2 دقائق للقراءة
من أمراض القلوب السارية، وأعراض النفوس الضارية: مرض الكراهية.
إنه مرض عضال يصعب علاجه، ويعسر الشفاء منه، يبدأ بضيق في الصدر وحرج، وفوضى في النفس وهرج، ووسواس في الرأس، شديد البأس.
ثم ينتقل إلى الحقد الأعمى، فالحسد الأسود، الذي يأكل قلب صاحبه، ويفترس نفسه، ويؤذي روحه.
فيتصاعد ذلك الدخان، إلى اللسان، وينطق في البيان، بالشتم والسب والبهتان، وتشهد عليه العينان، في نظرات كلها شر وشرر، فيكاد الحاسد يزلق ببصره من حسده، ويود الكاره الناقم لو فعل فيما ينقم عليه الأفاعيل، فإن عجز اكتفى بالقال والقيل.
إنه حقد إبليس على آدم الأول وحسده له، سرت طاقته السوداء في قلوب بعض الذرية الآدمية، فقتل بسبب ذلك قابل أخاه هابيل، وطغت شياطين الحسد على أرواح بشر كثر، فسدوا وكسدوا، وعجزوا فحسدوا.
وللقرآن على هذا شواهد، وفي ذلك مشاهد، عن أقوام حاسدين فاسدين، وناقمين جاحدين.
وكله دال على بؤس ذلك الحال.
فتعسا لكل حقود حسود، جحود كنود، عتل لا يسود، زنيم لا يقود، كليل في منازعة الأسود.
وها أني أرى فلول هؤلاء، وزمر أولئك، تسعدا حسدا، وتنطق كذبا، وتموت كمدا، ويتعالى عواؤها ومواؤها ويُذل داؤها ويّعز دواؤها.
فأقول لهم قول الشريف الرضي:
ذَنبي إِلى البُهمِ الكَواذِبِ أَنَّني ال
طُرفُ المُطَهَّمُ وَالأَغَرُّ الأَقرَحُ
يولونَني خُزرَ العُيونِ لِأَنَّني
غَلسَتُ في طَلَبِ العُلى وَتَصَبَّحوا
وَجَذَبتُ بِالطولِ الَّذي لَم يَجذِبوا
وَمَتَحتُ بِالغَربِ الَّذي لَم يَمتَحوا
مِن كُلِّ حامِلِ إِحنَةٍ لا تَنجَلي
غَطشى دُجُنَّتُها وَلا تَتَوَضَّحُ
ضَبٌّ يُداهِنُني وَيُشكِلُ غَيبُهُ
مِمّا يُرَغّي قَولَهُ وَيُصَرَّحُ
يَغدو وَمَرجَلُ ضِغنِهِ مُتَهَزِّمٌ
أَبَداً عَلَيَّ وَجُرحُهُ مُتقَرِّحُ
مُسِحَت جِباهُ الوانِياتِ وَلُطِّمَت
مِن دونِ غايَتِها العِتاقُ القُرحُ
لَو لَم يَكُن لي في القُلوبِ مَهابَةٌ
لَم يَطعَنِ الأَعداءُ فِيَّ وَيَقدَحوا
مَن خيفَ خَوفَ اللَيثِ خُطَّ لَهُ الرُبى
وَعَوَت لِتُشهِرَهُ الكِلابُ النُبَّحُ
نَظَروا بِعَينِ عَداوَةٍ لَو أَنَّها
عَينُ الرِضى لَاِستَحسَنوا ما اِستَقبَحوا
ولعل خسة نفوسهم تمنعهم من النظر، وقلة أفهامهم تصدهم عن استكناه العبر، والاعتبار ممن غبر.
ولكني أتركهم في غيهم يعمهون، وأمضي نحو غايتي العالية، بهمتي الغالية، ونفس من الضغائن خالية.
ولا عزاء للمرجفين.
سوسة 2024-06-08