2 دقائق للقراءة
ليست ليلى في تاريخ الشعر والعشق العربي مجرّد أنثى تعبر قلب مغرم أو تمكث فيه، تصدّه أو تصله، تلتقيه أو تفارقه، بل هي أبعد من ذلك وأجمل..
إنها رمز المرأة في قصائد العشاق، تلك الراغبة المتمنعة، والرائعة الملوّعة، والجميلة التي يتبع العاشق طيفها في كل جميل يراه، هي القمر والظبي والوردة، وهي التي في الخيام وفي طلل الخيام، في الصحراء وفي واحاتها وهجيرها وكائناتها وأزمنتها ليلها ونهارها نجومها وشمسها وضوئها وحلكتها…حتى يقول قائلهم (1):
أليس الليل يجمعني وليلى…كفاك بذاك فيه لنا تداني
ترى وضح النهار كما أراه…و يعلوها النهار كما علاني
وهي الجنون كله والعشق كله واللذة في اكتمالها والوجع في قسوته التي تفتت صلد الحجر.
وجنون قيس بالعامرية قمة من قمم ذلك العشق لليلى التي لا تتوب عن قتل عشاقها ولا يتوب عشاقها عن عشقها، حتى يكون حالهم كحاله ومقالهم كمقاله (2):
يسمونني المجنون حين يرونني…. نعم بي من ليلى الغداة جنون
وهي الحضرة في شعر المتصوّفة، وبوارق الإشراق ولواعج التجلي وأحوال الترقي والتلقي، رمز الذات المحمدية حينا، ورمز الحضرة العلوية حينا، وفي كل المقامات لليلى مقام، تكشف عن وجهها طورا، وتغطيه بلثامها أطوارا، فيهتف الفاني في العشق الرحماني (3) :
دع جمالَ الوجه يظهرْ… لا تغطي يا حبيبي
طول ليلي فيك أسهرْ… زاد شوقي ولهيبي
هكذا المحبوب يقهرْ… بالجفا قلب الكئيب
كلّ شيء عِقد جوهرْ… حِليةُ الحُسْنِ المهيب
وتنهمر الدموع من صهد الشوق إلى ليلى وتونع الأحلام من ندى رقّتها، ويكون الجنون بها في أعين الأغيار قمة العرفان في أعين أصحاب الأسرار، فيلذ الموت ويهتف هاتفهم(4) :
اقتلوني يا ثقاتي….إن في موتي حياتي
ويحن القلب وتصبو الروح حتى يعزف العازف على ناي الاشتياق ويتغنى (5):
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت… إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم… إلا و أنت حديثي بين جلاســي
ولا هممت بشرب الماء من عطش… إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
وليلى عزيزة غالية، ورفيعة عالية، وكلّ يدعي وصلا بليلى، ولكن قليل من عرفها حقيقة أو رآها، فحاله حال الشادي (6):
أوَميضُ بَرْ قٍ بالأُبَيرِقِ لاحا… أمْ في رُبَى نجدٍ أرى مِصباحَا
أمْ تِلكَ ليلى العامرِيّة ُ أسْفَرَتْ…ليلاً فصيرتِ ا لمساءَ صباحا
فمجانين ليلى في كتاب العشق وتاريخ العشاق كثير، وعشّاقها كثر، ولها أن تتسمى بما أرادت أو شاء من سمّاها أو كنّى عنها، ولها أن تكون في قصص كثيرة كأنها روح تتقمص المعشوقات، هي عبلة وسعاد وبثينة وعفراء حزام، وهي سعدى وسلمى، وهي أحوال أهل التصوف وما ارادوا من معنى وما طربت له أرواحهم من مغنى، وهي كل حرف جميل وكل لحن شجي وكل عبق وشذى وأريج، ليلى كون من الموسيقى وغابة من القصائد وبحر من المعاني وكوكب من كواكب العشق.
هذا الديوان هدية لمجانين ليلى جميعا، عشاق حواء في تجددها، الأوفياء الأصفياء لذلك الحب الإلهي في جميع أحواله ومجاليه: في تجليات الوجد وتجليات العشق وتجليات الوصل وتجليات الحرمان، وفي مقامات الحزن ومقامات البهجة ومقامات القرب ومقامات البعد والرحيل. فحي هلا إلى سَفر المشتاق وسِفر العشاق وكون المجنانين: مجانين ليلى، المفرد المتعدد، والأنثى الرمز…
ليلى وحدها..أولا وأخيرا…
(1) (2) مجنون ليلى – قيس بن الملوح (3) عبد الغني النابلسي (4) (5)الحلاج (6) ابن الفارض