3 دقائق للقراءة
مدينة مجبندر مدينة صغيرة تابعة لمدينة شوتاغونغ في بنغلاديش بلاد الألف نهر، وإلى هذه المدينة أتى مؤسسها الغوث السيد أحمد الله الحسني الحسيني حفيد الشيخ عبد الرزاق بن الغوث الأعظم الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره وسرهم منذ مائتين وثلاثين سنة، وكان قاضيا ومحدّثا، فاجتمع عليه الناس وأنسوا به، وأحبوه فأحبوا دينه ودخلوا في الإسلام، وهنالك تأسست الطريقة القادرية المجبندارية.
وتسمى مجبندر بالمدينة المقدسة أو مدينة الصالحين، ومن أوليائها أحفاد السيد أحمد الله الذي يشمخ مقامه بجانب عين ماء وبحيرة، نجد مقام حفيده صاحب التصريف السيد غلام الله، ثم ابنه غوث الزمان أبو البشر، وصولا إلى الرجل الصالح السيد معين الدين أحمد الذي طاف الأرض ناشرا معاني السلام والحب والتصوف الحق، ثم خليفته وابنه أخي وصديقي السيد سيف الدين أحمد الذي كان خير خلف لخير سلف، وتجلت فيه كرامة الباز سيدي عبد القادر الجيلاني وكرامة أجداده، فهو رجل عمل وإصلاح، قام بالكثير من أجل مساعدة الروهينغا ويشرف على ذلك بنفسه مباشرة، ومن خلال علاقته المقربة من رئيسة حكومة البلاد الشيخة حسينة ابنة الشهيد والزعيم البنغالي الشيخ مجيب الرحمان الذي ينحدر أيضا من أسرة صوفية حيث جده من الصالحين، فقد تمكن من تقديم النصح باستمرار لما فيه خير بلاده، وقد زارت رئيسة الحكومة مجبندر أكثر من مرة إجلالا للصالحين وحبا لهم.
وبالإضافة إلى الإشراف على عدد كبير من الزوايا في أرجاء بنغلاديش، وإدارة مجموعة من المؤسسات والجمعيات المدنية في مجالات كثيرة مثل الرسم والخط العربي والنشر والتوعية، ومع شبكة داعمة من الإعلام، وإدارة طريقة تضم خمسا وعشرين مريدا، بكل ما يتطلب ذلك من مساعدين ومنسّقين وندوات وملتقيات، فإن ذلك لم يشغله عن الإهتمام بأمر مهم جدا: وهو التعليم.
لذلك فتح مدارس كثيرة في مجبندر وفي سواها يدرس فيها مئات الآلاف، تدرس اللغة العربية واللغة الانجليزية والعلوم، وكذلك تحفيظ القرآن وتدريس العقيدة الفقه الحنفي والحديث، وقد زرنا مدرستين تضم إحداهم قرابة الألف، والأجمل أنها جميعا تقدّم الدروس مجانا للتلاميذ مع كل ما يصاحب ذلك من نفقات.
إنه تجسيد حي للصوفي الذي طالما كتبت عنه: العامل المصلح، والمجتهد في سبل الخير، والذي يعي جيدا أنما هي أمانة وأن عليه واجبات كثيرة، والذي يهتم لحال الأمة ويتألم لأحوال المسلمين.
لقد كانت بيننا نقاشات كثيرة في عمق التصوف، وفي ضرورة خروجه من الخلوة إلى الجلوة، ورأيت مريديه وانضباطهم، وشهدت المولد معه لعامين متتاليين، وأقول أن أمثال هذا الرجل الصالح يجب أن نحتذي بهم، وعلينا أن نتعلم منهم، وعلى الصوفية في عالمنا العربي أن يتعلموا منهم إن لم يبلغوا ذلك المستوى من الفهم، وللأسف كثير من لم يبلغوا مثقال ذرة منه، رغم وجود الخير والخيرين، والصلاح والصالحين، وأعتقد أن الصالح لا يتم دون إصلاح، والفعل لا يكون دون تفعيل، وكل ذلك دونه سياسة ونظر، وتدبير ورأي، واستراتيجية وتخطيط، ثم تنفيذ محكم وسير حكيم.
زرت مجبندر من قبل ليلا، فكانت عروسا من الضوء والماء تتلألأ فيها مقامات أهل الله الأشراف أحفاد سيد المرسلين، وزرتها هذه المرة ليلا أيضا بعد رحلة طويلة من كوسبازار ووجع شديد مما رأيته في مخيّم الروهينغا، ولكني رغم تعبي لم أستطع النوم، كانت روحانية المكان عالية جدا، تكاد ترى بقلبك ازدحام الأرواح حول أنوار المقامات، ثم أذن الفجر وإذا بنحل من الذاكرين أطفالا وشبابا يقبل على رحيق الذكر وزهور التسبيح في حقول المحبة والرضوان وبساتين أهل الله التي أنبتت من كل زوج بهيج، فتذوقت من عسل النفحات الرحمانية وشممت شذى عطر اللطائف اللدنية، وكدت ألمس بيدي ما لا تلمسه إلا القلوب العارفة.
من ذاق اشتاق، ولا يلام من لم يذق إن أنكر، فالإنسان عدو ما يجهل.
تحية ملأ الروح لمجبندر وسلام على صالحيها، وتحية للسيد سيف الدين أحمد وسلالة أجداده إلى رسول الله وآل بيته الطاهرين، والحمد لله على أن جعل لنا من النسب نصيبا، ومن السند نصيبا، ومن المدد ما فاق الرجاء وجاوز الظن، وكذا العطاء السلطاني، فإذا أعطى أدهش، وكذلك هو هو، ذلك الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وهدى منه إليه وألهم، دلّ به عليه وأفهم، وأعطى ومنح وأكرم.
فالحمد لله رب العالمين.
دكا، بنغلاديش، 09/12/2017 – 01:53