3 دقائق للقراءة
الحمد لله الذي هدى للخير سبيلا، وأقام للحق حجة ودليلا، نبيّا إماما هاديا ورسولا، من كتب له خير الآخرة وخير الأولى، وجعله نبراسا وسراجا منيرا، وأتم به فضلا كثيرا، ووهبه مقاما عظيما، وجعله بالمؤمنين رؤوفا رحيما، وصلى عليه وسلّم تسليما.
والصلاة والسلام على الإمام المجتبى والرسول المصطفى، وعلى آله الذين كانوا شعاع شمسه الربانية، ومجلى أنواره الرحمانية، ومجمع أسراره العرفانية، وعلى أصحابه الذين رضي الله عنهم في محكم الآيات القرآنية.
وبعد: فإن الصلاة على سيدنا ومولانا وإمامنا محمد، من أعظم القربات إلى الله.
بل لقد أجمع أهل العلم والحقيقة أنها من أعظم أبواب الخير ورفع البلاء ونوال العطاء الرباني والفوز في الدارين.
ومهما برع العالم في علمه وتعمق ذو الفهم في فهمه، فإن الإحاطة بفضائل وبركات الصلاة على سيدنا محمد أمر لا يُدرك، فالمصلي الله والمرددون للصلاة ملائكته، والمصلّى عليه من لا يحيط بأمره إلا ربّه، ولا يعلم عين فضله وحقيقه مقامه إلا من أرسله.
الصلاة على رسول الله راحة للنفس وبهجة للقلب وسند للمؤمن. بها تنال الفتوح العظيمة وبها تُرفع الرّتب.
الصلاة على رسول الله كنز ربّاني عظيم، فيه من النفحات والبركات ما لا يخطر على بال بشر.
ولم يكن الأمر الإلهي بالصلاة عليه إلا هدية للمؤمنين والمحبين لنبي الرحمة، مع ما فيه من برهان على رفعة مقامه وعظمة منزلته ومدى قربه من ربّه ومكانته لديه ومقامه عنده.
وقد تبارى المحبون وتنافس العاشقون في الصلاة على رسول الله، فكانت الكتب التي حُبّرت للصلاة عليه، من أشهرها وأظهرها كتاب دلائل الخيرات للإمام الجزولي، ومن ذلك ما كان شعرا في مدحه وفي الصلاة عليه أشهرها البردة للإمام البصيري.
وقد منّ الله فيما منّ به عليّ أن فتح لي نافذة للصلاة على النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، إضافة إلى عدد كبير من المدائح لجنابه الشريف والقصائد المعطرة بحبه وحب آله فاضت علي لسنين طويلة وفي أمصار كثيرة وأصقاع بعيدة لعل أشرفها ما كان في مدينته وعند ضريحه الشريف، وما ذلك إلا نفح من بركات حبّه وما كان من الحال الدال عليه، ومن أنوار النسبة وأسرار النسب الموصول إليه.
وقد عكفت لأعوام أجمع فيوضات الصلوات لأجعلها في كتاب كنت عزمت على أن أسميه “كتاب الصلاة على أشرف المخلوقات”، ضمن سلسلة المشكاة. وهو شيء من مسعى المحب، وبذرة من بذل المشتاق المؤمن المصدّق المستجيب لأمر الله بتلك الصلاة.
كما أنه عمل المتوسل المستجير، الذي أتى باب آل البيت من أبواب أهل الله وجاه الصالحين، ثم أتى باب رسول الله من باب آل بيته الذين أمر بحبهم ليكون ذلك برهانا على حبه، وسبيلا إلى قربه، ومعراجا إلى رضوان ربه.
كما أن الصلوات في هذا الكتاب استغاثة برسول الله في زمن محن وفتن، فيها ما فيها من رجاء، ومن طمع الطامع في العطاء من رب العطاء كاشف الغطاء الفعّال لما يشاء، وفي كرم نبي كريم بالمؤمنين رؤوف رحيم. وفي حرقة قلب محمدي النسب والنسبة، بعد أن تناوشته شياطين الخطايا وطعنته خناجر البلايا، حتى جاء من عند الله فتح ونصر، ببركات الصلوات والمدائح والحب الذي لا يُصد، والوسيلة المحمدية التي لا ترد.
وفيها من دعاء الداعي بالخير لأهل الخير، والسائل المدد والفرج القريب، واليسر بعد العسر، وحسنة الدنيا والآخرة، والفوز بالجنة والنجاة من النار، ورفعة المقام، والثبات على نهج النبي الإمام، ورسوخ القدم في العلم، وبلوغ الرتب في منازل العارفين، ومغفرة الذنب، وشمول العطاء من الذي إذا أعطى أدهش، وإذا منح أجزل، وإذا وهب أغنى.
ولعلك تجد طالب الوصال قد أفرط، وسائل النوال قد أكثر. كلّا، فالمسؤول كريم، والمقصود جواد رحيم، والمسؤول به ذو جاه ومقام عظيم، والوسيلة نافذة وأبوابها لا توصد أبدا، فهل أنفذ وسيلة من رسول الله وهل أعظم جاها عند الله من جاهه وهل أقرب لنوال من الصلاة عليه.
فهذه صلوات زكيات على سيد الكائنات، هي زاد السفر ومؤونة الرحيل ودرع المستجير وحصن المستغيث ومفتاح المتوسّل وكنز المحب وباب السائل.
نسأل الله النفع بها وبسرها ومددها وبركتها وما حوته روحانية الحرف ونورانية الكلمات.
# الشيخ مازن الشريف، الصلاة على رسول الله، سلسلة المشكاة، كتب دينية