2 دقائق للقراءة
للمرة الثانية أحضر احتفالات المولد النبوي الشريف في بنغلاديش، وللمرة الثانية يشرفني أخي السيد سيف الدين أحمد الحسني الحسيني المجبندري شيخ الطريقة القادرية المجبندرية بدعوتي لإلقاء كلمة والحضور في حفل بهيج بمدينة دكا، وكانت لنا العام الماضي زيارة إلى مجبندر مدينة الأولياء وكلمات طيبة أيضا.
وكلما جئت، وحيثما كنت في بنغلاديش، سوف ترى أمرا يفاجئك ربما، أو لعله يحزنك بقدر ما يفرحك: “مقدار عشق هؤلاء القوم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم”.
وأنت تنظر إليهم يتراصون في الحافلات، يأتون من كل صوب، يجلسون ساعات تحت الشمس الحارقة ولا يبالون، وحالهم يقول: “لا يشعر العاشق بأي تعب وهو في حضرة معشوقه، ولو أحرقته بالجمر لما أحس”.
إنهم فعلا عشاق، واليوم، لساعات طويلة جلسوا وهم يمدون أيديهم وتتعالى أصواتهم تكبيرا وتهليلا، وفي اعينهم بريق عشق عظيم لنبي عظيم.
ربما تسألون: وما المحزن في هذا بقدر ما هو مفرح؟
المفرح أن ترى أمما وشعوبا بينها وبين المدينة مسافات طويلة كم تعشق الحبيب المصطفى، في الهند وباكستان وأفغانستان والصين وماليزيا وأندونيسيا، ولكن المحزن كيف انبرى شراذم من أبناء قومه (العرب) بل هم أقرب الناس من مكان مولده وبعثته وهجرته مكانا، يكفرون أمته ويبدّعون من احتفل بمولده، ولكن مشهدا من احتفال المدينة المنورة بمولد هذا العام ألقى بالحزن بعيدا.
إنهم عشاق لرسول الله، وحين تعرف وترى هذا تسأل: إلى أي قدر أعشقه؟
هذه الشعوب التي تضحي وتكدح وتعمل، لا يلهيها شيء من تعب الدنيا عن حب نور الآخرة والدنيا، ويرددون ملئ قلوبهم: قم زيّن الدنيا بنور محمد.
وفي هذا المشهد فاضت روحي بكلمات العشق، ولست في العشق بمدّعٍ، وذكرت تونس والزيتونة ورجالها وصالحيها وحبهم وعشقهم لنبيهم، وذكرت الصالحين الذين لا يفارق حبهم قلبي وذكرهم لساني على مرغم من أبى، فكان الغوث الأكبر الشيخ عبد القادر الجيلاني حاضرا، والأقطاب الرفاعي والشاذلي، والسادة أبا سعيد الباجي ومحرز بن خلف، وكذلك ولي الهند الذي أسأل الله تيسير زيارته قريبا إن كان مأذونا به سيدي خواجة معين الدين الجشتي الذي أدخل الله به الاسلام إلى كل أرض هندوستان، حضر هؤلاء السادة في كلمتي، حضورهم الدائم في قلبي، ولعلهم حضروا بأرواحهم أيضا، بل بذاتهم، أليست الروح جوهر الذات؟
وما في حضورهم من عجب، وهم العشاق للنبي حقا، في مشهد عاشقين للنبي حقا، مشهد تشهده الملائكة ويُشهد الله عليه الأقرب من خلقه فالأقرب، ملائكة وأنبياء وأرواحا، أليس مشهدا من عرس الكون واحتفاله بحبيب رب الكون.
فإن حضر هؤلاء ونظروا، ألا يرى الرائي خلفهم وفوقهم ومعهم وفيهم رسول الله ناظرا حاضرا؟
ألا أقسم بالذي جعل العشق تاج معرفته، إنه أولى وأقرب، وأكرم من أن يترك عشاقه وحدهم، فيا خيبة المحرومين.
دكا، بنغلاديش
الأحد 03/12/2017 الساعة الثامنة والنصف ليل