3 دقائق للقراءة
كنت في غاية السعادة حين وردتني الدعوة الرسمية من الطريقة الشيخية الشاذلية التي أسسها العارف بالله الشيخ عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة (ولد سنة 1544م / 951 ه وتوفي سنة 1616م /1025 هـ ) الشهير بسيدي الشيخ، العالم والمجاهد الكبير، والعارف المتعمق المحقق، مؤلف قصيدة الياقوتة الشهيرة، يصل نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أبوه وجده عالمان كبيران شهيران، وأولاده وأحفاده من العارفين والصالحين، ومن أشهرهم المجاهد الكبير الشيخ بوعمامة، ومعلوم أن ثورة أولاد سيدي الشيخ هي أقوى وأطول ثورة ضد الفرنسيين التي دامت قرابة الخمسين سنة من 1845م إلى 1903م. انطلقت بثورة سيدي الشيخ بن الطيب سنة 1845 ثم بعد عشرين سنة اندلعت ثورة أولاد سيدي الشيخ “الشراقة” بزعامة سيدي سليمان بن حمزة في 8/4/1864م ثم بعد ست و ثلاثين سنة انطلقت مقاومة الشيخ بوعمامة في 1881م، ولم يقع استعمار المغرب إلا بعد مؤامرات كثيرة قام بها الفرنسيون ضد قبيلة أولاد سيدي الشيخ مثل تقسيمهم إلى قسمين قسم أصبح جزائريا (أولاد سيدي الشيخ الشراقة) وقسم صار مغربيا (أولاد سيدي الشيخ الغرابة) وذلك بموجب معاهدة لالة مغنية الموقعة بين فرنسا والمغرب في 18 مارس 1845م، وشتى انواع التنكيل والفتن وسلب الأراضي حتى انتهت ثورتهم سنة 1903 لتستعمر فرنسا المغرب بعد عام واحد. فهي سلالة طيبة من أهل الصلاح والتصوف والجهاد ضد المستعمر والغزاة والدفاع عن الأرض والعرض، وهي حقيقة أهل التصوف الربانيين الصادقين.
قدمت إلى المغرب فكان لي مقام في الدار البيضاء والرباط حيث اللقاء مع عدد من الاحبة، ومضينا إلى فاس وإفران، وإلى مدينة وجدة أخذتنا الرحلة برّا من الرباط، وفي تلك المدينة الهادئة في الشرق المغربي، كانت لنا سمر مع بعض الأحبة من أحفاد سيدي الشيخ القادمين من الجزائر وفرنسا، والمغاربة أصيلي المنطقة، لننظلق إثر ذلك إلى عمالة جرادة ثم إلى عين بني مطهر التي كانت أرض الجهاد والجلاد ضد المستعمر الفرنسي، وأرض التصوف والخلوات والزهد والصلاة، حيث الزاوية الشيخية العامرة، وكم كانت سعادتنا كبيرة ونحن نجد في استقبالنا الشيخ سيدي حمزة وأبناءه في موكب بهيج من الفرسان والمريدين. ولكم كان التأثر عميقا في لقاء الشيخ وكل اولئك الأحبة في الله.
هو شعور عجيب باختراق الزمن، لكأنك في قرون أولى كان فيها للفارس مكان أرحب ومكانة أكبر وللفروسية معنى أعظم، وفي عبق صوفي نقي، انعقد مؤتمر الطريقة، وحاضر فيه علماء ودكاترة مختصون: الدكتور جلول صديقي مدير معهد الغزالي في باريس، والدكتور كريم إفراق المختص في العلوم الاسلامية (مغربي مقيم في فرنسا)، والدكتور لخضر من الجزائر.
وكانت لي ثلاث مداخلات ليومين، الاولى في معنى التصوف وحقيقة الصوفي، والثانية في سر الاجتباء والاختيار من آدم إلى رسول الله ومن رسول الله إلى أهل الله. والثالثة عن القلب معين الرحمة.
وقد كان الدكتور جلول صديقي رئيس الجلسة العلمية الأولى، فأحسن التقديم والربط والتعريف بالشيخ عبد القادر محمد وطريقته، في حين كان الدكتور والشيخ بالحرمة ابن الشيخ حمزة خير من قدّم للمحاضرتين الثانية والثالثة.
وضمن هذا اللقاء الروحاني العطر، في أرض طيبة مباركة، كانت عروض الفروسية التي ذكرت بأمجاد العربي، وببطولات المجاهدين الحق ضد الاستعمار، خاصة الشيخ بوعمامة وجهاده الطويل ضد الفرنسيين، أو الشيخ عبد القادر محمد الذي استشهد وهو يدافع عن وهران ضد غزو الاسبان.
هي أيام لا يمكن نسيانها، وعطر سيصحب الروح دائما، وفي خلوة سيدي الطيب وجدت أثرا لأهل الله لا يمحوه الزمن، وبركة للصالحين لا يعرفها إلا من ذاق واشتاق. وفي أعين دامعة لكلماتي شعرا وموعظة، ابصرت طريقي أكثر جلاء ووضوحا” طريق العشق والفناء في الله، والسير على خطى أهل الله، أهل الحضرة والنظرة، وأهل الذوق الشوق، طريق موصلا لا شك إلى الحضرة العلية، وإلى رسول الله خير البرية.
في طريق يمتد لأكثر من ألف كيلومتر، كنت برفقة الشيخ بوعمامة ابن الشيخ حمزة، بعد أن زرنا مقام المجاهد الشيخ بوعمامة في جرادة، كنا نمضي إلى مراكش، حيث نزور السبعة رجال، وكانت الزيارة عظيمة جميلة، كما سنبين فيما سيأتي.
سلام الله على أهل الله.