2 دقائق للقراءة
قاعدة ثانية : ليس هذا العلم مجرد نظريات وتهويمات، بل هو فن شبيه بفن السيف، وأعتقد جازما أن على كل من يروم الغوص حقيقة في هذا العلم أن يتعلم فن السيف الياباني.
في فن السيف هنالك وضعيات أولى، ووضعيات تحرك. أنماط حركة. تقنيات. ولكن الأهم من كل ذلك، ومن قوة السيف ومعدنه، ودقة صناعته. وكذا من قوة الساعد وطول تدريبه. الأهم هو الطاقة والروحانية. فمن دونهما لا يكون المحارب محاربا حقيقيا. فما ميّز موساشي عن سواه (وهو ما يعترف به في كتابه الذي كتبه في ختام حياته) عن غيره من المقاتلين هو تلك الطاقة والروحانية. ففن السيف إذا كامن روحي وطاقي ويعمل على تلك الطاقة وتلك الروح. وعليه فإنك حين تواجه مشاكل معينة، فإنك إن لم تتمكن من تحفيز وتقوية طاقتك وطاقة من تنوي بهم تنفيذ استراتيجيتك، وكذا الروح المعنوية والقتالية لك ولهم، فإن كل آلياتك سوف تفشل حتما.
ربما يكون الفكر سيفا في الاستراتيجيا، ويكون العقل مقام الساعد واليد التي تمسكه. وكون الظروف والاحوال وضعيات قتال. لكن لا يمكن للفعل الاستراتيجي ان يكون ناجعا دون طاقة نافذة وروحانية عالية وشفافية كبيرة.
قاعدة ثالثة: عبر التاريخ العسكري، تميز سن تزو بقدرته الاستراتيجية المذهلة. وعبر التاريخي الفكري، كان لكنفشيوس دقة واختزال واستراتيجية فكرية رائعة. ولكن لسائل ان يسأل عن سر الصين واليابان وقوة الاستراتيجيات عنهم. والامر بسيط جدا رغم كل تعقيداته الداخلية: إنه يتعلم بالصفاء الروحي.
الصفاء هو معنى الزن (zen من اهم المفاهيم في الفكر البوذي)، والهداية هي معنى الطاوية (الديانة الثانية بعد البوذية في الصين واليها ترجع معابد الوودنغ وقد استعادت مجدها عن طريق لاو تزو في القرن السادس). وقمة الصفاء هو الساتوري مقصد الساموراي الياباني خلال تاملاته المضنية وتدريباته القاسية (وهو من أساسيات ديانة الشنتو التي كان عليها اكثر الساموراي ولها تسمية اخرى هي كامي نو ميشي kami-no-michiوتعني طريق الالهة). واذا نظرنا في الدين الاسلامي فاننا نرى مفاهيم الصفاء والهداية اساسية فيه لبلوغ مقامات عليا مثل مقام الإحسان وأحوال المتصوفة ومرامهم في الإشراق وهو ذاته الساتوري اما طريق الالهة او الشنتو فالاصل طريق الله الواحد وهو الصراط المستقيم. ذلك أنها معاني انسانية مشتركة مموصولة بذات الصلة مع الخالق رغم تغييرات الزمن والنسيان.
وبالرجوع للتاريخ الإسلامي فان تحقق الانتصارات العلمية والعسكرية والدعوية الكبرى كان عبر توفر الصفاء والرقي الفكري والروحي والاستقامة النفسية. فالأنفس المضطربة والارواح المثقلة بركام المادة والأفكار الهزيلة لا تنتج الا استراتيجيات خاطئة وهو ما أسميه “بالغباء الاستراتيجي”.
ويمكن أن ينتج الكوارث حين يكون حال حاكم أو قائد مثلا. لذا قال سن تزو في كتابه الرائع فن الحرب: ” يعتبر القائد حصن الدولة، فإذا كان هذا الحصن محكما من جميع الجهات فالدولة ستكون قوية، أما إذا كان هذا الحصن فيه عيوب فالدولة ضعيفة”.