في الولايات المتحدة تتويجا لحقيقة العولمة ونذيرا بنهاية التاريخ وفق توصيف منظر المحافظين الجدد الفيلسوف فوكوياما، ولكن ليس بانتصار الليبرالية وهزيمة الشيوعية وفق منظوره، بل ببداية تآكل الليبرالية من الداخل. وكانت الخصومة بين ترامب ووكالة المخابرات الأمريكية، ثم مع عائلة روتشيلد مظهرا آخر للتآكل الداخلي.
وعائلة روتشيلد تمتلك البنك الدولي والبنك الفدرالي الامريكي ومعظم بنوك العالم ولديها امبراطورية اقتصادية واعلامية وعسكرية كبيرة جدا، وهي مع بعض العائلات الاخرى تحكم العالم فعليا.
من بين نظريات عائلة روتشيلد (والمتنورون) التي تمثل العولمة إحدى أوراق اللعب لديها، ترسيخ نظام عالمي جديد، وقد انبرت بيادقهم تروج لذلك، ونعني رؤساء دول ومسؤولون كبار وأصحاب مؤسسات كبرى ونجوم وإعلاميون وقنوات مهمة. ولعل اللافت لدى هؤلاء تصريحهم عبر منظمات تتبعهم أنهم يودون التخلص على الاقل من مليار بشري، وأن النظام العالمي الجديد لا مكان فيه للعجزة.
إن العولمة والنظام العالمي الجديد ومشروع الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن، كل ذلك متصل ببعضه، ولديه أذرع في الليبرالية المتوحشة والرأسمالية الجشعة والمادية العمياء وحتى في الشيوعية الجوفاء وجوقات أدعياء المبادئ والدين خاصة من ينطقون زورا باسم الاسلام.
كل هذا كان يسير نحو مسارات واضحة لمن كان له نظر: كارثة عالمية كبرى.
اليقيني عندي أن هنالك دولا وقادة لا يتبعون هذه التنظيمات ولا يخضعون لها، وأن هنالك مفكرين ورجال أعمال وإعلاميين ونجوم سينما مؤثرين وفلاسفة كبار لم يخضعوا أيضا، فبعضهم صرح علانية عن خطر داهم حتى أن منهم من تكلم صراحة عن الوباء العالمي القادم وآخرون سربوا ذلك بطرق مختلفة من بينها السينما للمجال الذي تسمح به الدراما بين التخييلي والواقعي. وهنالك من الجانب الآخر من سربوا ذلك قصدا وعمدا ضمن انضمامهم للمشروع التخريبي. وفي كل الحالات فقد تم ذكر الكورونا تحديدا في عدد من الأفلام والمسلسلات، وتم ذكر ما يشابه ذلك في أخرى، وهنالك كتب وروايات تحدثت عن ذلك بدقة وحددت العام رغم أن كتابة بعضها يرجع إلى ثلاثين عاما. وفي تلك الثلاثين عام عمل خبراء تابعون للمتنورين والماسونية وأذيالها لتصميم جندي هو الأقوى وجعلوه تاج عملهم البيولوجي وأطلقوا عليه اسم التاج (كورونا).
الجميع يتابع اليوم أحداثا تفوق تلك الأفلام: العالم كله في حالة تجميد وفزع، ثلاثة مليار إنسان في الحجر الصحي، 500 ألف إنسان مصاب، 23 ألف وفاة. والأمر يتفاقم يوما بعد يوم.
في هذه الظروف ظهر ضعف الاتحاد الاوروبي وارتباكه حتى أن الرئيس الفرنسي ماكرون صرح أن ما يجري يهدد مستقبل الاتحاد بشكل غير مسبوق. وكل دولة أغلقت على نفسها وانشغلت بهمها الذاتي. وتُركت إيطاليا تصارع وحدها كما تُركت اليونان من قبل تواجه الافلاس. وظهر جليا أن كل التطور الذي تغنوا به، وتلك العولمة العظيمة التي ستوفر الأمان لكل أهل الأرض، ليست سوى كذبة. وذاق كل اهل الأرض من الفزع ما ذاقه المظلومون من أهل الشام والعراق واليمن وليبيا.
إن كورونا سيحطم دون شك صنم العولمة، وسيعطي البرهان على بشاعة أشباه البشر الذين تخلوا عن كبارهم وبناة أوطانهم وتركوهم للموت لينجو كلّ بنفسه، إلا بعض النماذج الانسانية لدى أطباء لم تنطفئ فيهم شمعة الرحمة، أو مشاهد الطيبين من الحكام ومن الشعوب. وكذلك ما تفعله الصين من مد يد العون لايطاليا وعدد من الدول، وحتى ترامب الذي طالما حارب الصين وفرض عليها العقوبات الاقتصادية وكان يقول بكل عجرفة عن كورنا أنه فيروس الصين وهو يعلم جيدا من صنعه ومن زرعه في أجساد الدول ومواطنيها إذ أنه عنصر في المنظومة المخربة، رغم كل ذلك ها هو يستنجد بالصين بعد أن أصبحت الولايات المتحدة البؤرة الأولى للفيروس بأكثر من ثمانين ألف مصاب الآن.
ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبله يقينا، ستصحو شعوب كثيرة من خَدر العولمة ومن زيف بهرجها، وستغادر المادية وتفر إلى روحانية تجد لديها السكينة، وسيكون المجال للمتنورين الحقيقين ليواجهوا المتنورين المزيفين وتنظيماتهم الشيطانية. ولن تكون المواجهة سهلة لا شك، فالعالم تنتظر أزمة اقتصادية خانقة، وحروب لا مناص منها، ولكن للعالم مدبّر مسيّر، تلوح بشائر أمره الخفي لمن كان له قلب. ومن أراد أن يكون له في ذلك الفتح مكان، فليعمل لذلك من الآن.